ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 12/07/2012 Issue 14532 14532 الخميس 22 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

لا يشك أحد أن تطورات العقدين الأخيرين في مجال التقنية وخدمات التواصل قد قطعت أشواطاً بعيدة، وصنعت للإنسان ما لم تصنع له تقنيات القرن الماضي بأكمله. لكن هل كل تلك التطورات إيجابية ومفيدة للإنسان (الكيان)؟ وهل قدمت له فعلاً مزيداً من الراحة والشعور بالطمأنينة في نفسه وفي علاقاته مع الآخرين؟

نأخذ مجالين من مجالات التطور التقني في حياتنا المعاصرة، من أجل تقويم الأثر الذي حدث بسبب من كل منهما. الأول مجال تقنية الإنترنت، وما صاحبه من قدرات واسعة في التواصل بين الأفراد المتباعدين، وبطرق وأجهزة مختلفة في إمكاناتها وأوضاعها السلكية واللاسلكية وأحجامها الكبيرة والصغيرة، وطرق ربطها المتعددة. هذه الإمكانات جعلت الأصحاب والأزواج والأصدقاء يجلسون متقابلين، دون أن يرفع أحدهم النظر إلى الآخر، أو يتبادلون الكلام، ويتناقشون ويستمتعون بجلستهم المشتركة، كما كان الأمر في أزمان مضت. هذه التقنيات هي التي جعلت الشباب (ذكوراً وإناثاً) يختفون في غرفهم أو ينزوون في أقاصي المنزل، يمارسون التواصل الافتراضي، تاركين التواصل الحقيقي مع بقية أفراد أسرهم، ومفضلين تلك الحالات التواصلية على الاستمرار في جلسات الغداء أو العشاء أو استراحات القهوة والاسترخاء العائلية. فما الذي يجذب هذه الفئات -على وجه الخصوص- وبقية الناس بشكل عام إلى تلك السلوكيات وذلك الانعزال، الذي جعل كثيراً من فئاته انطوائيين، وقليلي الكلام، ومتعبي العينين، ومشتتي الذهن؟ رحم الله أيام البلايستيشن التي كانت ترهق النظر والدماغ، لكن ممارستها لا تزيد عن ساعات محدودة، وفيها أيضاً ممارسات جماعية!

أما المجال الثاني فهو تطورات التقنية الخدمية نفسها في إطار الإلكترونيات من الألواح الكبيرة والأزرار الناتئة إلى الشاشات الصغيرة وتقنية اللمس، التي جعلت تلك الشرائح الإلكترونية تستقبل الأوامر بسرعة، وتنفذها دون أن تتيقن من أن صاحب الأمر يعني ما فعله، أو يعنيه فقط. وأعطي مثالاً على تلك التطورات ممثلة في برامج الوورد الأخيرة، التي أصبحت غير عملية للكتابة الطويلة والسريعة؛ إذ تتفاعل تلك البرامج مع أي لمسة مجاورة على أنها إصدار أمر آخر. فينفذ الجهاز ذلك الأمر المزعوم. وإذا كان المرء لا ينظر إلى الشاشة، كما اعتاد من يكتب بسرعة على تطبيقات الوورد السابقة، والتي لا تظلل بنفسها، ولا تلغي شيئاً بمجرد أن يصبح مظللاً، ولا تنقل المؤشر إلى موقع آخر تكتب فيه دون إذن من صاحب الأمر الذي بقيت عيناه مركزتين على مصدر الكتابة الذي يكتب منه.

فهذا يعني أن مستخدم هذه البرامج الحديثة الميسرة قد أصبح أسيراً لذلك التيسير، والسرعة في التنفيذ، مما يجعله يخشى أن ينفذ الجهاز أشياء أخرى مختلفة عما يريده صاحب الأمر. فيظل متنقلاً ببصره بين الورقة والشاشة لئلا تحدث نكبات فيما ينتجه البرنامج. وقد كنت استسهلت أمر متابعة المكانين في بداية الأمر؛ فاكتشفت أنه قد ظلل بعض الأسطر وألغاها بأمر من عنده، مما يجعل الملف ناقصاً بعد انتهائه. والأمر أهون إن اكتشفه المرء في حينه، لكن المشكلة أنه في بعض الحالات –ومع الاضطرار إلى السرعة في هذا العصر– لا يكتشف إلا في وقت متأخر، أو لدى أحد لا يستطيع معرفة ما الذي نقص، أو حذف، أو تقدم أو تأخر.

فهل تطوير مثل هذه البرامج إيجابي بهذا الاتجاه؟ من وجهة نظري أنه ليس إيجابياً، أن تخاتل التقنية مستخدمها، وتضطره إلى البقاء يقظاً مع كل خطوة، لئلا يحدث طارئ. ولنا في كل تطور تقني قفزة من حال إلى حال. وعلى رأي مثلنا الشعبي: يا ليتنا من حجنا سالمين!

الرياض
 

رؤية
ليتنا من حجنا سالمين!
أ. د. فالح العجمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة