ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Wednesday 01/08/2012 Issue 14552 14552 الاربعاء 13 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في يوم السبت السادس والعشرين من شهر رجب 1433هـ انتقل إلى رحاب ربه مصحوباً بالدعاء له والترحّم عليه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز - ولي العهد وزير الداخلية، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجزاه الله على ما قدّمه لوطنه وأمته من خدمات جليلة أعظم الجزاء.

لقد كان الأمن والأمان في هذا الوطن في عهدته كوزير للداخلية منذ عام 1395هـ، فحافظ بعزمه وحزمه على متانته وثباته. إن وزارة الداخلية في المملكة -كما في أي بلد في العالم - ذات مسؤوليات ومهام عديدة وجسيمة وحساسة. ومن أكبرها وأكثرها حساسية وخطورة مكافحة الإرهاب ومكافحة المخدرات.

والجهود التي بذلها سموه - رحمه الله- في هذين المجالين لا تحتاج إلى بيان. ومع أن سموه وضع مكافحة الإرهاب ومكافحة المخدرات في قمة أولوياته وحقق النتائج التي يلمس المواطنون آثارها، إلا أنه أدرك أن هذه الأخطار لا تتوقف عند حدود الوطن وأن تهديدها مستمر وقادم من خارج الحدود. لذا عمل - رحمه الله- على أن تتعاون المملكة مع شقيقاتها الدول العربية في بذل جهود مشتركه لمكافحة المخدرات، وهكذا أقرّ مجلس وزراء الداخلية العرب الإستراتيجية الموحّدة لمكافحة المخدرات قبل عدة سنوات.

وبالمثل فإن المملكة حرصت على أن تتعاون مع دول العالم على مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، وسعت - ولا تزال- بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله- إلى أن تتبلور الجهود المشتركة في مركز دولي لمكافحة الإرهاب. ولكن لماذا نقول إن الإرهاب والمخدرات وجهان لعملة واحدة؟ ذلك لأن العملة التي يصرفانها واحدة، وهي القتل. هل هو قتل المجرمين؟ لا، بل قتل الأبرياء رجالاً ونساءً وأطفالاً. إن جرائم التفجيرات العمياء التي اقترفها الإرهابيون لا تفرّق بين صغير وكبير أو ضعيف وقوي أو مسالم آمن وعدو مترصد. هذا ما شاهدناه في بلادنا وما نشاهده يومياً في عدد من بلدان العالم، ولا نزال نذكر تفجيرات المجمعات السكنية في الرياض قبل عدة أعوام. الإرهابي لا يعرف حدوداً لعمله ولا يعرف إلا هدفه. إنه الإرهاب وحسب. إنه يعتبر كل جريمة إرهابية ينفذها هزيمة للعدو. ولا تهمه النتيجة. فسواء عنده إن مات واحد أو مات المئات. ولا يهمه من يموت. الغاية عنده تبرر الوسيلة. وفي سبيل تبرير جرائمه - إذا كان منطلقه تكفيرياً جهادياً مثلاً- لا يستنكف عن تجاهل النصوص الدينية أو تحريف معانيها. فهو يتجاهل الوعد والوعيد الذي ورد في القرآن الكريم: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}النساء 93. ومما ينقل عن الجماعة المسلحة الجزائرية أنهم كانوا يبررون ذبح الأطفال الرضع عند ما يهاجمون قرية آمنة مطمئنه بما ورد في سورة نوح: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً}. كأنهم بذلك يكفّرون خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل رضي الله عنهما. أما قتل المستأمنين المعصومين - الذي ارتكبه عندنا بعض إرهابيي (الفئة الضالة) قبل سنوات فقد برّره هؤلاء بهدف (إخراج المشركين من جزيرة العرب). وشبيه بهذا التبرير الحاقد ما برّر به المجرم الإرهابي النرويجي (أندرس برايفك) قتل 77 شخصاً في التفجيرين اللذين نفذهما في منتجع يوتويا ومدينة أوسلو بالنرويج في سبتمبر 2011 بأن دافعه كان كراهيته لوجود المسلمين في أوروبا. ذلك أن دوافع الإرهابيين بدائية تنطلق من ترسبات تركيبهم النفسي. بدون أن تمر في أثناء صعودها من القاع إلى السطح عبر صممات وضوابط من الضمير والعقل والشعور لكي يتم تهذيبها ولذا تصبح هوجاء مدمرة. نعرف ذلك من جرائم انفلات غريزة الجنس أو غريزة حب البقاء أو غريزة الكراهية والعدوان. ومهما يكمن وراء ذلك من أسباب فتأثيرها يقع على النفوس الضعيفة القابلة للتأثر، أما الدور الذي يبقى لإعمال الذهن فهو اختيار وسيلة التدمير المعبرة عن هذه الدوافع البدائية الدفينة.

ما الذي يجمع الإرهاب والمخدرات إذن؟ إن الذين يقومون بتهريب وترويج المخدرات ينطلقون أيضاً من دوافع بدائيه فلا يهمهم الدمار الذي يلحق بضحاياهم بقدر ما يهمهم إرضاء غريزة الطمع المتمثلة في التملك وكسب المال بأسرع السبل. وفي سبيل تحقيق غاياتهم يستبيحون كل وسيلة مؤذية ومرعبه: قتل حرس الحدود أو أفراد مكافحة المخدرات - ابتزاز وتهديد المدمنين وضعاف النفوس- إلى غير ذلك. وكلما اتسعت دائرة التعاطي انتعشت أرباحهم وماتت أرواح المتعاطين. لكن مجرمي الإرهاب والمخدرات لا يشتركون في مبدأ الغاية تبرّر الوسيلة فقط، بل هم يشتركون في جني الفائدة من المخدرات.

فإن كان المهربون والمروجون يبيعون بضاعتهم ليصبحوا أثرياء أو ليبتزوا ضعاف النفوس، فإنه في عصر حسن بن الصباح الإسماعيلي (في القرن الخامس الهجري) كان إرهابيوه يتناولون المخدرات وخاصة الحشيش ليتغلبوا على الخوف أو التردد أو العاطفة الإنسانية في قتل خصومهم. لذا صارت كلمة (الحشاشين) تعني (القتلة) في الأدبيات الغربية. وبسبب ما جرى ذكره آنفاً لا نكتفي بالقول إن الإرهاب والمخدرات وجهان لعملة واحدة، بل نقول إن مكافحتهما من أعظم الجهاد في سبيل الله. وقد كان (نايف بن عبد العزيز) حامل راية الجهاد. وستظل هذه الراية - من بعده- مرفوعة بعون الله وتوفيقه.

 

الإرهاب والمخدرات وجهان لعملة واحدة
عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة