ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 13/08/2012 Issue 14564 14564 الأثنين 25 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يتصف المجتمع السعودي بمظاهر التدين الشديد، وتظهر شعائر العبادة في أبهى صورها في رمضان الكريم، فالجميع يتسابق على المساجد من أجل أداء الصلوات، ويسافر الكثير إلى مكة المكرمة لأداء العمرة، وتزدان المساجد بالصفوف، ويتنافس الأئمة في إجادة القراءة، ويحتار المصلون في اختيار الأفضل، ويقطع بعضهم المسافات من أجل الصلاة خلف أعذبهم صوتاً وأجودهم قراءة، وتتنافس المساجد في رفع الصوت والجهر به عالياً، ويدل ذلك على دخول المجتمع إلى مرحلة جديدة، تتصف بالبحث عن الروحانية والخشوع، ويظهر ذلك أيضاً في تطور تلاوات القرآن الكريم، وخروجها من الرتم الموحد والجامد، إلى المقامات والتغني بآيات القرآن، وقد اشتهر بذلك أهل الحجاز ومصر، وقد قاوم أهل نجد ذلك لعقود، لكن الجيل الجديد من القراء النجديين قبلوا بالقراءة على المقامات، وأصبحوا يتنافسون في إجادة القراءة بالمقامات الحجازية.

* * *

ظهر ذلك التغيير أيضاً في ملابس الأئمة الجدد، الذين أصبحوا يتزينون بأجمل البشوت وأحسن الثياب، وأغلى الغتر، وأزكى الروائح، بعد أن كانت الملابس الرثة وآثار الزهد يوماً ما شعاراً لعلماء الدين في الماضي، فقد كانوا يقرنون بين الزهد والصلاح، بينما تبدلت تلك المعادلة في هذا العصر، فمظاهر الثراء تناغمت مع ازدياد في وتيرة الطقوسية، وصاحب ذلك خروج للأئمة الجدد من التشدد، فصاروا يقدمون اللين في آرائهم، ويحاولون التقرب من الجيل الجديد، الذي صار يعيش خارج المجتمع افتراضياً، بل أصبح له لغة ومفردات تختلف عن لغة الشارع القديم، وقد يكونان صورة مواكبة للمتغير في الجيل الجديد، أو ربما يجمعهما معاً دخول المجتمع إلى ثقافة الرفاهية والبحث عن المتعة، وهو ما جعل النظرة إلى الحياة أكثر دنيوية، وأحرص على التلذذ بمتاع الحياة الدنيا.

* * *

تتضح تلك الصورة إذا أدركنا ارتفاع حرص الناس على جمع المال، ويدخل في ذلك اهتمام الأئمة الجدد بالشهرة والمال والأرباح والنجومية، والحرص على تكوين الثروات، وصاحب الرغبة في الثراء ازدياد في ظاهرة الطقوس والروحانيات في شعائر العبادات، والتي أصبحت ملفتة للنظر، وتدعو للتأمل، عند مقارنتها بالزهد الذي كان يتصف به علماء الدين قبل ثلاثة عقود، وهو ما يرفع كثيراً من الأسئلة عن تأثر مفاهيم الدين بالبيئة والحياة الطبيعية، فالزهد والتشدد يظهر مع حياة الكفاف والفقر، بينما تتبدل تلك المفاهيم إذا تغيرت البيئة، ودخل المجتمع إلى مرحلة الثروة والغنى، فيظهر اللين، وتتكسر الحواجز، وتقل مساحات التحوط، ثم يصبح التشدد ممقوتاً.

* * *

ما أقدمه أعلاه ليس نقداً أو وصفاً لظاهرة سلبية، بل كان أمراً متوقعاً، وقد مرت به عصور الإسلام الأولى، فالتغيير طرأ على مختلف فعاليات المجتمع، ومنهم علماء الدين والأئمة بعد الطفرة المادية، فظاهرة المتعة واللذة أصبحت من ضروريات الحياة، لكن ما لم يستسيغه الناس أن يكون الدين وسيلة للثراء والكسب غير المشروع، وهو ما يضعف معاني التدين الحقيقية، وكنت أحسب ولا زلت أن جوهر الدين هو الإحسان، والذي حسب وجهة نظري أقرب مفهوم للوعي الحضاري، لذلك أجدني أربط بين غياب مفهوم الإحسان في ظل ازدياد مظاهر طقوس العبادة في المجتمع، وانتشار مظاهر الفساد الذي يؤدي إلى الثراء الفاحش، والذي أصاب مختلف فئات المجتمع، ومنهم بعض الأئمة والمقرئين.

* * *

أخيراً قد لا نحتاج إلى جهد لتفسير ذلك التناقض، والذي أضفى بآثاره على أخلاقيات المجتمع؛ إذ بقدر ما ازدادت مظاهر العبادة والتشدق الديني، ساءت أخلاقيات الناس في الشوارع، فالكذب والنفاق والتهور وعدم احترام حقوق الآخرين وانتشار ظواهر الجريمة والسرقة يفسر ذلك البعد الشاسع بين النظرية والتطبيق، كذلك أصبح لدينا هيئة لمكافحة الفساد، بعد ما وصلت مظاهره إلى الطبقات الوسطى والدنيا، وهو ما يعني أن ظاهرة التدين في المجتمع في أغلبها سطحية وطقوسية، ولا تجعل من رأس الحكمة مخافة الله، أو أن الإحسان هو جوهر الدين، لذلك نحتاج إلى وقفات من أجل رفع مستوى الوعي الذي يحترم حقوق الله وحقوق البشر بغض النظر عن التشدق بمظاهر قد لا تمت بصلة لجوهر الدين الحقيقي.

 

بين الكلمات
بين الإحسان والطقوسية
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة