ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 23/07/2012 Issue 14543 14543 الأثنين 04 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

      

حتى بدايات القرن الميلادي المنصرم، كان الأرقاء الزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية يقيّدون ليلاً بالسلاسل لمنعهم من الهرب، ويقتادون نهاراً إلى الحقول والسدود والمحاجر للعمل تحت الحراسة المشدّدة. لم تكن التعاليم الكنسية تحرم ذلك علناً أو تقف ضد العنصريين وكبار الملاّك، بل تقف معهم. من يحاول الهرب من الرقيق عبر الغابات والأنهار كان يعتبر طريدة مستباحة مثلها مثل الوعول والغزلان والحيوانات البرية، يجوز إطلاق الرصاص عليها إذا تعذّر اصطيادها على قيد الحياة.

تغيّرت العقليات والمفاهيم وانتشر الفكر الحقوقي الضامن لحياة الإنسان وكرامته، مستنداً إلى مبادئ الرئيس ويلسون التي لم تكن في بداياتها تطبّق رغم نصوصها الدستورية. انتهى عصر الطرائد البشرية هناك وحلّ بعده في أمريكا عصر أصبح فيه أحد الزنوج رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، وزوجته الزنجية السيدة الأمريكية الأولى، والعائلة بكاملها تسكن في قصر الرئاسة، البيت الأبيض.

في جنوب إفريقيا كانت الأوضاع مشابهة وأسوأ بكثير، ثم انتهت مرحلة المواطن الأسود الطريد إلى مرحلة المناضل نيلسون مانديلا، الرئيس الزنجي الحكيم الحاصل على تقدير كل أحرار العالم واحترامهم.

الله وحده يعلم مقدار الألم والحزن اللذين شعرت بهما لمأساة المرحوم عبد الرحمن الغامدي الذي فقد حياته كطريدة بشرية في منطقة الباحة قبل أسابيع، وفقدتْ زوجته ذراعها ومستقبلها وتيتّم أطفالهما. الرجل مع عائلته تعرّض فعلاً لا مجازاً لموقف حوّله إلى طريدة بشرية تحاول إنقاذ نفسها وعائلتها الصغيرة من سيارتين تطاردانهما في جنح الظلام، دونما سبب جنائي أو شرعي واضح ومقنع. الرجل - رحمه الله - كان يعرف أنه لم يقترف جريمة تبرّر مطاردته، وليس محسوباً على الخلايا الإرهابية، فلماذا إذن يُطارَد في ظلام الليل الدامس، وكيف له أن يتبيّن حسن النوايا من سوئها عند مطارديه، حتى وإن كانت السيارات المطاردة تحمل علامات حكومية.

السؤال الصحيح من الأساس هو لماذا تتكرّر مطاردة البشرعندنا استناداً على مجرّد الشكوك الأخلاقية، مع احتمال تعريضهم للهلاك، وهو ما حدث بشكل مأساوي متكرّر، بينما الاكتفاء بأخذ مواصفات السيارة وإعطائها للسلطات الأمنية يفي بالغرض وأكثر. النجاحات الأمنية في قطع دابر الإرهاب وتعقُّبه في الداخل والخارج تعطي أكثر من برهان على هذه الإمكانية.

يتفرّع من هذا السؤال الأساس سؤال فرعي عن احتمال تسليم سيارات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدوريات الأمنية لأُناس لا يفرّقون بين البشر والطرائد. ما هو النص الشرعي والقانوني الذي يبيح للدولة أن تسلِّم مفاتيح مركبات رسمية لأُناس لم يتشرّبوا بعد حقوق المواطن والمقيم الأساسية في داخل حدود الدولة وتحت مظلّتها الشرعية والأمنية؟.

حدث ما حدث، ولكن يجب وبكلِّ وضوح وتصميم ألاّ ينتهي الأمر بدون نقلة حقوقية محدّدة وكبيرة تنهي مفهوم إباحة الطرائد البشرية وإيجاد الأعذار لها بالالتفاف على اللوائح والقوانين الواضحة، وتقاذف المسؤوليات عنها بين طرف وآخر. موضوع المرحوم عبد الرحمن الغامدي وعائلته يقع ضمن المفهوم الحقوقي الإنساني كجناية حصلت نتيجة المطاردة الممنوعة رسمياً من قِبل السلطات المختصة، وأدت إلى مأساة عائلية كبرى، سبقتها للأسف مآس كبرى مثلها. إذن لابد من تحقيق العدالة الشرعية في كل تلك الحالات بدون تحيُّز سوى للعدالة الإسلامية.

انتهت عصور الطرائد البشرية، وعلى المتهاونين بهذه الحقوق تحمُّل المسؤولية، وإن لم يحصل ذلك حاضراً فبالتأكيد سوف يتحمّلونها في مستقبل الأيام. حفظ الله هذا الوطن والمستظلّين بسمائه على أرضه من أفكار وعقول لا تفرّق بين البشر والطرائد.

- فيـينا
 

إلى الأمام
انتهى عصر الطرائد البشرية
د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة