ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 10/08/2012 Issue 14561 14561 الجمعة 22 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

أفاق اسلامية

 

أكد أن أحكام الشريعة ثبت أكثرها من خلال السنة النبوية.. د. إبراهيم الزامل لـ «الجزيرة»:
إنكار حجية السنة والادعاء بأن الإسلام هو القرآن وحده لا يقول به مسلم يعرف دين الله

رجوع

 

الرياض - خاص بـالجزيرة:

فند متخصص في السنة وعلومها الشبه والطعون التي يوجهها أعداء الملة والدين للسنة النبوية.. مؤكداً أن إنكار حجة السنة، والإدعاء بأن الإسلام هو القرآن الكريم وحده لا يقول به مسلم يعرف دين الله، وأحكام شريعته تمام المعرفة.. خاصة وان أحكام الشريعة إنما ثبت أكثرها بالسنة.

واستعرض الدكتور إبراهيم بن عبدالله الزامل الأستاذ المساعد بقسم السنة وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عضو اللجنة العلمية بشبكة السنة النبوية بعضاً من هذه الشبه، مفنداً كل واحد منها على حده، وراداً على مدعيها، مستشهداً في بداية حديثه بقول الله تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} وقوله:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ }، وقال: تدل الآيتان على أن الكتاب قد حوى كل شيء آخر كَالسُنَّةِ، وإلا كان الكتاب مفرطاً فيه، ولما كان تبياناً لكل شيء، فيلزم الخلف في خبره تعالى وهو محال.

الجَوَابُ عَلَى الشُبْهَةِ الأُولَى: إن القرآن الكريم قد حوى أصول الدين وقواعد الأحكام العامة، ونص على بعضها بصراحة، وترك بيان بعضها الآخر لرسوله صلى الله عليه وسلم وما دام الله قد أرسل رسوله لِيُبَيِّنَ للناس أحكام دينهم، وأوجب عليهم إتباعه، كان بيانه للأحكام بياناً للقرآن، ومن هنا كانت أحكام الشريعة من كتاب وَسُنَّةٍ وما يلحق بهما ويتفرع عنهما من إجماع وقياس أحكاماً من كتاب الله تعالى، إما نصاً وإما دلالةً، فلا منافاة بين حُجِّيَّةِ السُنَّةِ وبين أن القرآن جاء تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ.

ثَانِياً - قول الله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، يدل على أن الله تَكَفَّلَ بحفظ القرآن دُونَ السُنَّةِ، ولو كانت دليلاً وَحُجَّةً كالقرآن لَتَكَفَّلَ بحفظها.

الجَوَابُ عَنْ الشُبْهَةِ الثَّانِيَةِ: إن ما وعد الله من حفظ الذكر لا يقتصر على القرآن وحده، بل المراد به شرع الله ودينه الذي بعث به رسوله، وهو أعم من أن يكون قرآناً أو سُنَّةً، ويدل على ذلك قول الله تعالى:{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}. أي أهل العلم بدين الله وشريعته، ولا شك أن الله كما حفظ كتابه حفظ سُنَّتَهُ، بما هَيَّأَ لها من أئمة العلم يحفظونها ويتناقلونها ويتدارسونها ويميزون صحيحها من دخيلها، وقد أفنوا في ذلك أعمارهم وبذلوا من الجهود ما قدمنا الحديث عنه في الفصل الثالث من الباب الأول، وبذلك أصبحت سُنَّةُ الرسول مدرسة محفوظة مُدَوَّنَةً في مصادرها لم يذهب منها شيء.بل إن صيانة السنة من خصائص هذا الدين.

ثَالِثاً ــ لَوْ كَانَتْ السُنَّةُ حُجَّةً لأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابَتِهَا، وَلَعَمِلَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ مِنْ بَعْدُ عَلَى جَمْعِهَا وَتَدْوِينِهَا، لما في ذلك من صيانتها من العبث والتبديل والخطأ والنسيان، وفي صيانتها من ذلك وصولها للمسلمين مقطوعاً بصحتها فإن ظَنِّيَّ الثبوت لا يصح الاحتجاج به، وقد قال تعالى:{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، وقال: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ }. ولا يحصل القطع بثبوتها إلا بكتابتها كما هو الشأن في القرآن، ولكن الثابت أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابتها وأمر بِمَحْوِ ما كتب منها، وكذلك فعل الصحابة والتابعون، فقد أخرج الحاكم عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَحْرَقَ خَمْسَمِائَةِ حَدِيثٍ كَتَبَهَا، وَقَالَ: «خَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ فَيَكُونُ فِيهَا أَحَادِيثَ عَنْ رَجُلٍ أَئْتَمَنْتُهُ وَوَثِقْتُ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ كَمَا حَدَّثَنِي فَأَكُونَ قَدْ نَقَلْتُ ذَلِكَ» وكذلك فعل «زيد بن ثابت» إذ دخل على معاوية فسأله معاوية عن حديث فأخبره به، فأمر معاوية إنسانا بكتبه، فقال له «زيد»: إن رسول الله أمرنا ألاَّ نكتب شيئأ من حديثه فمحاه، ولقد عزم «عمر» مَرَّةً أن يكتب السنن، ثم عدل عن ذلك وقال: «إِنِّي كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْتُبَ السُّنَنَ، وَإِنِّي ذَكَرْتُ قَوْمًا كَانُوا قَبْلَكُمْ كَتَبُوا كُتُبًا فَأَكَبُّوا عَلَيْهَا وَتَرَكُوا كِتَابَ اللهِ، وَإِنِّي - وَاللهِ - لاَ أَشُوبُ كِتَابَ اللهِ بِشَيْءٍ أَبَدًا»، وكذلك طلب عَلِيٌّ ــ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ــ مِمَّنْ كتب شيئاً من الحديث أن يمحوه، وقد محا ابن مسعود صحيفة من الحديث كتبت عنه، وكره كتابة الحديث من التَّابِعِينَ «علقمة» و»عبيدة» و»القاسم بن محمد» و»الشعبي» و»النخعي» و»منصور» و»مغيرة» و»الأعمش» والآثار عنهم مشهورة في كتب العلم، ولم يكتفوا بذلك، بل أثر عن بعضهم النَّهْيَ عن التحديث أو التقليل منه، ولم تُدَوَّنْ السُنَّةُ إلا في عصور متأخرة بعد أن طرأ عليها الخطأ والنسيان، ودخل فيها التحريف والتغيير، وذلك مِمَّا يوجب الشك بها وعدم الاعتماد عليها في أخذ الأحكام.

الجَوَابُ عَنْ الشُبْهَةِ الثَّالِثَةِ: إن عدم أمر النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بكتابتها ونهيه عن ذلك كما ورد في بعض الأحاديث الصحيحة، لا يدل على عدم حُجِيَّتِهَا، بل لما قدمناه- عند البحث على كتابة السُنَّةِ - من أن المصلحة حينئذ كانت تقتضي بتضافر كُتَّابِ الصحابة - نَظَرًا لِقِلَّتِهِمْ - على كتابة القرآن وتدوينه، وبتضافر المُسْلِمِينَ على حِفْظِ كتاب الله خشية من الضياع واختلاط شيء به، وقد حققنا أن ما ورد من النهي إنما كان عن كتابة الحديث وتدوينه رسمياً كالقرآن، أما أن يكتب الكاتب لنفسه فقد ثبت وقوعه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

رَابِعًا - قد وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، ما يدل على عَدَمِ حُجِيَّةِ السُنَّةِ من ذلك «إِنَّ الْحَدِيثَ سَيَفْشُو عَنِّي، فَمَا أَتَاكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ الْقُرْآنَ فَهُوَ عَنِّي، وَمَا أَتَاكُمْ عَنِّي يُخَالِفُ الْقُرْآنَ فَلَيْسَ مِنِّي» فإذا كان ما روي مِنَ السُنَّةِ قد أثبت حُكْمًا شَرْعِيًّا جَدِيدًا كان ذلك غير موافق للقرآن، وإن لم يثبت حُكْمًا جَدِيدًا كانت لمحض التأكيد وَالحُجَّةُ هو القرآن فقط. ومن ذلك: «إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي حَدِيثًا تَعْرِفُونَهُ، وَلاَ تُنْكِرُونَهُ، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ، فَصَدِّقُوا بِهِ، فَإِنِّي أَقُولُ مَا يُعْرَفُ، وَلاَ يُنْكَرُ، وَإِذَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي حَدِيثًا تُنْكِرُونَهُ وَلاَ تَعْرِفُونَهُ، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ، فَلاَ تُصَدِّقُوا بِهِ، فَإِنِّي لاَ أَقُولُ مَا يُنْكَرُ، وَلاَ يُعْرَفُ».

أفاد هذا الحديث وجوب عرض ما ينسب إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم على المعروف عند المُسْلِمِينَ من حكم الكتاب الكريم فلا تكون السُنَّةُ حُجَّةً.

ومن ذلك: «إِنِّي لاَ أُحِلُّ إِلاَّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَلاَ أُحَرِّمُ إِلاَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ» وفي رواية «لاَ يُمْسِكَنَّ النَّاسُ عَلَىَّ بِشَىْءٍ (*)، فَإِنِّي لاَ أُحِلُّ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَلاَ أُحَرِّمُ إِلاَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ».

تلك هي خلاصة ما أورده «الدكتور صدقي»، من الشُبَهِ على حُجِّيَّةِ السُنَّةِ، ولا يتردد طالب العلم عن الجزم بتهافتها وضعفها، ولكنا سنورد ما يتبين به ذلك إن شاء الله تعالى.

الجَوَابُ عَنْ الشُبْهَةِ الرَّابِعَةِ:يتبين بعد دراسة تلك الأحاديث التي استند إليها صاحب الشُبْهَةِ، منها ما لم يثبت لدى أهل العلم، ومنها ما ثبت ولكنه ليس فيه دليل على دعواه، كيف وقد ثبت في السُنَّةِ الصحيحة مَا يَرُدُّ على صاحب الشُبْهَةِ وأمثاله.

وقصارى القول أَنَّ إنكار حُجِيَّة السُنَّة والادعاء بأن الإسلام هو القرآن وحده لا يقول به مسلم يعرف دين الله وأحكام شريعته تمام المعرفة، وهو يصادم الواقع، فإنَّ أحكام الشريعة إنما ثبت أكثرها بِالسُنَّةِ، وما في القرآن من أحكام إنما هي مجملة وقواعد كلية في الغالب، وإلاَّ فأين نجد في القرآن أَنَّ الصلوات خمسة، وأين نجد ركعات الصلاة، ومقادير الزكاة، وتفاصيل شعائر الحج وسائر أحكام المعاملات والعبادات؟ قال ابن حزم - رَحِمَهُ اللهُ -: «وَنَسْأَلُ قَائِلَ هَذَا القَوْلِ الفَاسِدِ: فِي أَيِّ قُرْآنٍ وَجَدَ أَنَّ الظُّهْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَنَّ المَغْرِبَ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ، وَأَنَّ الرُّكُوعَ عَلَىَ صِفَةِ كَذَا، وَالسُّجُودَ عَلَىَ صِفَةِ كَذَا، وَصِفَةِ القِرَاءَةِ وَالسَّلاَمِ، وَبَيَانِ مَا يُجْتَنَبُ فِي الصَّوْمِ، وَبَيَانِ كَيْفِيَّةِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَالغَنَمِ وَالإِبِلِ وَالبَقَرِ، وَمِقْدَارُ الأَعْدَادِ الْمَأْخُوْذَةِ مِنْهَا الزَّكَاةُ، وَمِقْدَارُ الزَّكَاةِ المَأْخُوذَةَ، وَبَيَانِ أَعْمَالِ الحَجِّ مِنْ وَقْتِ الوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَصِفَةَ الصَّلاَةِ بِهَا وَبِمُزْدَلِفَةَ، وَرَمِيَ الجِمَارِ، وَصِفَةَ الإِحْرَامِ، وَمَا يُجْتَنِبُ فِيهِ، وَقَطْعِ السَّارِقِ، وَصِفَةَ الرَّضَاعِ المُحَرَّمِ، وَمَا يَحْرُمُ مِنَ المَأْكَلِ وَصِفَتَا الذَّبَائِحِ وَالضَّحَايَا، وَأَحْكَامَ الحُدُودِ، وَصِفَةَ وُقُوعِ الطَلاَقِ، وَأَحْكَامَ البُيُوعِ، وَبَيَانِ الربا، والأقضية والتداعي، والأيمان والأحباس، والعمرى، والصدقات، وسائر أنواع الفقه، وإنما في القرآن جمل لو تركنا وإياها لم ندر كيف نعمل فيها، وإنما المرجوع إليه في كل ذلك، النقل عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وكذلك الإجماع إنما هو على مسائل يسيرة، فلا بُدَّ من الرجوع إلى الحديث ضرورة، ولو أَنَّ امْرُءاً قال: لا نأخذ إلاَّ ما وجدنا في القرآن، لكان كافراً بإجماع الأمر، ولكان لا يلزمه إلاَّ ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر، لأنَّ ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال، وإنما ذهب إلى هذا بعض غَالِيَةِ الرَّافِضَة مِمَّنْ قد اجتمعت الأُمَّةُ على كفرهم، ولو أنَّ امْرُءاً لا يأخذ إلا بما اجتمعت عليه الأُمَّةُ فقط، ويترك كل ما اخلفوا فيه مِمَّا قد جاءت فيه النصوص، لكان فاسقاً بإجماع الأُمَّةِ، فهاتان المُقَدَّمَتَانِ توجب بالضرورة الأخذ بالنقل.

خامسا: الشبهة السادسة: إنكار السنة لمخالفتها العقل ومثال ذلك ردهم لحديث الذباب الرد على أهل هذا المسلك القائلين برد السنة لمخالفتها العقل فيجب على الإنسان أن يتهم عقله وتفكيره بدلا من أن يتهم رسوله صلى الله عليه وسلم أو الرواة العدول، أو أن يتهم ربه في وحيه، وليثق بربه وبرسوله صلى الله عليه وسلم أكثر من ثقته في تفكيره، فإن العقل قاصر، وجُرب عليه الخطأ كثيرًا ومداه محدود، وما يجهله أكثر مما يعلمه.

فعليه أن يعتقد في تفكيره القصور، وأن يعتقد في وحي اللّه الكمال والصدق، وأن يعتقد - في الرواة الذين استوفوا شروط النقل المضبوطة المعروفة عند المحدثين الثقة بهم أكثر من ثقته بتفكيره.

هذا جواب على من ينكر الحديث لمعارضته لتفكيره.

سابعا: السُنَّةُ مع من ينكر حُجِيَّة خبر الآحاد.

يقسم علماء الحديث الأخبار إلى قسمين: متواترة، وهي ما يرويها جمع من العدول الثقات عن جمع من العدول الثقات وهكذا حتى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وآحاد، وهي ما يرويه الواحد أو الاثنان عن الواحد أو الاثنين حتى يصل إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أو ما يرويه عَدَدٌ دُونَ المتواتر.

وللحنفية قسم ثالث يسمى «المَشْهُورُ» وهو ما كان آحاد الأصل متواتراً في القرن الثاني والثالث (1) كحديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ».

واتفق العلماء على أنَّ المتواتر يفيد العلم والعمل معاً، وهو عندهم حُجَّةٌ لا نزاع فيها إِلاَّ ما قدمناه عَمَّنْ ينكر حُجِيَّةَ السُنَّةِ وإِلاَّ ما يذكر عن النَّظَّامِ ومن شابهه. أما خبر الآحاد فالجمهور على أنها حُجَّةٌ يجب العمل بها وإن أفادت الظن، وَادَّعَى الرازي في « المحصول « إجماع الصحابة على ذلك وذهب قوم، منهم الإمام أحمد، والحارث بن أسد المحاسبي، والحُسَيْن بن علي الكرابيسي، وأبو سليمان الخطابي وروي عن مالك أَنَّهُ قَطْعِيٌّ. موجب للعلم والعمل معاً. ولكل من الفريقين أدلة بسطت في كتب الأصول.

وساق الشيخ والدكتور أربعا وثلاثين دليلا على ثبوت حجية خبر الآحاد فليراجع وختمها بقوله: وهكذا أثبت الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - ببيان قوي وَأَدِلَّةٍ ناهضة من الكتاب وَالسُنَّةِ وعمل الصحابة والتَّابِعِينَ وتابعي التَّابِعِينَ وفقهاء المُسْلِمِينَ، وجوب العمل بخبر الواحد والأخذ به.

ثامنا: السُنَّةُ مع بعض الكاتبين حَدِيثًا والمثقفين الذين تأثروا بالمستشرقين.

لما هاجمت الجيوش الصليبية بلاد الإسلام، كانت مدفوعة إلى ذلك بدافعين:

الأول ــ دافع الدين والعصبية العمياء التي أثارها رجال الكنيسة في شعوب أوربا، مفترين على المُسْلِمِينَ أبشع الافتراءات: مُحَرِّضِينَ النَّصَارَى أشد تحريض على تخليص مهد المسيح من أيدي الكفار (أي المُسْلِمِينَ) فكان جمهرة المقاتلين من جيوش الصليبيين من هؤلاء الذين أخرجتهم العصبية الدينية من ديارهم عن حسن نية، وَقُوَّةِ العقيدة، إلى حيث يلاقون الموت والقتل والتشريد، حملة بعد حملة، جيشاً بعد جيش.

الثاني - دافع سياسي استعماري، فلقد سمع ملوك أوربا بما تَتَمَتَّعُ به بلاد الإسلام وخاصة بلاد الشام وما حولها من طمأنينة وَمَدَنِيَّةٍ وحضارة لا عهد لهم بمثلها، كما سمعوا الشيء الكثير عن ثرواتها ومصانعها وأراضيها الخصبة الجميلة، فجاؤوا يقودون جيوشهم باسم المسيح، وما في نفوسهم في الحق إلاَّ الرغبة في الاستعمار والفتح والاستئثار بخيرات المُسْلِمِينَ وثرواتهم، وشاء اللهُ أن تَرْتَدَّ الحملات الصليبية كلها مدحورة مهزومة، بعد حروب دامت مائتي سَنَةً كاملة، وإذا كانت الشعوب الأوربية قد رضيت من الغنيمة بالإياب، فإنَّ ملوكها وأمراءها رجعوا مصمّمين على الاستيلاء على هذه البلاد مهما طال الزمن وكثرت التكاليف، ورأوا - بعد الإخفاق في الاستيلاء عليها عسكرياً - أَنْ يَتَّجِهُوا إلى دراسة شؤونها وعقائدها، تمهيداً لغزوها ثقافياً وفكرياً، ومن هنا كانت النواة الأولى لجمعيات المُسْتَشْرِقِينَ التي مازالت تواصل عملها حتى اليوم، والتي كانت حتى عهد قريب تتألف من رجال الدين المسيحي أو اليهودي الذين هم - ولا شك أشد الناس كُرْهًا للإسلام وَتَعَصُّبًا عليه، ولإن كان فريق من العلماء المُنْصِفِينَ قد غزا هذا الوسط (التَبْشِيرِيُّ المُتَعَصِّبُ) فعني بالدراسات العربية والإسلامية في جَوٍّ يَتَّسِمُ أكثره بالإنصاف، إلا أنه لا يزال - حتى اليوم - أكثر الذين يشتغلون منهم بهذه الدراسات من رجال الدين الذين يعنون بتحريف الإسلام وتشويه جماله، أو من رجال الاستعمار الذين يعنون ببلبلة بلاد الإسلام في ثقافتها، وتشويه حضارتها في أذهان المُسْلِمِينَ، وَتَتَّسِمُ بحوث هؤلاء بالظواهر الآتية:

1 - سوء الظن والفهم لكل ما يتصل بالإسلام في أهدافه ومقاصده.

2 - سوء الظن برجال المُسْلِمِينَ وعلمائهم وعظمائهم.

3 - تصوير المجتمع الإسلامي في مختلف العصور، وخاصة في العصر الأول، في مجتمع متفكك تقتل الأنانية رجاله وعظماءه.

4 - تصوير الحضارة الإسلامية تصويراً دُونَ الواقع بكثير، تهويناً لشأنها واحتقاراً لآثارها.

5 - الجهل بطبيعة المجتمع الإسلامي على حقيقته، والحكم عليه من خلال ما يعرفه هؤلاء المُسْتَشْرِقُونَ من أخلاق شعوبهم وعادات بلادهم.

6 - إخضاع النصوص للفكرة، التي يفرضونها حسب أهوائهم، والتحكم فيما يرفضونه ويقبلونه من النصوص.

7 - تحريفهم للنصوص في كثير من الأحيان، تحريفاً مقصوداً. وإساءتهم فهم العبارات حين لا يجدون مجالاً للتحريف.

8 - تحكمهم في المصادر التي ينقلون منها، فهم ينقلون مثلاً من كتب الأدب ما يحكمون به في تاريخ الحديث، ومن كتاب التاريخ ما يحكمون به في تاريخ الفقه، وَيُصَحِّحُونَ ما ينقله «الدميري» في كتاب « الحيوان « (*) وَيُكَذِّبُونَ ما يرويه «مالك» في « الموطأ « كل ذلك انسياقاً مع الهوى، وانحرافاً عن الحق.

بهذه الروح التي أوضحنا خصائصها بحثوا في كل ما يتصل بالإسلام وَالمُسْلِمِينَ من تاريخ وفقه وتفسير وحديث وأدب وحضارة، وقد أتاح لهم تشجيع حكوماتهم، ووفرة المصادر بين أيديهم، وتفرغهم للدراسة، واختصاص كل واحد منهم بفن أو ناحية من نواحي ذلك الفن، يفرغ له جهده في حياتها كلها، ساعدهم ذلك كله على أن يصبغوا بحوثهم بصبغة علمية، وأن يحيطوا بثروة من الكتب والنصوص ما لم يحط به كثير من علمائنا اليوم الذين يعيشون في مجتمع مضطرب في سياسته وثروته وأوضاعه، فلا يجدون مُتَّسَعًا للتفرغ لما يتفرغ له أولئك المُسْتَشْرِقُونَ، وكان من أثر ذلك أن أصبحت كتبهم وبحوثهم مرجعا للمتثقفين منا ثقافة غربية وَالمُلِمِّينَ بلغات أجنبية، وقد خدع أكثر هؤلاء المُثَقَّفِينَ ببحوثهم، واعتقدوا بمقدرتهم العلمية وإخلاصهم للحق.. وجروا وراء آرائهم ينقلونها كما هي، ومنهم من يفاخر بأخذها عنهم، ومنهم من يلبسها ثَوْبًا إِسْلاَمِيًّا جَدِيدًا. ولا أريد أن أضرب لك الأمثال، فقد رأيت من صنيع الأستاذ «أحمد أمين» في « فجر الإسلام « مَثَلاً لتلامذة مدرسة المُسْتَشْرِقِينَ من المُسْلِمِينَ.

خُلاَصَةُ قَوْلِ جُولْدْتْسِيهِرْ فِي السُنَّةِ وَتَشْكِيكِهِ بِهَا:

ننتقل من هذه المقدمة الضرورية، إلى بيان موقف المُسْتَشْرِقِينَ مِنَ السُنَّةِ، وَشُبَهِهِمْ التي أثاروها حولها، والتي تأثر بها كثير من الكُتَّابِ المُسْلِمِينَ كما رأيت، ولعل أشد المُسْتَشْرِقِينَ خطراً، وأوسعهم باعاً، وأكثرهم خبثاً وإفساداً في هذا الميدان، هو المستشرق اليهودي المجري.

قال الدكتور «علي حسن عبد القادر» في « نظرة عامة في تاريخ الفقه « ص 126: وهناك مسألة جد خطيرة، نجد من الخير أنْ نعرض لها ببعض التفصيل وهي «وضع الحديث» في هذا العصر، ولقد ساد إلى وقت قريب في أوساط المُسْتَشْرِقِينَ الرأي القائل «بأن القسم الأكبر من الحديث ليس صحيحاً ما يقال من أنه وثيقة للإسلام في عهده الأول عهد الطفولة، ولكنه أثر من آثار جهود المُسْلِمِينَ في عصر النضوج» وأشار الدكتور عبد القادر إلى أنَّ هذا الرأي هو لجولدتسيهر في كتاب « دراسات إسلامية « وقد شرحوا هذا الرأي «بأنه في هذا العصر الأول الذي اشتدت فيه الخصومة بين الأُمَوِيِّينَ والعلماء الأتقياء، أخذ هؤلاء يشتغلون بجمع الحديث وَالسُنَّةِ، ونظراً لأن ما وقع في أيديهم من ذلك لم يكن ليسعفهم في تحقيق أغراضهم، أخذوا يخترعون من عندهم أحاديث رأوها مرغوباً فيها ولا تتنافى والروح الإسلامية، وَبَرَّرُوا ذلك أمام ضمائرهم بأنهم إنما يفعلون هذا في سبيل محاربة الطغيان والإلحاد وَالبُعْدِ عن سنن الدين، ونظرا لأنهم كانوا يؤملون في أعداء البيت الأموي وهم العَلَوِيُّونَ، فقد كان محيط اختراعهم من أول الأمر مُوَجَّهًا إلى مدح أهل البيت، فيكون هذا سبيلاً غير مباشر إلى ثَلْبِ الأُمَوِيِّينَ ومهاجمتهم، وهكذا سار الحديث في القرن الأول سيرة المعارضة الساكنة بشكل مؤلم ضد هؤلاء المخالفين لِلْسُنَنِ الفقهية والقانونية.

ولم يقتصر الأمر على هؤلاء، فإن الحكومة نفسها لم تقف ساكتة إزاء ذلك، فإذا ما أرادت أَنْ تُعَمِّمَ رَأْيًا أو تسكت هؤلاء الأتقياء، تذرعت أيضاًً بالحديث الموافق لوجهات نظرها، فكانت تعمل ما يعمله خصومها، فتضع الحديث، أو تدعو إلى وضعه، وإذا ما أردنا أن نتعرف إلى ذلك كله، فإنه لا توجد مسألة خلافية سياسية أو اعتقادية إلا ولها اعتماد على جملة من الأحاديث ذات الإسناد القوي، فالوضع في الحديث ونشر بعضه أو اضطهاد بعضه بدأ في وقت مبكر، فالأُمَوِيُّونَ كانت طريقتهم كما قال معاوية للمغيرة بن شعبة: «لاَ تُهْمِلْ فِي أَنْ تَسُبَّ عَلِيًّا وأنْ تطلب الرحمة لعثمان، وأنْ تَسُبَّ أصحاب عَلِيٍّ وتضطهد من أحاديثهم وعلى الضد من هذا، أنْ تمدح عثمان وأهله وأنْ تقربهم وتسمع إليهم» على هذا الأساس قامت أحاديث الأُمَوِيِّينَ ضد عَلِيٍّ، ولم يكن الأُمَوِيُّونَ وأتباعهم لِيَهُمَّهُمْ الكَذِبَ في الحديث الموافق لوجهات نظرهم، فالمسألة كانت في إيجاد هؤلاء الذين تنسب إليهم.

وقد استغل هؤلاء الأُمَوِيُّونَ أمثال الإمام الزُّهْرِي بدهائهم في سبيل وضع الحديث ــ وهنا اختصر الدكتور اتهام المستشرق جولدتسيهر للإمام الزُّهْرِي - ومن الواجب أنْ أثبته هنا كما نقلناه عنه في الدرس، ولا تزال مسودته بخط يده عندي حيث قال: إن عبد الملك بن مروان منع الناس من الحج أيام فتنة ابن الزبير. وبنى قبة الصخرة في المسجد الأقصى ليحج الناس إليها ويطوفوا حولها بدلاً من الكعبة، ثم أراد أن يحمل الناس على الحج إليها بعقيدة دينية، فوجد الزُّهْرِي وهو ذائع الصيت في الأُمَّة الإسلامية مستعداً لأن يضع له أحاديث في ذلك، فوضع أحاديث، منما حديث: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى». ومنها حديث: «الصَلاَةُ فِي المَسْجِدِ الأَقْصَى تَعْدِلُ أَلْفَ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ» وأمثال هذين الحديثين، والدليل على أن الزُّهْرِي هو واضع هذه الأحاديث، أنه كان صديقاً لعبد الملك وكان يتردد عليه، وأنَّ الأحاديث التي وردت في فضائل بيت المقدس مروية من طريق الزُّهْرِي فقط.

أما كيف وجه الأُمَوِيُّونَ هِمَّتَهُمْ إلى أنْ يَنْشُرُوا أحاديث توافق رغبتهم وكيف استغلُّوا لذلك أناساً من نوع (الزُّهْرِي) الرجل الصالح، استغلالاً ليس من نوع الاستغلال المادي، بل من نوع الدهاء، فإنَّ ذلك يظهر لنا من بعض الأخبار التي لا تزال محفوظة عند الخطيب البغدادي، ويمكن استخدامها هنا فنجد فيه أخباراً من طرق مختلفة عن عبد الرزاق بن هَمَّامٍ (- 211 هـ) عن معمر بن راشد (- 154 هـ) الذي كان مِمَّنْ يسمع من الزُّهْرِي، وهو أنَّ الوليد بن إبراهيم الأموي جاء إلى الزُّهْرِي بصحيفة وضعها أمامه وطلب إليه أنْ يأذن له بنشر أحاديث فيها على أنه سمعها منه، فأجازه الزُّهْرِي على ذلك من غير تَرَدُّدٍ كثير وقال له: من يستطيع أن يخبرك بها غيري؟ وهكذا استطاع الأموي أنْ يروي ما كتب في الصحيفة على أنها مروية عن الزُّهْرِي، وهذا يتفق مع ما ذكر سابقاً من أمثلة عن استعداد الزُّهْرِي لإجابة رغبة البيت المالك بالوسائل الدينية، وقد كانت تقواه تجعله يشك أحياناً لكنه لا يستطيع دائماً أنْ يتحاشى الدوائر الحكومية، وقد حدثنا معمر عن الزُّهْرِي بكلمة مُهِمَّةٍ وهي قوله: «أَكْرَهَنَا هَؤُلاَءِ الأَمَرَاءِ عَلَى أَنْ نَكْتُبَ « أَحَادِيثَ «». فهذا الخبر يفهم استعداد الزُّهْرِي لأنْ يكسو رغبات الحكومة باسمه المعترف به عند الأمَّة الإسلامية، ولم يكن الزُّهْرِي من أولئك الذين لا يمكن الاتفاق معهم، ولكنه كان مِمَّنْ يرى العمل مع الحكومة، فلم يكن يتجنب الذهاب إلى القصر، بل كان كثيراً مِمَّا يتحرك في حاشية السلطان، بل إننا نجده في حاشية الحَجَّاجِ في حَجِّهِ، وهو ذلك الرجل المبغَض، وقد جعله هشام مُرَبِّياًً لولي عهده، وفي عهد يزيد الثاني قبل منصب القضاء، وتحت تأثير هذه الحالات كان يغمض عينيه، ولم يكن من أولئك الذين وقفوا إزاء خلفاء الجور والظلم، كما يسمي الأتقياء هذا البيت، ثم ذكر المستشرق ما في زيارة أهل الظلم وأتباع السلطان من فتنه، وأنهم كانوا يعدون من قََبِِل منصب القضاء غير ثقة، وأنَّ الشعبي كان يلبس الألوان ويلعب مع الشباب حتى لا يتخذ للقضاء، وأنه حارب الحَجَّاجَ مع ابن الأشعث، وأنَّ من المُقَرَّرِ عند العلماء أنَّ من تولى القضاء فقد ذُبح بغير سِكِّينٍ.

ثم قال المستشرق بعد أنْ فرغ من اتِّهَامِ الزُّهْرِي: «ولم يقتصر الأمر على وضع أحاديث سياسية أو لصالح البيت الأموي بل تَعَدَّى ذلك إلى الناحية الدينية في أمور العبادات التي لا تتفق مع ما يراه أهل المدينة، مثل ما هو معروف من أنَّ خطبة الجمعة كانت خطبتين، وكان يخطب الخلفاء وُقُوفًا وأنَّ خطبة العيد كانت تتبع الصلاة فغيَّرَ الأُمَوِيُّونَ ذلك، فكان يخطُب الخليفة خُطْبَةَ الصلاة، وَاسْتَدَلُّوا بذلك بما رواه رجاء بن حيوه من أنَّ الرسول والخلفاء كانوا يخطُبون جلوساً، في حين قال جابر بن سَمُرَة: «مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ خَطَبَ جَالِساً فَقَدْ كَذَبَ».

ومثل ذلك ما حصل من زيادة معاوية في درجات المنبر وما كان من جعله المقصورة التي أزالها العباسيون بعد ذلك. كما لم يقتصر الأمر على نشر أحاديث ذات ميول، بل تعداه إلى اضطهاده أحاديث لا تمثل وجهات النظر، والعمل على إخفائها وتوهينها، فَمِمَّا لا شك فيه أنه كانت هناك أحاديث في مصلحة الأُمَوِيِّينَ اختفت عند مجيء العباسيين: وقد استدل في سبيل تأييد قوله بأدلة من قدح بعض العلماء في بعض مِمَّا يخرجونه مخرج الجرح والتعديل، ما ورد كثير منه عن السلف القدماء................. الخ

الجواب:

إذا أمعنت النظر فيما قدمته في هذه الرسالة من حرص الصحابة على حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقله وحرص التَّابِعِينَ وتابعي التَّابِعِينَ فمن بعدهم، على نقل هذا الحديث وجمعه وتنقيته من شوائب التحريف والتزيد، وما قام به علماء السُنَّةِ من جهود جبارة في تتبع الكَذَّابِينَ والوَضَّاعِينَ، وفضح نواياهم ودخائلهم، وبيان ما زادوه في السُنَّةِ من أحاديث مكذوبة، حتى جمعت السُنَّة في كتب صحيحة، وأشبعها النُقَّاد بحثاً وتمحيصاً، ثم خرجوا من ذلك إلى الاعتراف بصحتها والتسليم بها، إذا أمعنت النظر في ذلك كله، أيقنت أنَّ هؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ يخبطون في أودية الأوهام، ويتأثرون بأهوائهم وتعصبهم في الحكم على حقائق يعتبر العبث بها في نظر المُحَقِّقِ المنصف إسفافاً وتلاعباً بالعلم، وإخضاعاً لحقائق التاريخ إلى نظريات الهوى والعصبية.

هذه كلمة مجملة لا نريد بها رداً على هؤلاء، ولكنا نريد أنْ نلفت نظر القارئ المنصف إلى ما بين يديه من حقائق، حتى لا تغيب عنه حين نريد أنْ نُنَاقِشَ دعوى هؤلاء المُتَعَصِّبِينَ، وسنحرص فيما يلي على مناقشة هذه الدعوى مناقشة موجزة في بعضها اكتفاء بما سبق لنا بيانه تحقيقاً لما لم نتعرض له من قبل.

* هل كان الحديث نتيجة لتطور المُسْلِمِينَ؟

يقول جولدتسيهر: «إنَّ القسم الأكبر من الحديث ليس إلاَّ نتيجة للتطور الديني والسياسي والاجتماعي للإسلام في القرنين الأول والثاني». ولا ندري كيف يجرؤ على مثل هذه الدعوى، مع أنَّ النقول الثابتة تُكَذِّبُهُ ومع أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلاَّ وقد وضع الأسس الكاملة لبنيان الإسلام الشامخ، بما أنزل الله عليه في كتابه، وبما سَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - سُنَنٍ وشرائع وقوانين شاملة وافية، حتى قال صلى الله عليه وسلم قبيل وفاته: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ , وَسُنَّتِي» وقال: «لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الحَنِيفِيَّةِ السَمْحَةِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا».

ومن المعلوم أنَّ من أواخر ما نزل على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم من كتاب الله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ }، وذلك يعني: كمال الإسلام وتمامه.

* أبرز عوامل حفظ السنة:

1 - أنها المصدر الثاني للتشريع ومن أنواع الوحي المنزل من عند الله كما أنها الشارحة والمبينة والموضحة للقرآن الكريم وحفظ القرآن يستلزم حفظ ما يشرحه ويبين مراده.

2 - تدوين السنة من عهد النبوة

3 - اهتمام الصحابة والتابعين ومن بعدهم بحفظها في الصدور

4 -قيض الله لها علماء أجلاء وسلطهم الله عليها فدرسوها ونخلوها ووضعوا لها قواعد وضوابط وصنفوها وبوب لها فسهل حفظها وتتبعوها ودونوا كل ما وصلوا إليه.

* كيف نتعامل مع المشككين في السنة:

يقول الشيخ عبدالرزاق عفيفي في كتابه (شبهات حول السنة):

إن المسلم الداعية، أو المناظر الذي يثبت حجيَّة السنَّة، والذي يدفع الشبه عنها يختلف موقفه باختلاف من يناظره:

فتارة يكون منكرًا للسنَّة من أصلها؛ أي جميع ما جاء عن الرسول عليه الصلاة والسلام من الأحاديث قولا أو عملا أو خُلُقًا، ينكره ويكتفي بما جاء في القرآن الكريم، فموقفه الواجب مع هؤلاء أن يثبت لهم حاجة المسلمين في فهمهِم للقرآن وعملهم بالقرآن، حاجتهم في ذلك إلى السنّة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم قولا وعملا.

 

رجوع

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة