ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 19/07/2012 Issue 14539 14539 الخميس 29 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

من هو الذي لا يعاني في هذا العصر من بعض أشكال التوتر النفسي التي غزت حياة المدينة بطريقة مريعة؟ لكن الخوف الشديد من التعرض لأذى أو تعطيل أو مساءلة أو انكماش بعض عوامل التوازن الاجتماعي أو الاقتصادي تبعث في الناس الآن كثيراً من عناصر التوتر، وتدعوهم إلى محاولة تجنب الاحتكاك المباشر بالناس والحرص على الانعزال عن التجمعات وأماكن اللقاءات العامة، وكذلك عدم حضور المناسبات الاجتماعية، وربما في بعض المراحل المتقدمة أيضاً تحاشي الالتقاء بأفراد الأسرة الآخرين وعدم تبني مبادرات لنشاطات اجتماعية مع أي منهم أو مع الأصدقاء والرفاق.

وهذه الحال هي ما يجعل كثيراً ممن عاشوا في أكثر من منطقة متباينة في حجم المدينة وعدد السكان وضغط المرور والمواصلات والضجيج يفضلون أن ينأوا بأنفسهم عن المدن الكبيرة، وأن يعودوا إلى الريف بعد تقاعدهم. وكذلك يتذكر الناس العلاقات النشطة بين أسر الأقارب والجيران بعد أن تكبر مدنهم، وتتغير العلاقات بين تلك الأسر، وتؤثر ضغوط الحياة في طبيعة التواصل، وإمكان الزيارات. كما يؤثر تباعد الأماكن وكثرة الالتزامات في ضعف الارتباطات الاجتماعية أصلاً.

هذا التقديم يوصلنا إلى التطرق إلى الظاهرة التي نحن بصدد الحديث عنها، وتتلخص في عدم الرغبة في التواصل مع الجماهير أو التعامل العلني أمام جمع من الناس؛ وهي ما يطلق عليه في علم النفس الإكلينيكي «الأجروفوبيا». وفي هذه الظاهرة توجد حالات مختلفة بدرجات متعددة؛ منها: 1 - الحالة المرتبطة بسمات شخصية لدى الإنسان تتعارض مع حب التعاطي مع الناس على مرأى من الآخرين. ويتسم بها أناس هادئون ذوو طباع لينة؛ فيخافون بالتالي من النظرة الجمعية التي قد تعكر صفو الهدوء الذي يحبون أن ينعموا به.

2 - الحالة النفسية، والتي تكون نتيجة تعامل سلبي مع الجمهور بسبب إخفاق تجربة مهنية أو اجتماعية تعرض فيها المرء إلى استهزاء أو سخرية، فانطبعت في ذاته مقرونة بكل لقاء جمعي، مهما كان دوره فيه، أو مهما كانت طبيعته.

3 - الحالة المرضية، وهي الحالات التي تنشأ نتيجة مخاوف مبالغ فيها؛ تتحول إلى أوهام في الذهن. ويرتبط بها قلق من التواجد في أماكن أو مواقف ربما يصعب الهرب منها، أو لا تتوفر فيها المساعدة لمواجهة أحداث غير متوقعة. وهذه المخاوف تشمل مجموعات من المواقف المميزة التي تضمن أن يكون الفرد وحيداً في المنزل أو مكان مزدحم.

ويزداد سوء الحالات المرضية عندما يتكون لدى المصابين بها خوف من البقاء بمفردهم من ناحية، وتجنبهم الأماكن المزدحمة ووسائل النقل العامة، كما يصعب عليهم طلب العون والمساعدة، إن هم تعرضوا لموقف مربك، لأنهم يعانون من المخاوف الاجتماعية، التي قد ترتبط بنوبات الهلع. ويقدر عدد المصابين به في العالم بحوالي 2،7 - 5،8% من الراشدين، كما أن النساء أكثر عرضة للإصابة به من الرجال. وهو مرض للعوامل الوراثية دور في توفير أسباب القابلية للإصابة به عن طريق أقارب الدرجة الأولى، مما يزيد مشكلاته إذا توفر أكثر من مصاب به في العائلة الواحدة.

فهل بدأت الحياة في هذا العصر تنحو منحى سلبياً في تأثيرها على حياة الناس، رغم ما حققه الإنسان من تقدم علمي في مجال الطب ومقاومة الأمراض والأوبئة، ومعرفة كثير من خفايا الكون بخطوات كبيرة ومختلفة كلياً عما كان يحققه المرء من معارف في عصوره السابقة؟ هل هذه هي ضريبة تشيؤ الإنسان، وتحوله إلى سلعة مثل بقية السلع؛ تستهدفه الإعلانات ويعده المخططون لابتزازه رقماً مقصوداً بذاته؟ الأمر محير، ومتعب نفسياً، لكننا سنعرف في الحلقة الثانية أمثلة مدهشة على هذه الظاهرة!

الرياض
 

رؤية
التوتر النفسي وظاهرة الأجروفوبيا (1 – 2)
أ. د. فالح العجمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة