ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 21/07/2012 Issue 14541 14541 السبت 02 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

وجد الخليفة العباسي هارون الرشيد في أبيات غزلية لعمرو بن أبي ربيعة، (ليت هنداً أنجزتنا ما تعد.. وشفت أنفسنا مما نجد، واستبدت مرة واحدة... إنما العاجز من لا يستبد)، ما يبرر إطلاق الاستبداد في رعيته، وذلك عندما أخذ يردد يوماً ما شطر بيت أبن أبي ربيعة، “ إنما العاجز من لا يستبد “ ، قبل أن يفتك بالبرامكة في الحادثة الشهيرة، كان ذلك الاستشهاد الشهير بمثابة القول الفصل الذي سهل للحاكم العربي المسلم أن يعلن استبداده من أعلى المنابر، وأن يصل إلى قناعه أن سلاح الحكم السياسي الأهم آلة الاستبداد بكل ما تعنيها الكلمة، وإن لم يمارسها بإطلاق، أصبح عاجزاً في نظر رعيته.

لم يدر في خلد شاعر الغزل الأول عمرو بن أبي ربيعه أن ترتبط قصيدته الغزلية الشهيرة في هند بنت الحارث بقرون من الاستبداد العربي، وبعصور لا تعترف بحقوق للناس في المشاركة أو حرية الاختيار والعدالة الاجتماعية، كان قدره أن يكون شطر بيته الشهير إعلان لنهاية مرحلة شعرة معاوية الشهيرة بعد عصر الخلافة الراشدة، فقد كان نهج معاوية السياسي خلال حكمه في منزلة بين منزلتي الرشد والاستبداد، وكانت التهدئة قدر الإمكان عند إلحاح الناس في مطالبهم، فإن شدوها أرخاها، وأن أرخوها شدها وهكذا، وقد كانت بالفعل مرحلة وسطى بين الرشد والاستبداد كمنهج للحكم السياسي عند المسلمين.

أثبتت تجارب العرب الأخيرة في ما يُطلق عليه بزمن الربيع العربي أن العاجز من يستبد، وأن من يكابر ويرفض أن يقود التغيير في بلاده، يكون سبباً للتغيير الجذري مهما كلف الأمر، أكتب هذه الكلمات ورحى المعارك الأخيرة تدور في ساحات دمشق بعد أن رفضت القيادة السياسية السورية الرضوخ لمطالب زمن الربيع العربي، وبعد أن اختارت أن تواجه موجات التغيير إما بالإنكار، أو الحديث عن المؤامره الكبرى من الخارج، بينما لم يكن يدفعها للخروج إلا مطالب الجماهير بإيقاف الاستبداد واختيار نهج الإصلاح ، فكان الرد العنيف والإصرار على حل الأزمة مع الشعب من خلال المفهوم القديم، وكانت النتيجة دموية، ستكون نهايتها مأساويه مثلما حدث في ليبيا.

يستمد الاستبداد طاقته من غياب الحكمة السياسية، ومن الإصرار على الحلول الأمنية والعسكرية، برغم من أن الأحداث العربية الأخيرة أثبتت بلا جدال أن العنف لا يولد إلا العنف، وأن اختيار توقيت إعلان التغيير هو الحل الأمثل لوقف موجات الجماهير الغاضبة، ولو استعرضنا التجارب العربية الأخيرة لوجدنا أن أكثرهم يصرّ في المكابرة والإصرار على الحلول الأمنية، وقد أستثني التجربة المغربية من ذلك، والتي أظهرت عمق الحكمة السياسية، والتي لم تأتِ من فراغ؛ فتاريخ الثقافة السياسية في المغرب يستمد تجاربه من احتكاكه بالتاريخ الأوروبي الحديث، فجاء توقيت التغيير في الوقت المناسب، وقبل أن تسيل الدماء في الشوارع، أو أن تنتشر الجثث على الأرصفة، وكانت النتيجه عفا الله عما سلف، والاتفاق على إسقاط منهجية الاستبداد كطريقه للحكم السياسي، واختيار أساليب الحرية والمشاركة والديموقراطيه كحل مثالي للمرحلة الراهنة.

جاء الرد بعد أكثر من عشرة قرون على ذلك الاستشهاد غير البريء لشطر بيت عمرو بن أبي ربيعة، “ إنما العاجز من لا يستبد “، ومن شاعر عربي حديث، عاش حياة قصيرة ، من أشهر قصائده، “إذا الشعب يوما أراد الحياة “، فكانت الشرارة العربية الأولى من موطنه، بعد أن رفض الرئيس التونسي مبدأ التغيير الإيجابي، لتقوم الثورة التي أشعلت مشاعر التغيير في الشارع العربي، ولتبدأ سلسلة متوالية من السقوط لحكام عصر الاستبداد العربي، وأخيراً..، وبعد مرور أكثر من عام على الثورات العربية، هل حان وقت إسقاط نهج، “ إنما العاجز من لا يستبد” من قاموس السياسة العربية، واختيار منهج قيادة التغيير إلى المستقبل، قبل أن تصل العلاقة بين الحاكم وبين الناس إلى نقطة اللاعودة، مثلما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن وأخيراً سوريا.

 

بين الكلمات
الاستبداد وعمرو بن أبي ربيعة
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة