ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 12/07/2012 Issue 14532 14532 الخميس 22 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

      

اجترار الماضي مسألة، باتت كالكرة تتقاذفها الأقلام مشرقة ومغربة نحو السلبية، ولي فيها وجهة نظر من طريقين، فإذا كانت تهدف إلى بيان تاريخ مشرف لشخص أو جماعة أو أمة، من باب العظة والعبرة أو ذكر المحاسن، فلا مندوحة في ذلك، أما إذا كانت على سبيل التندر والسخرية، فهي محل التوقف! وصورة الأخيرة كمن يحلو له، التندر بما اجتهد فيه الآباء والأجداد في الماضي، من خلال مواقفهم من بعض الوسائل والمستجدات الحديثة، كوسائل الاتصال والنقل والتعليم.. إلخ، والتي كانت غير مألوفة في عصرهم، ووقفوا في وجهها، مجتهدين في تفسيرها عن حسن نية، ليس إلا! صارت مع قادم الأيام، غير مقبولة ومحل تندر البعض، ممن لم يفهم كنه المتغيرات الحياتية العصرية، ونسي أن لكل زمان أهله ومتطلباته وعاداته وتقاليده وأعرافه، يعني بوضوح يفتقد نظره إلى التوازن في الحكم على الحضارة المعاصرة المسيطرة لدرجة الغشاوة، دونما اعتدال وإحساس بالحاجة إلى التناغم مع جوهرها ومكوناتها ومقوماتها إلى جانب الإفراط في التغني بالماضي من جهة أو التجني عليه من جهة أخرى دون توازن، وقديماً قيل من ليس له ماض ليس له حاضر، هذه صورة من يتجنى على الماضي مطلقاً ويجعله عدواً له، أما الصورة المغايرة لها، فيمكن تصورها من خلال ذلك الإنسان الذي خرج لهذه الحياة، ومر بمراحل عدة في شؤونه الحياتية والوظيفية الخاصة، شأنه شأن غيره، فإذا كان موظفا تقلب في حياته الوظيفية في سلم الوظيفة، حتى آل به المطاف إلى نقطة أللا عودة، وبات في عداد المتقاعدين، وقد يكون ممن لديه موهبة معينة يستغلها في وقت فراغه، لكن حنينه لماضيه الوظيفي التليد، بات يجبره على اجتراره في حله وترحاله وحركاته وسكناته، بحيث يكون ملازماً له كظله، البعض على سبيل المثال، لديه طريقة لم أستطع تفسيرها حتى هذه اللحظة، وخاصة ممن لديه موهبة الكتابة، فعندما يقوم بكتابة مقال له على سبيل المثال - وهو الملاحظ - يردف اسمه، بعدد كبير من وظائفه التي تقلدها، إبان حياته الوظيفية وقبل إحالته للتقاعد، ويعقبها بمفردة «سابقاً» يقول (فلان بن فلان الفلاني، وكيل الوزارة الفلانية.. « سابقاً « ومدير عام الإدارة الفلانية.. « سابقاً « وعضو اللجنة الفلانية.. «سابقاً» ومحافظ المحافظة الفلانية..» سابقاً».....إلخ، كل هذه «السوابق» تشوش على القارئ وتجعله يتساءل، ما الهدف من سرد هذه الوظائف السابقة؟ وما الدواعي والأسباب المحتمة لبيانه؟ هل هو رغبة في التوثيق؟ أو هو هوس حب الذات؟ إذا كان الإسلام يجب ما قبله، فلماذا لا يقتصر الواحد إذا كان مضطراً، على كتابة مسمى آخر وظيفة اضطلع بها قبل الرحيل؟ ليريح ويرتاح، ثم ما الذي يهم القارئ، هل هو ذات المقال ومضمونه، أم وظيفة الكاتب التي رحل عنها وأخواتها وعماتها وخالاتها، ولم تعد ذات قيمة له ولغيره؟ بقدر ما تكون مثار سخرية أو نقد، الكاتب في غنى عن ذلك كله، وإن كان قصده في الأساس سليماً، شخصياً لا أرى ضرورة تستدعي ذلك، بل أراها طريقة «ممجوجة» لا تزيد صاحبها، بل تحط من شأنه لدى قرائه وأصحابه، وتجعله في موضع السخرية، بالتأكيد ليس هذا مكانها، هي جزء من السيرة الذاتية، المعروف مكانها ووقتها ودواعيها، القارئ اليوم في بحر التقنية، لا يلتفت لمثل هذه الشكليات التي تدخل في إطار الرايات الدعائية بقصد أو بغيره، بقدر ما يهمه المحتوى ذاته الذي عليه المدار، هذه خاطرة أشغلتني، أردت طرحها، رغم أني «سابقاً»!! مررت بهكذا تجربة، تولد لدي فيما بعد، قناعة بخطأي وشعوري بعدم ملاءمتها، وبت أنفر منها، مكتفياً بالاسم المجرد، حتى ارتاح ضميري وأرحت غيري، وعدت كالعائد من الذنب، بقي القول، إن وسائط التقنية الحديثة، باتت تقدم خدماتها المجانية للوقوف على المعلومة الكافية عن المطلوب، بمجرد ضغطة زر، هذه وجهة نظري في هذه «الشكلية» بالذات، ولكل وجهة نظر هو رائيها، لكن بالتأكيد ثمة تفريق بين هذه الطريقة التي رأيت عدم قابليتها، وبين من يحلو له ذكر ماضيه، أمام أبنائه وخلانه وفي مقابلاته الإعلامية، لا سيما من كان ماضيه مشرفاً، فالأخيرة مقبولة وقد تكون مطلوبة أحياناً لغرض الاقتداء، فلكل، ماض يختلف بحسبه، يحلو التغني به، هذا بمجمله شكل من أشكال التحدي الذي لا تأتي مواجهته، من رفض الواقع والتغني بالماضي أو رفض الماضي وتقديس الحاضر، وإنما يأتي عن طريق فهم المقاصد، بمعنى العودة إلى مربع الاعتدال والتوازن الذي أشرت له... ودمتم بخير.

dr-al-jwair@hotmail.com
 

وقفة... مع «سابقاً»!!
د. محمد أحمد الجوير

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة