ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 03/08/2012 Issue 14554 14554 الجمعة 15 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

قصة قصيرة
نباح الفوضى!!

رجوع

 

أربعة أيام مضت، والضجيج يعلو المكان، تنتفض الحناجر باللغط المتواصل، تتطاير الكلمات والمطالبات في حيز مكتظ، لا جدوى من فحيح ممزوج بالفوضى، أربعة أيام كفيلة برسم اليأس على كل الوجوه، فالوجوه التي تتردد على هذا المكان تتقارب لحد الشبه! والسبب الذي يجمعها هو عدم الاستجابة.

أخبرني أحدهم أنهم يقفون وينادون ويصرخون ولا مجيب، مما دعاني لمحاولة زعزعة المكان، وتحريك الركود الذي تعفنت معه اللحى وتبللت بعرق الانتظار!!

لم أعد احتمال الوقوف خلف الجموع، فوالدي منذ أمدٍ بعيد يردد على مسمعي:

- أريدك جواداً تصهل في المقدمة..

فبدأت أتسلل برشاقتي المعهودة بين الجموع، وعبارة أبي تقدح في أذني شرارة الكفاح، وفي رأسي تتزاحم مطالب من حملوني همومهم، فمكانتي الاجتماعية تملي عليّ أن أنقل مطالب أهل قريتي الوادعة بين الجبال، سرت والطريق طويل، فتارة أسمو برقبتي على من تضاءلت أجسادهم تحت وطأة الصمود، وتارة أخفي هامتي بين الأكتاف وتحت الآباط كنعامة هاربة.

المسؤول رجل ذو قامة فرعاء، لا يبتسم، عيناه تتطاير منها الحدة والصرامة، شماغه منسدل على كتفيه إلى أن يغطي جزءاً كبيراً من كرشه الكبير، يخيل لي أن الناس لا تسعفهم ألسنتهم إلا بكلمات قليلة متقطعة وسرعان ما يلفظ بكلمة الفصل التي لا يمكن أن ترد مهما حصل.

ارتقيت المنصة التي يعتليها بعد مكابدة، وانضممت لدائرة المراجعين، حاولت أن أنبس بكلمة، ولكن الأصوات تعلو صوتي والأيادي تطال يدي والأكتاف تقدم وتؤخر في كتفي، يا لهم من أناس عشوائيين!! صدق الذي قال نحن في زمن الصراع من أجل البقاء.

أخذت نفساً عميقاً وأغمضت عيني ثم قلت: يا طيـــ..

ولم أكمل كلمتي إلا وقد طار عقالي على أثر أحدهم، وكان الشماغ ليلحق به لولا تداركي للوضع، ولكن عندما أردت مسك الشماغ سقطت بين الجموع، حاولت الوقوف ولكني لم أستطع، إنني أترقرق في وحل لا مخرج منه، وبعد فترة ليست بالقصيرة نهضت برشاقتي المعهودة!!

وناديت: يا طيـــب...

وكأني أرى كلمتي تذهب جفاء، كيف لي أوصل هموم من حملوني وأنا كلمتي ضائعة؟

من هنا ولدت شخصيتي المغايرة، فقد تجرأت وحاولت كسر الرتم السائد، واستعملت تفكيري النافذ، فالناس لا تعدو كلماتهم الشكوى والتذمر، سأختار الطريق الوعر، وأفاجئ الجميع بما لا يتوقعوه مني، التقت في ذهني أفكار كثيرة منها ما وصل لحد القذارة!! ولكني تنزهت لمكانتي الاجتماعية.

وأخذت أقربها، ألا يقول والدي: أريدك جواداً تصهل في المقدمة..؟؟

ودون كدح يذكر امتطيت الجرأة، وتحزمت بالإقدام، وقفزت برشاقتي المعهودة على مكتب المسؤول، ووقفت على أربع، وعنقي ممتد في وجهه، وأردت أن أصهل لكنها الفوضى العارمة حوّرت صهيلي إلى نبح جهوري، أردت أن أتلجم بمكانتي ولكن..!

فما استطعت إلا مضياً، والأصوات تتضاءل أمام نباحي المتواصل، والمسؤول المتبلد كف عن مخاطبة الجمهور وأخذ يحدق فيَّ باستغراب، ربما لأنني الوحيد الذي نبح عليه في عقر داره، ولا أذكر سوى أنني أخذت أنبح والناس كلهم ينظرون، لدرجة أني نسيت من حملوني همومهم!!

ساعد الخميسي

saed711@hotmail.com
 

رجوع

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة