ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 14/08/2012 Issue 14565 14565 الثلاثاء 26 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لم تكن إيران من قبل عدواً، ولم يك هناك فرق بين سني ولا شيعي. بل إن علاقات إيران مع دول الجوار كانت أفضل من علاقات تلك الدول مع بعض دول عربية أخرى في السابق. ولمن لم يعرف ذلك، كان الطلاب العرب والإيرانيين كلاً واحداً في أمريكا لا خلاف بينهم ولا اختلاف، وأتذكر أن الإيرانيين كانوا

أقرب الناس للطلاب الخليجيين على وجه الخصوص فقد كانوا يجدون فينا الشعب الأقرب شبهاً لهم في كثير من الصفات والعادات. وأتذكر أننا كنا نلعب كرة القدم في أمريكا تحت مسمى فريق واحد هو «أريبيانز» أي «العرب» رغم أن معظم لاعبي الفريق كانوا خليجيين وإيرانيين. ولم يخطر ببال أي منا في ذلك الوقت بأي شكل من الأشكال أن يتساءل عن قومية أو مذهب الآخر، أو عرقه.

واستمر الحال كذلك حتى بعد زوال الشاة في عام 1979م وإعلان قيام جمهورية إيران الإسلامية، حتى أن بعض الطلاب ومعظمهم خليجيون سنة من ذوي التوجه الإسلامي كانوا يقفون خلف أجهزة الفيديو في كافيتيريات الجامعات يشرحون للطلاب الأمريكيين ثورة الخميني، على اعتبار أنها أول ثورة إسلامية في التاريخ الحديث، ولم يفكر أحد في مذهب الخميني ذاته. ولم يفطنوا جميعهم إلا لاحقاً إلى أن الدول التي تقام على خيارات مذهبية ودينية سيكون مآلها الحتمي للتطرف.

المذهب الديني في نهاية الأمر خيار شخصي لما يعتقده الإنسان أفضل السبل للتقرب للرب، والناس في تقربهم لربهم ينقسمون لديانات ومذاهب وطوائف تعايشت واتسعت لها أرض الرب الواسعة. ولكن الأمور أخذت منحى آخر عند ما اتضح أن تصدير الثورة للخارج هو رسالتها السماوية التي بشر بها آية الله الخميني، الذي بات ينظر له كإمام له قدسية خاصة حولته في نظر أتباعه لظل الله في الأرض. وهنا اختلفت المنطقة كليا لأن جيران إيران لم يتفهموا مفهوم هذه الحرب المقدسة التي يقودها ولي فقيه لا مرد لكلامه ضدهم. فكانت حروباً متتابعة في المنطقة غيرت وجه المنطقة كليا وكلفت شعوبها ثرواتها ومكاسبها. ومنذ ذلك الوقت وإيران مسكونة ليس فقط بولاية الفقيه ولكن بعقيدة التسلح المقدس أيضا، واستمرت في سبيل تحقيق ذلك في إذكاء المذهبية في كل مكان تحت ستار تحرير القدس. فمن أهم سمات الحركات الدينية تشجيع الإفراط على التضحية والانفلات من عقال العقلانية المتعارف عليها، والتصرف حسب العاطفة العقدية لا المصالح المشتركة.

النتيجة حروب متعاقبة لعقود ثلاثة مع جيرانها جاءت على الأخضر واليابس في المنطقة وفي إيران ذاتها، حروب دمرت أجيالاً كاملة، وكان المستفيد الحقيقي الأول منها من تدّعي إيران أنها تتسلح لمحاربتهم. فبدأت بعض الأوساط الإيرانية تعي خطورة ذلك وكان انتخاب خاتمي في عام 1997م فرصة للتهدئة وإعادة التسامح. وشجع على نشر روح التسامح هذه زيارة خادم الحرمين الشريفين عند ما كان ولياً للعهد لإيران في عام 1997م، واستقبال خاتمي في المملكة عام 1999م واستبشر الناس في إيران وجوارها خيرًا، واعتقد الجميع أن في ذلك فرصة لوأد الطائفية البغيضة للأبد. ومن ذلك أن منع الأمير نايف -رحمه الله- المحققين الأمريكيين من المشاركة في التحقيقات في حادث الخبر في يونيو 1996م التي ذهب ضحيتها 372 أمريكياً، وكانت إيران المتهم الأول فيه، ومنع عنهم أدلة واضحة تدين إيران كانت أمريكا تريدها لتهاجم إيران، وعارضت السعودية هذا التوجه.

أما انتخاب أحمدي نجاد في 2005م كرئيس لإيران بدعم من أوساط دينية متطرفة يرأسها خامينئي لم يكن بشير سلام، حيث أعاد المنطقة لدائرة التطرف مرة أخرى واستأنف سياسة التوسع في التسلح وإنشاء الأحزاب السرية التخريبية في جميع أنحاء المنطقة، ودخل في حلف انتهازي مع سوريا، ثم سلمته أمريكا العراق الذي دمرته انتقاماً من السنة بعد أحداث 11 سبتمبر، ومنذ ذلك الوقت وإيران تعد المنطقة لحروب طائفية منفذة في ذلك، سواء عن قصد أو غير قصد، سيناريوهات خارجية تهدف إلى تقسيم المنطقة العربية فيما يسمى بنشر الفوضى الخلاقة، وتقسيم المقسم على أساس طائفي. وتوجهت المقدرات الإيرانية لصناعة الصورايخ ومحاولة الحصول على سلاح ذري.

إيران خامنينئي ونجاد، وحسب إيريك رولو، وكثير من الخبراء في الشأن الإيراني، تسعى لإحياء المجد الفارسي الصفوي القديم مرتكزة على استنهاض العاطفة الدينية المذهبية كما حدث في أوروبا الرومانية في القرون الوسطى. وهي تسعى لذلك بمساعدة قوى عربية طائفية في سوريا وفي جنوب لبنان وغيرها. ونتيجة لتناقض الأهداف السرية مع السياسات المعلنة اتسمت علاقات إيران بأعداء الظاهر كإسرائيل وأمريكا بكثير من التناقضات، فالعداوات الإعلامية تتخللها تحالفات مرحلية مشبوهة مثل المساهمة في حصار العراق، أو تقديم معارضة عراقية ذات أساس مذهبي مثل الجلبي وأتباعه، أو حتى شراء الأسلحة الأمريكية عبر إسرائيل ذاتها كما حصل في فضيحة «إيران كونترا».

وتستند سياسات إيران الخامانيئية النجادية إلى حد كبير على توريط أطراف ثالثة في صراعاتها الإقليمية، ونجحت سياسات التحالفات هذه إلى حد ما وفي أحيان معينة مما جعلها تعتمد عليها كلياً، لكن هذه السياسات لم تكن مضمونة ومحصنة تماما، واتضح ذلك في امتداد الربيع العربي للحليف الأكبر سوريا، وظهور ضغوطات شعبية كبيرة مطالبة بإصلاح النظام الشمولي الذي تتحكم فيه أقلية طائفية على حساب طواتف، وأقليات، وديانات أخرى بقيت مهمشة ومقهورة لوقت طويل. وارتكب النظام السوري أخطاءً جسيمة في التعامل مع هذه المطالب مما فجر ثورة عارمة تحولت فيما بعد إلى حرب أهلية داخلية، فأعلنت إيران أنها شريك شرعي للنظام السوري الطائفي في ضرب وقمع شعبه، وأطلت العنصرية الطائفية على المنطقة مرة أخرى وبدأت إيران بتحريك الأقليات في دول الجوار.

إيران تتصرف مع دول المنطقة بشكل غريب جداً، أي بنوع من الشيكزوفرينينا الأيدلوجية، حيث تعلن عداوتها لإسرائيل وأمريكا واستعدادها لمواجهة أي هجوم محتمل عليها ليس في مواجهة عسكرية مباشرة معها، ولكن عبر التهديد بضرب جيرانها في المنطقة انتقاما لذلك حتى ولو لم يكونوا طرفا في الحرب، وهذا مما سيشجع إسرائيل أكثر على ضربها لأن في مهاجمة إيران لدول الخليج المجاورة مصلحة مضاعفة لإسرائيل ذاتها لا سيما وأنها دول الخليج هي الدول الوحيدة المجاورة المؤثرة التي لم تعترف بإسرائيل، واعترافها، لو حصل، سيكون بمثابة إعلان القبول الأبدي والنهائي بها من الجميع. وما تهدد به إيران اليوم في سوريا، بدعم من الانتهازية الروسية، هو خيار شمشوني يقوم على هدم المنطقة على الجميع.

ومن حكم المؤكد أن الحكم السوري الفئوي سينهار قريبا، وسيناريوهات توسيع الحرب على الجوار قد يكون الخيار الوحيد المتاحة لإيران إذا هي اختارت سياسة الهروب للأمام، وتلافياً لحرب إقليمية موسعة تحاول إيران جر دول الخليج لها، جاءت دعوة لمملكة العربية السعودية لقمة استثنائية في ليلة استثنائية، 27 من رمضان، وفي مكان استثنائي، تحت ظل بيت الله الحرام، وبمشاركة الدول الإسلامية جميعها لتعلن لإيران، بشهادة جميع هذه الدول، أنها ليست في حالة عداء أو سباق مذهبي معها، وأن انهيار النظام في سوريا ليس مؤامرة ضدها أيضا، وأن أبواب التعاون والسلام على ضفتي الخليج مفتوحة معها على أساس الاحترام المتبادل. مرة أخرى تمد المملكة العربية السعودية يد التعاون الإسلامي لإيران لتجنيب المنطقة نيران الحرب. وسيكون ذلك في بيت الله الحرام حرصاً على توثيق العهود والمواثيق، فقد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة لتهيئة إيران لتقبل انتهاء الحكم السوري، ولطمأنتها أن دول الجوار ليست في صراع مذهبي معها.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif
 

تحت أنظار الرحمن
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة