ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 12/07/2012 Issue 14532 14532 الخميس 22 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

      

الإعلام المعاصر بكل أدواته ووسائله الحديثة، وتقنياته المتجددة، عنصر أساس وفاعل في نشر المعرفة الإنسانية ذات الصلة بجوانب النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، عبر الخبر، والتقرير، والتحقيق، والحوار، والمناقشة، والتحليل، والاتصال الجماهيري، وعبر مزيج متنوع من الآراء والأفكار، والمواقف والأطروحات، التي تعكس بطبيعة الحال التناقضات الإنسانية النابعة من التباين في التوجهات الفكرية والمذهبية. وهذا المزيج المتنوع من المنتج الإعلامي المعاصر متباين في درجة مصداقيته وموضوعيته، تبعاً لدوافعه، ومبرراته، وأهدافه. وهو في الغالب لا يخلو من المزج بين الشيء ونقيضه، بين الحق والباطل، والصدق والكذب، والفضيلة والرذيلة، والغثّ والسمين، ونحو ذلك من المتناقضات.

من المنتجات الإعلامية الرائج سوقها ( التحليل السياسي ) وهو منتجٌ إعلامي له جماهيره ومتابعوه، ومادته الرئيسة القضايا والأحداث المحلية والإقليمية والدولية، وخاصَّة ذات الطبيعة الساخنة بفعل الأوضاع المضطربة، والأزمات المستعرة هنا وهناك. أحداث منطقة الشرق الأوسط أو ما يُطلق عليه الربيع العربي، تتصدر في هذه الأيام اهتمام العالم بأجمعه، وهناك حشدٌ إعلامي غير مسبوق لمتابعة هذه الأحداث، والوقوف على أسبابها ودوافعها وآثارها المتوقعة على التنمية والتحول الديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط، والمواقف الدولية والإقليمية حيالها.

الاهتمام بهذه الأحداث دفع الكثير من الفضائيات الإخبارية والمنابر الإعلامية الأخرى للدخول في منافسة حادَّة لاستجلاب أكبر عددٍ ممكن من خبراء التحليل السياسي للاستئناس برؤاهم في كل مجريات الربيع العربي، وهي بالتأكيد رؤىً ذات أبعادٍ انطباعية تعكس وجهة نظر وقناعة أصحابها، وليست بالضرورة حقائق أو مُسلَّمات نهائية غير قابلة للنقاش والحوار والجدال، خاصَّة أنَّ أحداث الربيع العربي لا تزال يكتنفها المد والجزر والمتغيرات المصاحبة على الصعيدين الإقليمي والدولي. ولأنَّ العقل العربي الجمعي أضحى أكثر وعياً وإدراكاً وعلماً بالمعطيات السياسية الجارية في منطقته ومناطق العالم الأخرى، فمن الصعوبة بمكان أن ينقاد بسهولة إلى أيَّة رؤية دون سبر أغوارها، ومعطياتها، والخلفية السياسية أو الطائفية، أو المرجعية التي تنطلق منها.

على أيَّة حال لا يحتاج العقل العربي الجمعي إلى بذل جهدٍ كبير لغربلة محتوى التحليل السياسي، ومعرفة موضوعيته من عدمه، وجيده من غُثائه، وصفائه من عوالقه، فقد كفاهم بعض خبراء التحليل السياسي في الفضائيات العربية مؤونة ذلك. وخصوصاً أولئك المحسوبين على بعض الأنظمة العربية والإقليمية (سورية وإيران) فهم يمارسون التضليل بعينه، ويلقون ما في جعبتهم من افتراءات وتلفيقات في محاولة للعبث بالوعي المجتمعي، وتبييض صفحة النظام السوري والتغطية على جرائمه، وتصوير المسألة كلها على أنَّها مؤامرة عربية وإقليمية ودولية، بلْه وكونية للقضاء على ما أسموه بالنهج المقاوِم لمخططات إسرائيل وأمريكا في المنطقة. وهم لا يعلمون، أو بالأحرى لا يأبهون بأنهم في ذلك يصطدمون بحقائق ووقائع على الأرض تكشف زيف دعواهم، ومنطلقاتهم، فالثورة السورية وإفرازاتها المتواترة أزالت كل لبسٍ ولغطٍ، بلْه وعرَّت تماماً نهج المقاومة والتَّصدي الذي ظلَّ يدعيه زوراً النظام السوري وأتباعه، لسنوات طويلة نسبياً كابساً به على الأجواء السياسية والفكرية في المنطقة والعالم. هذه العقلية العبثية لم تعد صالحة للتسويق، ولم يعد لمنظريها أيَّة مصداقية لدى جلّ الرأي العام العربي، بدليل أنَّها تحولت في نهاية الأمر إلى مجرد قواميس للشتائم والألفاظ النابية، وتردِّ في أدب الحوار وسلوكياته، وهذا في تقديري إفلاسٌ ما بعده إفلاس. لقد ولىَّ زمن الاستبداد والاستغلال وكبت الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان العربي، ولم يعد من الممكن القبول بنظريات زائفة للمقاومة كأداة لممارسة هذا الاستبداد والقهر، خاصَّة حين يكون مصدرها نظام لم يطلق رصاصة واحدة ضد العدو الإسرائيلي منذ نحو أربعين سنة، بلْه وجعل جبهة الجولان من أهدأ الجبهات العربية المتاخمة لإسرائيل، فكيف يستقيم ادعاء المقاومة والحال كذلك.

إن التحليل السياسي الناجع والموضوعي ينبغي أن يتواءم مع طبيعة الأحداث والمتغيرات المصاحبة، ويُخلص إلى نتائج منطقية، ولا يتوارى خلف جدران العتمة ودهاليز الانتهازية والمصالح النفعية الضيقة، ليدافع عن قضية خاسرة، وأنظمة فاسدة، كشفت هي بنفسها عن سوءتها، ويتجاهل بالتالي أنَّ هذه الأمة بعطائها الفكري والثقافي رسالتها الحضارية العالمية الموغلة في القدم قادرة على كنس كل الأتربة والعوالق التي تقاوم تيار الفكر والمعرفة والبناء والتنمية والحرية والإبداع الذي يحفظ للإنسان كرامته، ويصونه من كل أنواع الظلم والقهر في تفكيره وبدنه.

كلمة أخيرة:

أساليب وأدوات الإعلام السوري وأتباعه الدعائية تُعيد بالذاكرة إلى ممارسات الإعلام النازي أيام الحرب العالمية الثانية، فقد كان ديدنه الكذب واستمراؤه، فغابت عنه ساعة الحقيقة، ولم يدرك ذلك إلا بعد خراب مالطة كما يقال.

من مأثور الحِكم: مَأْساةُ الكَذِّابِ لَيْسَتْ فِي أَنَّ أَحَداً لا يُصَدِّقُهُ، وإِنَّما فِي أَنَّهُ لا يُصَدِّقُ أَحَداً.

majed1149@gmail.com
تويتر@majed_jalal
 

التحليل السياسي والممارسات الانتهازية
د. عبدالمجيد محمد الجلال

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة