ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 26/07/2012 Issue 14546 14546 الخميس 07 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

في المقالة الأولى عن هذا الموضوع كنا تحدثنا عن ثلاث حالات من التوتر النفسي؛ ترتبط الأولى منها بسمات شخصية في الإنسان، والثانية بتجارب للشخص مع الجمهور في مراحل من حياته، أما الثالثة فتشخص على أنها حالة مرضية. وفي الأخيرة عادة تكون المشكلة الحقيقية للإنسان التي تؤثر في حياته العملية ومحيطه الاجتماعي، بالرغم مما تؤثر به الأولى والثانية في المستقبل الوظيفي أو الحياة العاطفية والصداقات في بعض الأحيان.

كثير منا لن يضع نفسه في أي من الخانات الثلاث المتعرضة لهذه الظاهرة، وكثير من القيادات السياسية والاجتماعية يستبعد أغلب الناس أن يكونوا من أصناف المصابين بهذه الفوبيا، لكن التاريخ يثبت أن بعض تلك الشخصيات كان مصاباً بهذا المرض، سواء من الشخصيات القديمة أو الحديثة، ومن مختلف الثقافات البشرية. فقد روي عن المتنبي الذي وصف الشجاعة والإقدام وأشاد بهما، وتغنى بصفات البطولة في مواجهة الأعداء والجموع لدى سيف الدولة، أنه كان من أجبن الناس، وأضعفهم في مواجهة الجموع، وأنه لا يجيد التعامل مع الجماهير في اللقاءات المباشرة، وربما كان ذلك أحد أسباب فشله في مهمته في مصر، وعدم تقدير كافور له؛ حيث كانت الكفاءة العسكرية والإبهار الجسدي أمام الجموع هو المقياس في معايير تلك الفترة.

مثال آخر من العصر الحديث تعبر عنه حالة الزعيم النازي أدولف هتلر، الذي كانت مهاراته الاجتماعية ضعيفة جداً. وقد غطى على ذلك الضعف بتبني القوة الكاسحة في الأجهزة المحيطة به خوفاً من مؤامرات حتى أقرب معاونيه. ورغم ما كان يقال عن جرأته وصرامته، إلا أنها كانت أسلحة يخفي بها ما كان يتصف به من عجز عن مواجهة الجماهير.

كما أن الخطب التي كان يلقيها تتم بإعداد محكم، يكون فيه الأنصار والمطبلون يشكلون الحلقات المحيطة بالزعيم، فيعطون صيحات التأييد والدعم له، مما يقويه على الاستمرار في مخاطبة الجماهير المحتشدة، والتي لم يكن بإمكانها إلا أن تصرخ تأييداً ودعماً لتوجه الزعيم، الذي كان في واقع الحال يرتعش داخلياً من تلك الجموع، ويترقب الخيانة من أي من معاونيه، أو قادة جيوشه الموزعين في عدد من البلدان المحيطة بألمانيا.

أما في العصر الحديث، فإن ضحايا هذه الظاهرة هم بعض المشاهير من الفنانين واللاعبين الذين يعتقد أكثر الناس بأنهم قادرون على مواجهة الجماهير، بينما هم في واقع الحال أكثر خوفاً من البسطاء من الناس. وربما أسهمت الهالة الإعلامية التي تحيط بهم، وظن الناس الإيجابي بقدراتهم في صناعة ذلك الوهم بأنهم أسطوريون، كما هي الحال مع المتنبي في القرن الرابع الهجري وهتلر في نهاية حقبة الثلاثينات ومطلع الأربعينات من القرن العشرين.

وقد عد بعض علماء النفس الإكلينيكي قرار الانتحار أحد نتائج حالة متقدمة من هذه الظاهرة؛ إذ يصل التوتر مداه، فيفضل الشخص الذي يقرر الانتحار أن ينتقل إلى حالة ربما تكون أرحم مما يعاني منه من الاضطراب والهلع. وذلك خلافاً لما اعتاده الناس من أن الانتحار عمل شجاع لا يقوم به إلا من يمتلك إرادة قوية لقتل نفسه، بينما يتردد ضعاف القلوب في ذلك، ولا ينجحون في إتمام عملية الانتحار.

وفي الحالتين المذكورتين أعلاه، مؤكد أن هتلر قد قضى انتحاراً بقتل صديقته ثم قتل نفسه؛ ربما خوفاً من مواجهة الجماهير والمحاكمة، ووقوفه أمام جيوش أعدائه دون تلك الأجهزة التي كانت تحميه، ففضل الموت على ذلك المصير. أما المتنبي، فقد قيل إنه قتله قطاع طرق، لكن روايات أخرى تقول بأنه أقدم على الموت، وبررت ذلك بأنه قد قتله شعره!

الرياض
 

رؤية
التوتر النفسي وظاهرة الأجروفوبيا (2 – 2)
أ. د. فالح العجمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة