ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 04/08/2012 Issue 14555 14555 السبت 16 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

حين أراد أن يتزوج بعد تخرجه في كلية أصول الدين بجامعة الإمام قبل عقد ونيف من السنين استدان لكي يعف نفسه ويبني أسرة، وتقاذفته الوظيفة مدرساً في نجران ثم في هجرة تبعد عن الرياض مائة وخمسين كيلومتراً، صبر وصابر على شح راتب لا يبقى منه إلا أقله بعد أن يقتطع منه البنك نصيبه، وبعد أن يقتطع منه بنك آخر ديناً لسيارته المستعملة بحشمة كما يقول وهو يضحك! تلك التي أقلته ذاهباً وآيباً من نجران إلى قريته، ثم إلى هجرة البادية التي علم أبناءها المبادئ الأولى في القراءة والكتابة ومبادئ الدين!

أما حين تيسر بشفاعة أحد الوجهاء وانتقل إلى الرياض حار في أمره أين يسكن؟ وبكم؟ وكيف يستطيع دفع أيجار المنزل الذي سيختاره؟!

توافد على منزله المتواضع القديم الذي اختاره لأجرته الزهيدة قياساً إلى غيره أبناء وبنات حتى وصل عددهم إلى نصف درزن! وهو بين فينة وأخرى لا يفتأ يدير الفكر ويضرب أخماساً بأسداس إلى متى يظل متنقلاً من دار عتيقة إلى أخرى، وهل سيبقى يرقع هذا الجزء أو ذاك من هذا البيت القديم المتأبي على الإصلاح في أكثر حارات السويدي قدماً وتآكلاً؟! ولم لا يقدم على خطوة متقدمة في حياة هذه الأسرة الشابة التي بدأت طلائعها أقرب إلى اليافعة والفتوة؛ فيشتري أرضاً ليقدمها إلى صندوق التنمية العقاري وينتظر سنين إلى أن يعلن عن اسمه ضمن الممنوحين قروضاً؟ هذا ما عقد العزم عليه؛ لكن من أين يأتي بالمال؟! لا منقذ له إلا البنك بعد أن انزاح عن كاهله القرضان السابقان، اقتطع البنك من راتبه نصفه أو يزيد قليلاً، وعليه أن ينتظر كي يحق له استلام قرض الصندوق خمس سنين أو أكثر بقليل لكي يستطيع بناء بيت صغير متواضع، وقد لا يفي قرض الصندوق ببناء كامل البيت فليأخذ قرضاً آخر من البنك أيضاً لكي يكمل ما لم يستطع إكماله!

كم هو صبور هذا الفتى الطيب المتدين البشوش؟ كم جالد الليالي ساهراً ساهماً شارداً يفكر أين المخرج من أزماته المالية المتكررة التي لم تنقطع مذ تخرج في الجامعة وعقد العزم على الاستقرار وبناء أسرة!

لقد هدت جسده هذه الهموم المعيشية فأصابه الحلو الذي يعشق المهمومين! رغم أن طموحه لم يتجاوز مدرسته القريبة أو السوق أو قريته البعيدة حين كان والداه على قيد الحياة؛ يسمع عن مباهج حياة لم يجربها ولا يعتقد يوماً أنه يمكن أن يتذوقها؛ يسمع عن فلان من الناس أنه قضى عطلة الصيف في ديار بعيدة، ولكنه لم يركب طائرة في حياته بعد! ويمر في روحاته وجيئاته بما يثير في داخله ألف سؤال عن الغنى والفقر، ومع إيمانه العميق بما كتب له لم يستطع فهم معنى لهاث مستمر لم ينقطع لم يسد حاجة أسرته التي تكونت على مدى خمسة عشر عاماً من الكدح وتعليم الصبية منذ الإشراق حتى يصل إلى ظل كل شيء مثله!

تساءل ذات يوم وهو يضع كراريسه أمام طلابه مع إشراقة شمس جديدة على وطنه: هل كتب عليَّ أن أحيا وأموت مديوناً لم أمتلك شبراً بعد من أرض أتغنى بها صباح مساء وأحقن حبها في أوردة وشرايين هؤلاء الصغار وألقنهم معنى الوطنية وأغنيها لهم بصوت شجي لا أعرف أهو حزين أم فرح أم هما معاً؟! لكن حين يكبرون هل سيغنون مثلي أم أنهم سيتوقفون عن الغناء؟!

moh.alowain@gmail.com
 

كلمات
وصف حالة شاب من عامة الناس
د. محمد عبدالله العوين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة