ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 28/07/2012 Issue 14548 14548 السبت 09 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أصبح الخروج عن ولاءات الحزب الحاكم قبل سقوطه من ظواهر ثورات الربيع العربي، وأحد علامات الإنهيار القريب والمتوقع للنظام، ظهر ذلك في ثورة ليبيا عندما توالت حركات الهروب من أركان النظام قبل أن يسقط في مشاهد دمويه غير مسبوقة، و ظهر ذلك أيضاً في الثورة السورية، و في خروج قيادات وأفراد من تركيبة النظام البعثي إلى صفوف الثورة، بينما لم يحدث شيئاً من ذلك في الثورة المصرية والتونسية، بعد أن قام الجيش بحركة التغيير قبل خراب البلاد، ولعل السبب أن درجة الإستبداد والقمع الشعبي في تونس ومصر كانتا أقل بكثير مما حدث في ليبيا وسوريا.

تعتبر سوريا وليبيا من أكثر الدول استبداداً في نظامها السياسي في المحيط العربي، و يقوم نظامهما السياسي على حكم أقلية أو حزب واحد يحكم بإطلاق تام، ويشترك أعضاؤه في مصالح غير معلنة، وتقوم ولاءاتهم على تبادل تلك المنافع فيما بينهم، مقابل أن يخلصوا للنظام في مهمة إحكام القبضة على الأكثرية الصامتة، وقد كانت قيادات وسفراء النظام في زمن القبضة الحديدية يقدمون الطاعة والولاء لرأس النظام المستبد، ويوفرون له العون في حفظ مصالح الرئيس المستبد مقابل أن يعطيهم جزءاً من المكاسب والغنائم، ولم يبدوا في تاريخهم السياسي أي معارضة له ولنظامه الاستبدادي في زمن الدولة القوية، ولم يعلنوا مطالب إصلاحية أو انتصاراً للمسحوقين في سجون النظام، لكنهم عندما ضعف استبداد الحزب أو الأقلية الحاكمة، وتضاءلت أو تلاشت عوائد الغنائم قرروا الهروب والقفز من ظهر السفينة طمعاً في اللحاق بالركب الجديد تحت مظلة أخرى.

ظاهرة الخروج المتوالي عن ولاء الطاعة لرئيس الحزب والدولة تكشف هشاشة هذه الأنظمة من الداخل، وقابلية الانكسار من الداخل أمام تحدي الثورة الشعبية، وإن دل على شيء فهو يدل على أن التركيبة السياسية لهذه الدول غير سوية على الإطلاق، ولم تعد صالحة في العصر الحديث، حيث تعتمد هذه الأنظمة السرية على الولاء المطلق للأقلية الحاكمة، مقابل منافع يتم تبادلها بينهم في الخفاء، و ثمناً للحفاظ على أسرار النظام وأمنه الداخلي، وتتصف هذه الأنظمه بغياب الشفافيه وتفشي الفساد والمحسوبية ومراقبة الإعلام والتحكم في أخباره، و مكافحة ومحاصرة أنصار حقوق الإنسان في المجتمع، والتجسس على الشعب وإعتقال المعارضين له، والتخلص منهم مهما كلف الأمر.

لا تتوافق حالات القفز من المركب الذي يحترق مع مصطلح الانشقاق السياسي، فهؤلاء كانوا في زمن الرخاء من أعمدة النظام الشمولي في أوج جبروته، لذلك لا يجب أن يدخل خروجهم من الحزب الشمولي في مرحلة الضعف و الهزيمة في دائرة الإنشقاق السياسي، كان الكاتب السوفياتي الكسندر سولجينتسين مثالاً عن الإنشقاق السياسي والفكري في التاريخ الحديث، وقد حاز سولجينستين جائزة نوبل للاداب عام 1970 عن اعماله التي كشف فيها واقع معسكرات العمل في ظل النظام السوفياتي ،وقد أعلن إنشقاقه والحزب الشيوعي في أوج حكمه، وعاش منفياً ثم استعاد إعتباره بعد سقوط الدولة السوفيتية.

لكنني مع ذلك قد أفهم مغزى الترحيب الإعلامي من قِبل المعارضة بظواهر العصيان والخروج عن الطاعة والولاء لحزب البعث في سوريا، والتي تدخل في دائرة الحرب النفسية ضد النظام، لكن هؤلاء لن يصنفهم التاريخ في منزلة المنشقين السياسيين والراغبين في الإصلاح والديموقراطية، ولكن في خانة الهروب في التوقيت المناسب وقبل احتراق النظام، لذلك لا أعتقد أنهم يستطيعون القيام بأدوار قيادية في مستقبل الدولة السياسي بعد انتهاء زمن الحكم الشمولي الاستبدادي، وقد يكونون قد نفذوا بجلودهم، ووفروا لأنفسهم نوعاً من الضمان السياسي الذي قد يعفيهم من المحاكمة السياسية نظير مشاركتهم الفعالة في عقود من الجبروت والاستبداد السياسي والفساد المالي.

 

بين الكلمات
انشق سياسياً أم نفذ بجلده!
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة