ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 30/07/2012 Issue 14550 14550 الأثنين 11 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

      

درجات التشابه بين مؤسس الدولة الطائفية في سورية حافظ الأسد ومؤسس الحركة الإسماعيلية النزارية في إيران (وتسمى حركة الحشاشين) كبيرة وكثيرة لمن يقارن بين الرجلين. الحسن الصباح زعيم الطائفة الإسماعيلية النزارية أسس ما بين نهايات القرن الخامس وبدايات السادس الهجري حركة سياسية عقائدية طائفية شديدة المراس في منطقة جبلية وعرة التضاريس في إيران.

كان الحسن الصباح يدير أمور أتباعه من قلعة ضاربة في السماء على رأس جبل شاهق تسمى عين النسر، استولى عليها من أحد زعماء المنطقة بعد أن استأمنه ونادمه، لكن حسن الصباح انقلب عليه وطرده من القلعة ويقال قتله. المؤرخون يطلقون على القلعة اسم آلاموت ومعناها عند أهل المنطقة عش النسر ونقلها المؤرخون الروم والعرب بهذا الاسم، وربما كان اسمها قلعة العمود لأن الحسن الصباح نفسه ينتمي إلى أصول عربية حميرية، والقلعة قائمة على جبل شاهق وشاخصة في السماء كالعمود.

وجوه الشبه الرئيسية بين حافظ الأسد والحسن الصباح هي أن تجمعت في الرجلين أربع خصال: الدهاء الرهيب والإخلاص المطلق للطائفة والشجاعة المسيطرة على الخصوم والأتباع والمهارة الفائقة في تخطيط الاغتيالات. بهذه الخصال استطاع حافظ الأسد تحييد كل منافسيه وكون نواة علوية صلبة لحكمه واصطنع دمى من الأخلاط العرقية والمذهبية في سورية، عربية سنية وكردية وتركمانية، واتخذها واجهات إعلامية أمام الداخل والخارج. متحصناً بهذه المواصفات استطاع حافظ الأسد المشاركة في كل الأحداث السياسية الكبرى كلاعب رئيسي. استطاع أن يحارب في صف إيران ضد العرب، ومع قوات التحالف ضد العراق، ومع خاملة الذكر جبهة الصمود والتحدي ضد مصر السادات، ومع الكرد ضد تركيا والعراق، ولاحقاً مع تركيا ضد الكرد.

لكن الأهم من ذلك كله أنه استطاع إخضاع كل المعارضات الوطنية السورية بتعاون واجهات من الدمى البشرية المنتمية أصولاً لتلك التكوينات المعارضة، وبصمت وقبول المحيط العربي والقوى الدولية. عندما هلك حافظ الأسد كان قد أعد جيداً لسيطرة طائفته الكاملة على سورية، بحيث تم تعديل الدستور السوري وتوريث ابنه بشار بالإجماع خلال ساعات قليلة. كان أول المصفقين والمروجين لذلك التوريث الطائفي هي الواجهات العربية السنية والكردية والتركمانية والأقليات المسيحية. تلك الواجهات الدمى كانت تعيش (بمعزل عن انتماءاتها) حياة بذخ أسطورية فوق ظهر الشعب السوري المقهور مثلما تعيش عائلة الأسد.

منذ عام ونصف انخرط الشعب السوري بإجماع شبه كامل في ثورة تضحيات لا مثيل لها ضد حكم الطائفة العلوية وأزلامها، وقدم من القتلى والجرحى وضحايا التعذيب والاغتصاب ما لم يتحمله شعب آخر في ذاكرة التاريخ الحديث.

اليوم أصبحت الدولة العلوية في سورية على وشك الانهيار، وهناك فئران هربت من السفينة الغارقة، بعضها بكَّر قليلاً في الهرب وبعضها وصل متأخراً جداً. الآن كما يبدو، بدأ التلميع لسلالات من تلك العوائل العميلة التي شاركت طيلة أربعين سنة في الترهيب والنهب والتعذيب والاغتصاب والقتل، بدءاً من مذبحة حماة حتى الإبادة الجماعية الحالية. من الواضح أن هناك الآن جهات دولية وإقليمية تريد أن تجهز ثوباً مرقعاً من بقايا دولة الأسد لتلبسه سورية الجديدة بعد خلاصها الكامل من قبضة الحكم الطائفي.

لابد أولاً من التأكيد على أن الذين استطاعوا الانغماس في خدمة آل الأسد وآل مخلوف وآل شوكت من العملاء العرب السنة والكرد والتركمان والمسيحيين يستطيعون أيضاً بكل سهولة أن يصبحوا مرة أخرى عملاء لأي طرف آخر على حساب سورية. كل طرف في السياسة الدولية والعربية يهمه أن يحكم سورية القادمة نظام يميل إليه ويسير في ركابه. لذلك تحاول تركيا وأمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا وبعض الدول العربية، المشاركة في ترقيع الثوب الذي سوف تلبسه سورية الجديدة. يعيش في سورية الملايين من المواطنين العرب السنة، يشكلون ثلاثة أرباع السكان ولهم الاستحقاق الأكبر في تشكيل حكومة ائتلافية وطنية جديدة وبناء دولة تتناغم فيها وتتعايش كل الطوائف والمذاهب والعرقيات. الموضوع يجب أن يحدده صندوق انتخابات نزيه تحت سمع وبصر العالم.

لكن ثمة ثلاث شخصيات عربية سنية يعرفها الجميع اصطنعها حافظ الأسد كواجهات خدماتية، وكانت تدير لعشرات السنين الملف السوري الإيراني والشؤون الخارجية ووزارة الدفاع. الثلاثة الكبار هؤلاء شاركوا الحكم العلوي الطائفي بإخلاص وتفان في كل ما فعله وألحقه بالشعب السوري. اثنان من هؤلاء الكبار يعيشان حالياً في قصور فخمة في باريس، والثالث لا يدرى بالضبط أين هو. ابن أحد هؤلاء المسؤولين السابقين الثلاثة كان من آخر الهاربين من السفينة الغارقة، وهو ابن وزير الدفاع السابق، وكان الصديق المقرب لباسل الأسد حتى مات، ثم لأخيه بشار حتى قبل أسابيع، وكان عميداً كبيراً في الجيش السوري.

الآن أصبح هذا العميد يظهر كل يوم في قناة فضائية عالمية أو عربية مختلفة، وتتم المقابلات معه في كل واحدة بطريقة تشي بأن الرجل يتم مسح الدماء والآثام عنه وتلميعه وإعداده لمنصب مهم في سورية الجديدة.

السوريون بنضالهم المستعصي على الأمثلة يستحقون مستقبلاً أفضل مما يخطط لهم خلف الكواليس الدولية والإقليمية. أقول هذا على الرغم من قناعتي بأن الشعب السوري المناضل لن يقبل بعد كل هذه التضحيات بارتداء ثوب مرقع.

 

إلى الأمام
لن يقبل السوريون بثوب مرقع
د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة