ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 02/08/2012 Issue 14553 14553 الخميس 14 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

تتفق فئتان من الناس على رسم صورة للعلاقات بين البشر وسماتهم المميزة في لقاء عابر، أو رؤية أولية. الفئة الأولى هي التي ترى أن مراعاة الإتيكيت ينبئ عن وعي بتقدير الناس، والأحوال التي تكون فيها مختلف المجموعات البشرية؛ فهو بالتالي ضرورة لا غنى عنها للإنسان حيثما حل، وفي كل الأزمنة، ومع جميع الناس، بشروط بالطبع مختلفة.

الفئة الثانية هي تلك التي تزعم أن السمات الخلْقية (بتسكين اللام) للإنسان تنبئ عن خلُقه (بضم اللام)، أو إمكانات التعامل معه. طبعاً لا أقصد السمات الشكلية الخارجية الناتجة عن تشوهات أو من عوامل الزمن، بل الملامح الطبيعية التي تميز الإنسان في جسمه أو جوارحه. وكثير ممن اطلعوا على التراث العربي يعرفون كتاب ابن الجوزي وغيره في تصنيف عقول الناس وطبائعهم بناء على ملامحهم الخارجية.

وقد قال لي أحدهم: إذا رأيت شخصاً عيناه صغيرتان وغائرتان فاحذر منه، ولا تتعامل معه، فإنه يتسم بالغدر واللؤم. وإن رأيت شخصاً عريض الرقبة من القفا، ومستدق الترقوتين، فلا تشاركه في عمل أو تجارة أو سفر؛ فإنه قليل الصبر، سريع الغضب، ميال إلى العنف وإلى التضحية بكل علاقاته مع الآخرين إذا غضب.

قلت له: أنا أعرف دقيقة الرقبة وطويلتها من النساء، وأعلم أنها من علامات الجمال، وأعجب بها؛ لكني مع ذلك لا أتهمها بذكاء أو غباء. فلك ذكاؤهن وغباؤهن، ولي رؤية جمالهن!

تمتم مستهيناً بالملاحظة، وساخراً من عدم تقديري لفطنته ومعرفته بالرجال. فأردفت قائلاً: لكن البشر يا صاحبي ليسوا رجالاً فقط.

وفيما يخص الإتيكيت ألم يقل لك أحد الأصدقاء أو الأقارب: فشلتنا.. أو أبعد عنك في موقف يراه محرجاً، ثم يتحدث مع غيره أو معك ضاحكاً: أنا ما أعرفك؟

وقد امتدت قائمة الإتيكيت حديثاً لتشمل أشياء قديمة وجديدة، محلية وأجنبية؛ بل إن بعضها يتناقض مع بعضها الآخر. فهناك من يعد عدم اهتمام الأهل بأطفالهم وكبح أصواتهم في اللعب أو الصراخ تعدياً على الآخرين وقلة ذوق وعدم مراعاة لشروط الإتيكيت، خلافاً لزمن مضى، كان صراخ الطفل فيه أمراً معتاداً ومن طبائع الأشياء. وفي العصر التكنولوجي اتسعت أيضاً الأمور المشمولة بقواعد الإتيكيت، ليتذمر أحدهم أنك لم ترسل له رسالة هاتفية بمناسبة شهر رمضان أو العيد، وآخر أو أخرى: لم يضفني أو تضفني في الواتس أب، أو: لم يعمل لي أو تعمل لي لايك.

ولا بد من طرح سؤال جوهري في هذا الشأن هو: ما الفرق بين الإتيكيت وكل من الذوق العام في حياة البشر عامة، وأيضاً «السلوم» في حياة العرب القبلية؟

عاودت مناكفة صاحبي بأن الذوق العام غير موجود في البيئات العربية؛ فما يوجد هو طقوس دينية أو بقاياها أو تطوراتها، وعادات قديمة تحولت إلى ما يشبه الطقوس، وهي ما تسمى في تراث شبه الجزيرة العربية «سلوم العرب». وعندما غضب من هذا التصنيف نظرت إلى قفاه، فاطمأننت لأنه لم يكن عريض القفا، وتابعت: إن كنت تنكر أن هذه العادات قد تحولت إلى ما يشبه الدين، والدين قد تحول إلى ما يشبه العادات؛ فانظر إلى قصة سائق الأجرة المغربي، التي حكيتها لك، الذي يريد أن يأخذ ما ليس له من أجل أن يذبح خروف الأضحية، وانظر كذلك إلى آلاف البشر هنا الذين يعتمرون في رمضان ويصومون، ثم لا يتورعون عن شتم الناس وظلمهم وأخذ حقوقهم. وفيما أنا أرد عليه محاولاً أن أفحمه جاءت المضيفة ذات الرقبة الطويلة الدقيقة تقدم القهوة، فقلت له: يا صاحبي مع السلوم ضاعت العلوم!

الرياض
 

رؤية
الإتيكيت والملامح.. ضرورة وواقع؟
أ. د. فالح العجمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة