ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 26/07/2012 Issue 14546 14546 الخميس 07 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

غواية الرئة الثالثة
بثينة الإبراهيم

رجوع

 

أحيانا أجد أنني مثل الأميرة حين ألقت عليها الساحرة التعويذة وحولتها إلى ضفدعة، فتقضي نهارها ضفدعة وتعيش ليلتها أميرة، دون أن يعني ذلك أنها تعيش ازدواجية بل تعيش ذاتها في كل حالة! ينتابني الشك دوما، برغم اعتمادي العربية في صوغ ما يدور في ذهني أو في نفسي، لكني أجدني أطرق باب الإنجليزية كلما أردت كتابة يومياتي، دون أن يقل ولائي للغتي الأم أو عشقي لها...

قد تمنحنا اللغة الثانية حرية أوسع مما تمنحنا إياه لغتنا الأم، دون أن يعني ذلك نقصا في إمكانيات تلك اللغة أو حتى إمكانياتنا، إنها فقط الرغبة في التعبير واختيار الآليات الملائمة له، وتجعل الشاعرة التشيكية فيرا لينهارتوفا التي اضطرت لمغادرة بلادها في الستينيات إلى باريس المنفى «رحيلا محرِرا نحو مكان آخر بحكم التعريف، ومفتوح على الاحتمالات كافة» ومن بين هذه الاحتمالات اختيارها الكتابة باللغة الفرنسية، معللة ذلك بأنها مثلما كانت حرة في اختيار المكان الذي تعيش فيه، فهي حرة في اختيار اللغة التي تكتب بها.

وإن كانت فيرا اختارت منفاها اللغوي بإرادتها، فإن مالك حداد وجد من اللغة الثانية منفى قسري أجبرته عليه ظروف الاحتلال وكان يردد دوما:» اللغة الفرنسية منفاي..» وكان يرى نفسه محروما لأنه لا يستطيع الكتابة بلغته الأم وآلمته نظرة رفاقه إليه بأنه أدنى منهم مرتبة لافتقاره إلى هذه اللغة، برغم أنه كان يعبر عن آلام وآمال شعبه بالفرنسية إلا أن ذلك لم يشفع له لا لدى نفسه ولا لدى الرفاق!

يبدو الأمر مختلفا لدى أمين معلوف الذي لا يشعر بألم حداد حين يكتب بالفرنسية، فهو من وجهة نظره عبر هذه اللغة يحاول تصحيح نظرة الغرب إلى العرب، وسيتمكن من الوصول إلى شريحة أوسع من الجمهور الغربي بالتعبير بلغته، ولذا فإنه فيما يبدو يقدم خدمة كبيرة للتاريخ والمجتمع العربيين.

وبرغم اختلاف الأسباب التي تجعل الأديب يكتب بغير لغته الأم، لا يبدو أن ذلك يجعله خائنا للغته وأمته وانتمائه، وهذه من أوائل الحريات التي كفلتها المواثيق الدولية أي حرية التعبير، ولكن تظهر إشكالية أخرى في نسبته إلى جنسية ما يكتب، إذ قد يبدو الكاتب هنا واقعا بين نارين، فلا هو يصنف ضمن كتاب اللغة التي يكتب بها، ولا هو محسوب على أدباء بلد انتمائه، ويبدو شبيها هنا بمن يقف في منطقة وسطى ما بين الجنة والنار على حد تعبير نزار.

لا يقيم بعض الأدباء وزنا لمثل هذه المسألة، فيرون فيها مجرد تفصيل ثانوي قد يلهي حقا عن الهدف الأساسي، فلا يطلب من الكاتب أن يكون حارسا للغته وقد يكون أكثر حرصا عليها وعلى تاريخها لو كتب بغيرها، وترى لينهارتوفا أنه عندما يطلب من الكاتب أن يكون أقل حرية في الحركة لأنه مرتبط بلغته الأم، ترى في ذلك مجرد أساطير يتذرع بها أناس وجلون وهيابون، فالكاتب يجب ألا يبقى أسير لغة واحدة، ويبدو أن هذا من ضمن الاحتمالات التي ينفتح عليها الرحيل عن الوطن.

ومهما كانت اللغة التي نكتب بها، فلا شك أنها رئة ثالثة نتنفس من خلالها، نكشف ذواتنا وفكرنا، نتشارك نحن والمحيط في رسمنا للعالم والكون، نحدد بها إحداثيات أزماننا النفسية وأبعادنا المكانية وهوياتنا الحقيقية وانتماءاتنا الفكرية، عندها تغدو اللغة كائنا يعيش فينا ونعيش فيه، ليس كمظهر شاعري فحسب بل كمطلب إنساني أساسي للتواصل حتى لو كانت تلك اللغة لغة الإشارة!

 

رجوع

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة