ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 05/08/2012 Issue 14556 14556 الأحد 17 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أعانك الله يا معالي الشيخ عبد الرحمن على استخلافك في هذا المنصب، الذي يُعتبر تكليفا أكبر منه تشريفا، لكون ما وليتم عليه مرتبطا بقبلة المسلمين - بيت الله الحرام ومسجد نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم -. فدعواتنا لك من القلب: أن يعينك الله على أداء هذه المسؤولية العظيمة، وأنت تتمتع بخبرة تزيد على ثلاثة عقود من الإمامة، والخطابة، إضافة إلى ثروة من الحنكة، والعقلانية، والرؤى الفكرية الثاقبة.

معالي الشيخ: تعلمنا أيام الطلب قاعدة عظيمة، تحصل بها حماية الشريعة من التحريف، والتبديل، « أن الأصل في العبادات التوقيف، وأن الأصل في المعاملات، والعقود الإباحة «. فالعبادات، لا يشرع منها إلا ما شرعه الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم. - وبالتالي - فإنه لا يجوز للإنسان، أن يتعبد الله - عز وجل - بعبادة إلا إذا ورد دليل من الشارع، بكون تلك العبادة مشروعة. وقد ثبت في صحيحي - البخاري ومسلم -، من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد «، وفي رواية مسلم عنها: « من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد «.

وحين يأتي الفعل غير مشروع، زيادة على الفعل المشروع، فإن أصل الفعل يكون مشروعا، ولكن الزيادة ليست مشروعة. وعليه، فليس لأحد أن يتصرف في العبادات، - سواء - في صفتها، أو زمانها، أو مكانها، أو نوعها، بل تتلقى عن الشارع الحكيم، ولا يلزم لها تعليل، وإنما كما يقول الأصوليون: « غير معقولة المعنى، أو تعبدية «. قال - شيخ الإسلام - ابن تيمية - رحمه الله -:» فَباسْتِقْرَاء أُصُولِ الشَّرِيعَةِ، نعلَم أَنَّ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ، أَوْ أَحَبهَا، لَا يَثْبُتُ الْأَمْرُ بِهَا إلَّا بِالشَّرْعِ، وَأَمَّا الْعَادَاتُ، فَهِيَ مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ فِي دُنْيَاهُمْ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إلَيْه، وَالْأَصْلُ فِيهِ عَدَمُ الْحَظْرِ، فَلَا يَحْظُرُ مِنْهُ إلَّا مَا حَظَرَهُ اللَّهُ، وَرَسُولُهُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ، وَالنَّهْيَ، هُما شَرَع اللَّهُ - تَعَالَى -، وَالْعِبَادَةُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَأْمُورًا بِهَا، فَمَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مَأْمُورٌ، كَيْفَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عِبَادَةٌ؟. وَمَا لَمْ يَثْبُتْ مِنْ الْعَادَاتِ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، كَيْفَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَحْظُورٌ؟. وَلِهَذَا كَانَ أَحْمَد، وَغَيْرِه مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ، يقُولُون: إَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِبَادَاتِ التَّوْقِيفُ، فَلَا يُشْرَعُ مِنْهَا إلَّا مَا شَرَعَهُ اللَّهُ - تَعَالَى -، وَإِلَّا دَخَلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُْ}، وَالْعَادَاتُ الْأَصْلُ فِيهَا الْعَفْوُ، فَلَا يُحْظَرُ مِنْهَا إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ، وَإِلَّا دَخَلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالا}. وَلِهَذَا ذَمَّ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ شَرَّعُوا مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، وَحَرَّمُوا مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ «.

حسناً - معالي الشيخ -، تعلمون - حفظكم الله - الإشكال الواقع بين أهل العلم في مسألة دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح، والقيام. فهناك من أجازه بإطلاق، وهناك من لم يشدد فيه، وهناك من منعه، وقال: لا أصل للدعاء بعد ختم القرآن في الصلاة. فممن أجازه ابن قدامة - رحمه الله - في المغني (2-171) حيث قال: « فصل في ختم القرآن. قال الفضيل بن زياد: سألت أبا عبدالله، فقلت: أختم القرآن، أجعله في الوتر أو في التراويح؟. قال: اجعله في التراويح، حتى يكون لنا دعاء بين اثنين. قلت: كيف أصنع؟. قال: إذا فرغت من آخر القرآن، فارفع يديك قبل أن تركع، وادع بنا، ونحن في الصلاة، وأطل القيام. قلت: بم أدعو؟. قال: بما شئت. قال: ففعلت بما أمرني، وهو خلفي يدعو قائما، ويرفع يديه. قال حنبل: سمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا فرغت من قراءة « قل أعوذ برب الناس «، فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع. قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟. قال: رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة. قال العباس بن عبد العظيم: وكذلك أدركنا الناس بالبصرة، وبمكة. ويروي أهل المدينة في هذا شيئا، وذكر عن عثمان.. «. قال - الشيخ - عطية محمد سالم، تعقيباً على ما سبق: « يدل أنه كان عملاً عاماً في تلك الأمصار - مكة والبصرة والمدينة -.

ويشير إلى أنه لم يكن قبل زمن عثمان، كما يدل على أنه من عمل عثمان إن صحت عبارته، ويروي أهل المدينة في هذا شيئاً.. إلخ. وعلى كل فقد فعله أحمد - رحمه الله -، مستدلاً بفعل أهل الثلاثة المذكورة، مستأنساً بما يروي أهل المدينة في هذا عن عثمان. مما يدل على أنه كان موجوداً بالمدينة عمل دعاء الختم، الذي يعمل اليوم في التراويح مع طول القيام «.

وقد سئل - سماحة الشيخ - عبد العزيز بن عبد الله بن باز- رحمه الله - في مجموع فتاوى، ومقالات متنوعة (11-333-334): أن كثيراً من الأئمة يحرصون على ختم القرآن في التراويح، والتهجد؛ لإسماع الجماعة جميع القرآن. فهل في ذلك حرج؟. فأجاب - رحمه الله -: « هذا عمل حسن، فيقرأ الإمام كل ليلة جزءاً، أو أقل، لكن في العشر الأخيرة يزيد، حتى يختم القرآن، ويكمله، هذا إذا تيسر بدون مشقة. وهكذا دعاء الختم فعله الكثير من السلف الصالح، وثبت عن أنس - رضي الله عنه - خادم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فعله، وفي ذلك خير كثير. والمشروع للجماعة أن يؤمنوا على دعاء الإمام، رجاء أن يتقبل الله منهم «.

ويرى - الشيخ - محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله -، أنه لا أصل للدعاء بعد الختم من الصلاة. ففي فتاوى الشيخ (14-226)، يقول: « والدعاء بعد ختم القرآن، إما أن يكون بعد ختمة في الصلاة، أو خارجها. ولا أصل للدعاء بعد الختمة في الصلاة. وأما خارجها، فقد ورد فعله عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - «. وعندما سئل - رحمه الله - في فتاوى أركان الإسلام (354)، عن حكم دعاء ختم القرآن في قيام الليل في شهر رمضان؟. أجاب: «لا أعلم في ختمة القرآن في قيام الليل في شهر رمضان، سنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أصحابه - أيضا -. وغاية ما ورد في ذلك، أن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، كان إذا ختم القرآن جمع أهله، ودعا، وهذا في غير الصلاة «.

بل إن - الشيخ - بكر بن زيد - رحمه الله -، لم يتردد في تأصيل هذه المسألة تأصيلا شرعيا، وتحريرها بأسلوب علمي في كتابه « الأجزاء الحديثية «، المتسم بالمنهجية، والمرجعية. ومما جاء في خاتمتها من مجموع السياقات في الفصلين السالفين، نأتي إلى الخاتمة في مقامين. المقام الأول: في مطلق الدعاء لختم القرآن - والمتحصل في هذا ما يلي:

أولاً: أن ما تقدم مرفوعاً، وهو في مطلق الدعاء لختم القرآن، لا يثبت منه شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل هو إما موضوع، أو ضعيف لا ينجبر. ويكاد يحصل القطع بعدم وجود ما هو معتمد في الباب مرفوعاً؛ لأن العلماء الجامعين الذين كتبوا في علوم القرآن، وأذكاره، أمثال: النووي، وابن كثير، والقرطبي، والسيوطي، لم تخرج سياقاتهم عن بعض ما ذكر، فلو كان لديهم في ذلك ما هو أعلى إسنادا؛ لذكروه.

ثانياً: أنه قد صح من فعل أنس بن مالك - رضي الله عنه -، الدعاء عند ختم القرآن، وجمع أهله، وولده لذلك. وأنه قد قفا، أي: (تابعه) على ذلك جماعة من التابعين، كما في أثر مجاهد بن جبر- رحمهم الله تعالى - أجمعين.

ثالثاً: أنه لم يتحصل الوقوف على شيء في مشروعية ذلك في منصوص - الإمامين - أبي حنيفة، والشافعي - رحمهما الله تعالى -، وأن المروي عن - الإمام - مالك - رحمه الله -، أنه ليس من عمل الناس، وأن الختم ليس سنة للقيام في رمضان.

رابعاً: أن استحباب الدعاء عقب الختم، هو في المروي عن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -، كما ينقله علماؤنا الحنابلة، وقرره بعض متأخري المذاهب الثلاثة.

المقام الثاني: في دعاء الختم في الصلاة -، وخلاصته فيما يلي:

أولاً: أنه ليس فيما تقدم من المروي حرف واحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو عن أحد من صحابته - رضي الله عنهم -، يفيد مشروعية الدعاء في الصلاة بعد الختم قبل الركوع، أو بعده لإمام، أو منفرد.

ثانياً: أن نهاية ما في الباب، هو ما يذكره علماء المذهب من الرواية عن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - في رواية حنبل، والفضل، والحربي عنه، والتي لم نقف على أسانيدها، من جعل دعاء الختم في صلاة التراويح قبل الركوع. وفي رواية عنه لا يعرف مخرجها، أنه سهل فيه في دعاء الوتر. ثم يخلص - الشيخ - بكر أبو زيد - رحمه الله - إلى أمرين، الأول: أن دعاء القارئ لختم القرآن خارج الصلاة، وحضور الدعاء في ذلك، أمر مأثور من عمل السلف الصالح من صدر هذه الأمة. كما تقدم من فعل أنس - رضي الله عنه - وقفاه جماعة من التابعين، والإمام أحمد في رواية: حرب، وأبي الحارث، ويوسف بن موسى - رحمهم الله - أجمعين؛ ولأنه من جنس الدعاء المشروع. وتقدم قول ابن القيم - رحمه الله -: (وهو من آكد مواطن الدعاء، ومواطن الإجابة). الثاني: أن دعاء ختم القرآن في الصلاة من إمام، أو منفرد، قبل الركوع، أو بعده، في التراويح، أو غيرها: لا يعرف ورود شيء فيه أصلاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أحد من صحابته مسنداً.

يتبين مما سبق من أقوال الأئمة، والعلماء - رحمهم الله تعالى -، أن مشروعية دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح، أي: في صلاة الوتر أمر فيه سعة، ينبغي عدم التشديد فيه. إلا أن الإشكال يا معالي الشيخ، هو ما يحدث منذ سنوات عديدة في الحرمين - المكي والمدني -، وهو دعاء ختم القرآن في شفع، أي: في صلاة ثنائية من التراويح، وليس في صلاة الوتر. حيث لا أصل للدعاء في صلاة ثنائية، ولا يوجد نص يفيد مشروعية دعاء ختم القرآن في هذا الموضع؛ لأن الوتر هو مكان الدعاء، كما هو ثابت في الشرع. فالعبادات، مبناها على النص، والتوقيف، وهذه قاعدة فقهية عظيمة. يقول - الشيخ - محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله - في فتاوى أركان الإسلام (355): «ولو أن الإمام جعل الختمة في القيام في آخر الليل، وجعلها مكان القنوت من الوتر, وقنت لم يكن في هذا بأس؛ لأن القنوت مشروع «. ويؤيد ذلك، ما ذهب إليه - الشيخ - سلمان بن فهد العودة، في كتابه - دروس رمضان وقفات للصائمين - (41 - 42): « هذا الدعاء الذي يقال عند ختم القرآن، إن كان في صلاة، فينبغي أن يكون في صلاة الوتر، - سواء - في التراويح، أو في القيام، وذلك لأن الوتر، هو الموضع الذي ثبت شرعاً أنه مكان الدعاء، فقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم -، يقنت في وتره، وعلّم الحسن، كما في سنن الترمذي - بسند حسن -، أن يقول في الوتر: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا، وتعاليت). فالسنة، أن يكون الدعاء في الوتر - إذن -، - وسواء - كان ذلك قبل الركوع، أو بعده، فكلاهما ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان أكثر دعائه بعد الركوع «.

أهم ما يمكن إضافته فيما تبقى من مساحة يا معالي الشيخ، هو إذا كان لصاحب القول الآخر، له سلف من الأئمة، والتابعين، فإننا بحاجة إلى بيان هذا العلم، وإلا فكلنا أمل أن يعاد النظر في موضوع دعاء ختم القرآن في صلاة ثنائية، وأن تؤصل المسألة تأصيلا شرعيا، وحتى لا يحتج أحد علينا بقوله: في الوقت الذي تحاربون فيه البدع، تبتدعون ما لم يأت به الدين. فما المانع يا معالي الشيخ، أن يُقرأ في كل ليلة جزء كامل من القرآن، فإذا كانت ليلة التاسع والعشرين، يُقرأ في القيام الأول الجزء التاسع والعشرون، وفي القيام الثاني من الليلة - نفسها -، يُقرأ الجزء الثلاثون، وبعدها يُقرأ الدعاء في صلاة الوتر؛ لأن الوتر هو مكان الدعاء كما سبق؟.

drsasq@gmail.com
 

رسالة مفتوحة إلى معالي الشيخ عبدالرحمن السديس
د.سعد بن عبدالقادر القويعي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة