ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 31/07/2012 Issue 14551 14551 الثلاثاء 12 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الاقتصادية

      

قبل عدة سنوات تعرض قريب لي لآلام مبرحة في الأذن، ولاعتقادنا بجودة المستشفيات الخاصَّة، بدأنا مشوارنا الطّبي منها ولم يحصل المريض على العلاج المناسب بسبب خطأ التشخيص؛ وكالعادة؛ بدأنا في التنقل بين كبرى المستشفيات الخاصَّة في المملكة على أمل الحصول على التشخيص والعلاج اللازمين؛ تضخمت فاتورة العلاج، وتقلصت فرص الشفاء، حتَّى أصاب مريضنا اليأس من العلاج!، وتعاظم عليه الألم؛ وارتفعت لديه المضاعفات بسبب أنواع الأشعة التي تعرض لها، والأدوية التي تناولها.

حصلت على نصيحة قريب بزيارة مستشفى الملك فهد الجامعي، ومقابلة الدكتورة ليلى التلمساني؛ استشارية الأنف والأذن والحنجرة؛ وبسبب ضغط المواعيد قَبِلَت بالكشف على المريض خلال جولتها الصباحية مع طلابها في الجامعة؛ استغرق الكشف ما يقرب من خمس دقائق تقريبا، ثمَّ بدأت في تشخيص المرض، ومضاعفاته التي ربَّما حدثت بسبب تأخر العلاج المناسب، بعد توجيه بعض الأسئلة الخاصَّة بالمريض؛ ولم تقطع بالأمر، بل جعلت لها خط رجعة، وطلبت استكمال الفحص من خلال الأشعة النووية.

بعد إطلاعها على الأشعة، أكّدت تشخيصها الأول وهو التهاب في الإذن وبسبب عدم ملاءمة المضادات الحيوية المُعطاة لحالة المريض وطبيعة المرض فقد حدثت مضاعفات خطيرة أدت إلى وصول الالتهاب إلى عظمة الجمجمة مهددًا حياة المريض بالخطر؛ وأبدت قلقًا، إلا أنها لم تيأس وطرحت العلاج الذي قبلناه دون تردد، وبعد علاج استمر لأكثر من شهرين تقريبًا، استطاعت أن تسيطر على الالتهاب وتحجيم تمدده إلا أن الشفاء لم يكن متاحًا إلا بتدخل جراحي؛ وهو ما أشارت له في البداية؛ وقدمت باحترافية كبيرة نصائح دقيقة لمرحلة التدخل الجراحي الذي لم يكن هينًا.

خلال رحلة العلاج في مستشفى الملك فهد الجامعي تعرّفت على تكلفة العلاج الحقيقية في المستشفيات الحكوميّة، وفاتورتها الباهظة، خاصة الأدوية؛ كنت أراجع تكلفة العلاج من خلال قيمة الأدوية ومراجعات المستشفى والفحوصات المستمرة، والخبرات الطّبية؛ توصلت حينها إلى قناعة بتكلفة الخدمات الصحية الباهظة التي نجهلها بسبب مجانيتها. تجربة أخرى عايشتها مع مرضى الكلى؛ وتكلفة العلاج في القطاع الخاص؛ جلسة الغسيل الواحدة تكلف المريض ما يقرب من 1200 ريال، أي 3600 ريال أسبوعيًا، و172800 ريال سنويًا. هذه التكلفة الباهظة لا يمكن للمواطن متوسط الدخل تحملها، وقس على ذلك تكلفة مرضى السكر، والسرطان والأمراض الأخرى.

فاتورة الخدمات الصحية المرتفعة فرضت على الدَّولة تخصيص 86 مليار ريال للقطاع الصحي، من مجمل الإنفاق الحكومي، ما يعني استحواذ الخدمات الصحية على ثاني أكبر المخصصات في الميزانية؛ وبعيدًا عن المنشآت الصحية التي تشكل الحلقة الأضعف في منظومة الخدمات الصحية في المملكة، نجد أن فاتورة علاج مرضى السرطان تزيد على 10 مليارات ريال؛ ومرضى السكري تزيد على 4 مليارات ريال سنويًا، وهو رقم قد يتضاعف مستقبلاً لأسباب مرتبطة بانتشار المرض في المملكة؛ وهناك دراسة تشير إلى أن أكثر من 20 في المئة من سكان المملكة مصابون بالسكري؛ هذه النسبة إن صحت قد ترفع فاتورة العلاج إلى 15 مليار ريال؛ وعلى علاقة بمضاعفات مرض السكري نجد أن تكلفة علاج مرضى الفشل الكلوي تزيد على ملياري ريال سنويًا؛ أما فاتورة علاج الأمراض الناتجة عن التدخين فتزيد على 4 مليارات ريال سنويًا.

وفي تقرير خاص عن إدمان المخدرات، قدّر أحد المختصين، تكلفة علاج المدمنين محليًّا، بـ 3.6 مليار سنويًا. إحصاءات مالية ضخمة، على الرغم من تجاهلنا تكلفة بناء وتشغيل المستشفيات والمراكز الصحية والرعاية الصحية الشاملة.

ويبقى السؤال الأهم وهو: هل تتوافق الخدمات الصحية المقدمة في المملكة مع حجم الإنفاق عليها؟ والجواب كلا؛ فحجم الإنفاق المحلي يمكن أن يدار بطريقة أكثر كفاءة لضمان تقديم خدمات صحية متميزة تنافس في مضمونها وأسلوب تقديمها الخدمات الصحية العالميّة.

أعتقد أننا لا نعاني من الكفاءات الطّبية المتخصصة، ولا توفر الأجهزة المتطورة، ولكن تبقى المشكلة الأزلية في المنشآت الصحية؛ المستشفيات والمراكز؛ وهذا الجانب يحتاج إلى تطوير سريع، لزيادة العدد ورفع الكفاءة؛ مجمل الأسرة المتاحة لا يتوافق مع عدد السكان، كما أن انخفاض عدد المستشفيات والمراكز المتخصصة لعلاج أمراض القلب والشرايين والسرطان يعرض حياة كثير من المرضى للخطر. الاستثمار في المباني الصحية، والتوسع في تخريج الأطباء والممرضين من الجنسين يجب أن يكون من أولويات الحكومة. الإنفاق السخي على الخدمات الصحية يؤكد حرص الحكومة على توفير الخدمات الصحية المتميزة للمواطنين؛ إلا أن حجم الإنفاق قد لا يضمن تحقيق الأهداف المرسومة إذا لم تكن هناك إستراتيجية واضحة المعالم لتحقيق المنفعة الكلية من مجمل الإنفاق. نحن في حاجة إلى زيادة عدد المستشفيات، والتوزيع العادل للمستشفيات التخصصية بين مناطق المملكة، ورفع كفاءة المستشفيات الحالية بما يضمن تحقيق رضى وقناعة المواطنين بجودة الخدمات الصحية الحكوميّة.

f.albuainain@hotmail.com
 

مجداف
الخدمات الصحية الحكومية
فضل بن سعد البوعينين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة