ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 14/08/2012 Issue 14565 14565 الثلاثاء 26 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

خيراً فَعَلْتَ أَيها الإمام الناصح لله وللرسول ولأئمة المسلمين وعامتهم، حين دعوت قادة العالم الإسلامي، ليأتمروا بينهم بمعروف، وخيراً فعلوا حين استجابوا لدعوتك التي جاءت في وقتها المناسب.

وهم حين تهفوا قلوبهم، وتُقْبل جموعهم، ويلتقون في حرم الله الآمن، فإن الله الذي هداهم وحداهم إلى هذه البقاع الطاهرة، سائلهم عما يدخرونه من جهد، أو ما يكتمونه من قول، أو ما يزورون عنه من حق. أمَّتُهم أحوجُ ما تكون إليه في ساعة العسرة.

هذا النداء المبارك، الذي وجهه خادم الحرمين الشريفين لقادة العالم الإسلامي، وضعهم أمام مسؤولياتهم المصيرية. وحق أمتهم عليهم أن يرودوا لها مراتع السلامة، و[الرائد لا يكذب أهله]، وأن يسْموا فوق الأهواء والشهوات والأعراض الزائلة. فهذا الاجتماع الميمون من فروض العين، ومن الفرص النادرة، وهم إن فوَّتوها، فوَتوا على أنفسهم، وعلى من ولّاهم الله أمرهم خيراً كثيراً. ومن جاء لهذا اللقاء المصيري بأوضار الحياة، ورواسب العلاقات، ومعوقات التفاوض، ورضي أن تُذِلَّه الأهواء، وتُصَرِّفه الشهوات، وتتحكم به الحساسيات، وتلعب به الشكوك، وتثبِّطه التخوُّفات، عاد بأوزاره وأوضاره، وخيب ظن أمته فيه.

إن الأوضاع العربية والإسلامية والعالمية في الدرك الأسفل من الفتن القاصمة، والفوضى العارمة. والعالم الثالث وحده الذي يتجرع المرارات، ويدفع التكاليف، ولا يرضى من الغنيمة بالإياب، بل يتحمل أوزاراً مع أوزاره. وشعوبه سئمت الذل، وملَّت الهوان، وبشمت من القتل، وأُتْرِعت من التشريد، وشبعت من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، وألِفت الجوع والخوف ونقص من الأموال والأنفس والثمرات. جزع منها من جزع، وصبر من صبر، ولم يبق إلا أن يتحرف المؤتمرون لعمل، يقيل العثرة، ويضمد الجراح، ويجبر الكسور، ويكشف الغمة، ويزيل الضر. وليس شيء من ذلك بعزيز، متى حسنت النوايا، وسلمت المقاصد، وقامت الثقة مقام الشك، وساد التعاون على البر والتقوى. فالأمة الإسلامية ليست بدعاً من الأمم، لقد قادت العالم، ونشرت العلم، وأشاعت فضائل الأعمال، وشرعت الدساتير، وعاشت الأعراق والأديان في ظلها راضية مطمئنة، متمتعة بالعدل والإحسان والمساواة.

وتجربة الخلافة الإسلامية تقطع قول كل خطيب، والتاريخ الحضاري وثيقة دامغة. فالإسلام عقيدة ومنهج حياة، يمتلك مقومات العالمية والشمولية، متى أديرت حاكميته على هدْي من الكتاب وصحيح السنة. وما مُني به العالم الإسلامي في عصور التخلف، إن هو إلا من عند أنفس المسلمين، بسبب تفككهم، وتباغضهم، وتدابرهم، وتهافتهم على الشهوات، وتحكيمهم للأهواء، وتنازعهم، واستمرائهم للظلم، وعدولهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحكمهم بغير ما أنزل الله، وتسلل المتطرفين والغلاة، ومبادرتهم لأزمَّة الأمور في حين غفلة من الرقيب، مع ما يحاك لهم من مؤامرات، استجابوا لها، ومع ما هم عليه من قابلية للاستعمار ونفاذ اللعب.

واليوم أيها القادة، وأنتم تلتقون ببعضكم في أول بيت وضع للناس ببكة، ورفع قواعده إبراهيمُ وإسماعيلُ - عليهما السلام - تتطلع إليكم أنظار شعوبكم، وتتمنى عليكم نبذ الخلاف، والصدق مع الله، والتخلي عن النوايا السيئة، والتنازع المُذْهب للريح. فالشعوب بسبب القابلية لِلُّعب القذرة، ذاقت الذل والهوان، واحْتَربَتْ فيما بينها، وتآمرت على بعضها، وتحالفت مع الأعداء ضد مصالحها، وركن بعض قادتها إلى الذين ظلموا، وما جنت إلا الضعف والخذلان. إن مؤتمراً في مكة، وفي العشر الأواخر من رمضان، لجدير بأن تغسلوا فيه أوضاركم، وأن تغيروا فيه ما بأنفسكم، وأن تنشدوا فيه خير شعوبكم، وسلامة الإنسانية عامة وحريتها، وأن تكونوا دعاة سلام، وخُطَّاب وئام، ورسل رحمة.

وإذ دُعِيتم لإجارة المشرك، وإبلاغه مأمنه، والدفع بالتي هي أحسن، فإن عليكم أن تَدْعوا دول الاستكبار جميعاً ليجنحوا معكم للسلم، فما عاد باستطاعة شعوبكم أن تتحمل مزيداَ من المغامرات الطائشة، والثورات الدموية، والحروب الطائفية، وتعطيل المصالح بالمظاهرات والاعتصامات والصدامات. فكونوا فيما تستقبلون من أيام رحمة لشعوبكم، بحيث تعيدون ثقتهم بكم، لقد ملوا الكذب، وسئموا الغش، وارتابت أنفسهم من التصرفات الطائشة وغير المسؤولة، فبادروا الإصلاح، وارتدُّوا إلى الداخل، لصناعة الإنسان، والصناعة له، واستثمار خيرات بلادكم، وحفظ ثرواتكم، إن الفقر لا يصنع الكرامة، والظلم لا يحقق العز، والكذب لا يملأ البطون الجائعة، والقمع لا يطيل الأعْمار، ولا يثبت الأقدام.

إن مؤتمراً كهذا، في ظروف كتلك، جدير بأن يكون له ما بعده، وأن يُحْدِث تحولاً جذرياً في السياسات، والعلاقات، وأساليب الحياة. فاطَّرِحوا الماضي بكل مآسيه، ولا تقلِّبوا أوراقه، واعتمدوا قول الله عز وجل: {عفا الله عما سلف}.

واتقوا وعيده: {ومن عاد فينتقم الله منه}.

إن نبش الماضي كنبش العفن، يزكم الأنوف، ويُضَيِّعُ الجهد والوقت، ويفوِّت الفرص، وما فات مات: [ولك الساعة التي أنت فيها].

ومن الحتم - وقد بلغ السَّيْل الزَّبى - أن تستأنفوا بعد مؤتمركم هذا حياة جديدة، تقطع صلتكم بحاضركم الموبوء، على أن تعودوا من مؤتمركم كيوم ولدتكم أمهاتكم، بحيث تتخلون عن أحقادكم، وأضغانكم، وتتسامحوا، وتتصافحوا بصدق. واسألوا الله أن يؤلف بين قلوبكم، وأن يجمع كلمتكم على الحق، وأن يخذل عدوكم، وأن يجعل شعوبكم عوناً لكم، لا عوناً عليكم.

لقد دمَّرت شعوبَكم الحروب، وفرقتهم الدسائس، وأوهن عزائمهم الغزو والتآمر، وأجهدتهم اللعب السياسية، وأضْوت أجسامهم روح الثورة، وأطماع التوسع، والتصدير، والأحلاف المشبوهة، فاطِّرحوا ذلك كله، وافتحوا صفحة جديدة، تحافظ على المصالح، وتحترم الخصوصيات، وتذكى روح الحماس للأعمال المشتركة، التي تقوي الجانب، وتشد الأزر، وتخيف الأعداء.

وكيف يكون شيء من ذلك، وكل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه. إن أمامكم دولاً مَرَدَت على الشَّر، واستمرأت الظلم، وأعدت لذلك قوة ردعٍ مرعبة، ودَسَّتْ عملاءها ومخبريها، للتحريش، والتخويف، وجمع المعلومات، ورصد الأنفاس والتحركات، كما عززت الطائفيات، وأنشأت جماعات الضغط، ونَوَّعت الأحزاب، ودعمت الأقليات، واستمرأت التحريش، وأشاعت قالة السوء، واجتهدت ما وسعها الاجتهاد، للحيلولة بينكم وبين ما تشتهون لشعوبكم، فأعدوا لذلك عدته، واعلموا أن العدل والإحسان سلعة الله، وسلعة الله غالية.

واجعلوا من هذا المؤتمر بداية خير، ترسمون فيه [إستراتيجية] متوازنة، ومقدور على تحقيقها، وتنجزون فيه خارطة طريق معقولة، تقيل العثرة، وترأب الصدع، وتشفي صدور قوم مؤمنين.

اللهم اجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مبروراً، وتفرق القادة تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فيهم كاذباً ولا مخادعاً، ولا عميلاً.

 

أيها المؤتمرون على أطهر مكان وفي أشرف زمان..!
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة