ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 10/08/2012 Issue 14561 14561 الجمعة 22 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

الطريق
محمد إبراهيم الشريف

رجوع

 

هأنذا أسير على الرصيف أو هو مسار الحياة. وعلى جانبي الطريق عمارات صفراء شاحبة. بعضها تشق سكون السماء وتتعالى لتلمسها. وبعضها عيونها شاحبة. شحوب يوم خريفي جاف. وما زال الرصيف مستمراً ومتعثراً، إلا أن العمارات تنظر إلى وتحتقرني. إني أحس بنظرات الازدراء تلسع ظهري. نظرات العمارات والمارة والباعة في المعارض كلهم يرمقونني وأنا أسير. العمارة القريبة تدلى أنفها حولي. واستطعت أن اجتازها بصعوبة. كم هو صعب طريقي. هذا قط أسود يجري خلفي. كبقية الأشياء التي تلحق الإنسان في الحياة. وقفت واستدرت ونظرت إليه. فرمقني بنظرة حادة. عرفت أنها نظرة جني كان محبوساً في مصباح تركه علاء الدين مطموراً في بغداد. لحقت بي عينا القط بينما هرب جسده عنيّ. أدخلت يدي تحت قميصي. ولمست صدري إني أشعر بضربات قلبي. من المؤكد أنني حيّ. لكن لماذا يكرهونني؟! العمائر والناس وأيضاً الطرقات. إنني أضغط في دعستي وأنا أسير. لا بد أن الطريق قد غضب مني. أأكون أنا المخطئ، أم أن الظروف تكالبت عليّ. أم أن الرصيف يدفعني بقوة. يريد أن يقذفني من جوف هذا الشارع. استوقفني بائع العصيرات محمود. الذي كان قد غيَّر محله من اسكافي إلى العصيرات قبل خمس سنوات. إنه يطلبني بقية مشترياتي السابقة. لكنه مثل بقية الأشياء تكرهني وتريد إبعادي. لن استجيب وسأركض لوجعه هو وهذا الرصيف اللعين. سأظل أركض وتحملني أفكاري كبنات نعش. وغايتي تهرب مني كالمطارد سهيلاً....... إخ لقد ارتطمت بأحدهم وهو يسير أمامي.

- انتبه أمامك أيها المغفل.

- سأفعل

لكن مهلاً هذه العمارة خضراء ونوافذها تعكس أشعة الشمس في كبرياء مقيت. إن هذه الشمس الحارقة قد أصدرت حكماً على كل من بالشارع. حكماً ظالماً باختراق ظلمة النفوس. وحرق وإلهاب المارة على الأرصفة. سئمت هذه الطريق المؤذية. وخيوط الشمس اللاسعة التي تحجب حتى غونجا عن عملها. ترى، ماذا يوجد داخل المعرض الخارجي. عند هذه العمارة ذات الجبهة الداكنة العوجاء.

- ماهي منتجات معرضكم أيها البائع؟

- آيسكريم

إنه يكرهني ويعاملني بنفس الأسلوب الساخر. رغم أن عينيه السوداوين ثابتتان ولم تدخلا جسدي، إلا أن رغبة ملحة أن أفقأهما. بحثت على الطاولة وشاهدت قلماً بنفسجياً. إنه جاء من عصور النهضة السابقة. ويتخلّله خطوط فستقية زاهية. وفي لمحة سريعة التقطت القلم. وتناثر دم عينه الأحمر على القلم ويدي وجهاز الكاشير. ودوّت صرخته مجلجة عالية. وتلقيت ضربة على قفاي مؤلمة. كانت قطرات الدم آخر شيء أنظره. بدأت الرؤية تضعف وتضعف إني لم أعد أرى أو أسمع. مثل أقدارنا تأتينا غريبة ومفاجئة وسريعة.

 

رجوع

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة