ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 31/07/2012 Issue 14551 14551 الثلاثاء 12 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

تظل عَظَمَةُ البيت الحرام والمشاعر الطاهرة رمزاً بارزاً فريداً على وجه هذه الأرض التي نعيش عليها، فهو المكان الذي تهفو إليه الأفئدة، وتحن إليه القلوب، ويتسابق إليه المسلمون من كل مكان معتمرين أو حاجين في صورة متميزة لا يمكن أن نجد لها نظيراً في العالم.

إن وقفة التأمل في وجوه الناس الذين يتدفقون كالسيل داخلين من بوابات المسجد الحرام أو خارجين منه تحقق متعة عظيمة، وتفتح أفقاً فسيحاً للموعظة والعبرة والمعجزة الإلهية في هذا المكان الطاهر. فالمتأمل لوجوه هذه الأفواج البشرية يرى عجباً، ويقف مبهوراً أمام تنوعها واختلافها وتباين تقاسيمها، فما يستطيع أن يقاوم ابتسامة التعجب، ودمعة التأثر في لحظة واحدة.

أما حينما تُطِلُّ على الحرم وساحاته من شرفة أحد الأبراج العالية المحيطة بالحرم فإنك ترى العجب العجاب ولا تجد تشبيهاً أدق من أفواج النمل للتعبير عما ترى، بشر يتزاحمون دخولاً وخروجاً، ويرسمون بجموعهم الغفيرة في الساحة الخارجية للحرم لوحة بديعة تسر الناظرين في شكلها الكبير وإطارها العام، وإن كانت تفاصيلها تختلف لأنها تحتوي على عدد من التصرفات لا تتناسب مع عظمة المكان.

كنت أسير في ساحة الحرم فإذا بمجموعة من رجال العراق الكرام يتحلَّقون واقفين في انتظار من تأخَّر من أصحابهم، ناداني أحدهم باسمي الصريح فاجبته مبتسماً: نعم، فتقدم إلى مسلِّماً بحرارة وسلَّمت على رفقائه فعرَّفني بهم، فإذا بهم أساتذة أفاضل من جامعة بغداد، وجامعة الموصل، وإذا بهم يجمعون على أنهم لا يمكن أن ينسوا كل كلمة شعرية قلتها من أجل العراق في أحداثه المتعددة المتلاحقة، وإذا بهم يتحدثون عن الأثر الكبير الذي تتركه كلمات كل عالم أو مفكر أو سياسي أو كاتب أو شاعر يدعم قضيتهم، ويتعاطف معهم، وقال لي أحدهم وهو يبكي بدمع يتقاطر من عينيه: كنت أنت وأحد المشايخ في إحدى القنوات تتكلمون عن مآسي العراق بحرارة وصدق، ولكنني كنت في ذلك الوقت قريب عهد بهدم بيتي وقتل اثنين من أهلي هدْماً وقتلاً متعمَّداً بلا ذنب أو سبب، فغضبت من كلامكما بالرغم من أنه كلام المحب المناصر المطالب بإنقاذ العراق وأهلها، فحاولت الاتصال عدداً من المرات، وتحقق لي فخاطبتك خطاباً جامداً أقول: يا دكتور عبد الرحمن نحن لا نريد كلاماً، ولا نريد شعراً ولا نريد تعاطفاً سلبياً نحن نريد عملاً نريد تحركاً ينقذنا نحن نُقتل وتُهدم بيوتنا ليل نهار وأنتم تتكلمون في الفضائيات وتكتبون في الصحف وتنصرفون بعد ذلك إلى بيوتكم آمنين، قلت له: أذكر ذلك جيداً، وأذكر أنني تفاعلت مع كلامك حتى البكاء ثم بينت لك الصواب وأن هذا الكلام والتعاطف هو أقصى ما نستطيع، وهو حق لكم علينا، قال: نعم، وإنما أردت أن أعتذر إليك من جانب وأقول لك ما لم أقله في تلك المداخلة، فقد واجهت هجمة من جلسائي الذين سمعوا كلامي واعتبروا ما قلته لك هجوماً وتجاوزاً مهما كان السبب، فرددت عليهم بقولي: إنها حرقة القلب لما حدث لداري ولأهلي، وقد حاولت الاتصال مرة أخرى لأعتذر فلم أتمكن.

حدثوني عن مأساة الشعب العراقي التي ما تزال تقضُّ مضاجع أهل العراق، فهناك طائفية مقيتة، وهناك تفجيرات مميتة، وهناك وهناك.. فإذا بهم يجددون على العراق أحزاني، ويرسمون صورة واقعية سوداء لحكومة شديدة الميل مع طائفة ضد طائفة أخرى، ويؤكدون أثر إيران الجارف في العراق دعماً لطائفة ضد أخرى، ويقولون بلسان واحد: لا تنسوا عراقكم فما زال يعاني.

وقفة عابرة في تلك الساحة المباركة كانت بهذه الصورة، ولو أراد الإنسان أن يتحدث عن عجائب البشر في هذا المكان العظيم (المسجد الحرام) لطال به الحديث.

إشارة:

ما أعظم هذا المكان «المسجد الحرام»، وما أكرمه وأطهره!!

 

دفق قلم
ما أعظم هذا المكان
د. عبد الرحمن بن صالح العشماوي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة