ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Wednesday 15/08/2012 Issue 14566 14566 الاربعاء 27 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

على مواصلة متابعة الإجراءات القانونية والقضائية في تلك القضية عندها (تطوعت) محامية مصرية وناشطة في مجال حقوق الإنسان ورئيسة لجمعية (حقوقية) للدفاع عن الفتاة وتمثيلها أمام المحكمة التي أصدرت حكما عدَّه المتابعون سابقة قضائية في مثل هذه القضايا؛ حيث حكمت على المتهم بالحبس ثلاث سنوات مع الشغل، وحكمت بتعويض الضحية بمبلغ 5001 جنيه من المتهم على سبيل التعويض المؤقت، وقوبل الحكم يومها بابتهاج من المهتمين بقضايا المرأة حيث إنه سيضع حداً لظاهرة التحرش الجنسي التي كانت تتزايد بشكل لافت.

إلا أن المفاجأة أن المحامية و(الناشطة) في حقوق الإنسان التي تطوعت للدفاع عن الفتاة من منطلقات حقوقية صرفة أعلنت بعد أيام من صدور الحكم بأنها تخلت عن القضية وتنحت عن مواصلة الدفاع عن المجني عنها ولم تكتف بذلك بل قررت أن تقفز إلى الضفة الأخرى وتقرر بأنها سوف تستأنف الحكم لصالح المتهم الذي أدين بالتحرش وكانت أسباب ذلك الانقلاب المفاجئ - وكما جاء في مقابلة مع المحامية في صحيفة اليوم السابع في 31 أكتوبر 2008 - أنها اكتشفت أن الفتاة تحمل جوازاً إسرائيلياً وأنها لا يشرفها أن تكون محامية لفتاة إسرائيلية حتى ولو كانت من عرب 48 (فأنا أعتبر كل من يحمل جنسية المحتل خائناً ومحتلاً وعميلاً) كما جاء على لسانها بالنص.

تلك القصة القصيرة في أحداثها العميقة في معانيها تختزل نقاشاً يتردد دائماً حول الاختلاف ما بين العمل الحقوقي والنشاط السياسي والذي يستتبع بالضرورة التباين ما بين الحقوقي والسياسي من حيث الفضاءات التي ينشط فيها كل منهما وكذلك من حيث القيم والمرجعيات الفكرية والثقافية التي يرتكزون إليها والآليات التي يستخدمونها لتحقيق أهدافهم.

فالعمل السياسي ليس بالضرورة أن يكون ملتزماً بالمبادئ الأخلاقية والإنسانية الصارمة فهو ينزع في أحيان كثيرة إلى المصالح الذاتية سواء كانت لجماعة أو كانت مصالح فردية مجردة وتلك القاعدة ليست حكراً على الناشطين بل وتشمل الدول والأنظمة السياسية التي تحركها قواعد اللعبة السياسية واتجاه رياحها، لذا نجد التباين في المواقف السياسية في قضية متطابقة الأوصاف إلا أنها (سياسياً) محل تجاذب وتنافر بين القوى السياسية المتباينة.

إلا أن العمل الحقوقي يختلف عن ذلك كله لأنه يعتمد وبشكل أساسي على قيم مطلقة تحكم إيقاع حركته وتضبط أنشطته فهو يتعاطى مع الممارسات وفق مرجعية قانونية محلية إضافة إلى نصوص الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الدولة وبالتالي أصبحت جزءاً من المنظومة القانونية لها وبالتالي فإنه لا مجال لتسييس حقوق الإنسان واتخاذها فزَّاعة سياسية تستخدم في الصراعات السياسـية لأن القيم الحقوقية تتسامى عن ذلك كله.

وبالعودة للقصة (القصيرة) التي افتتحت بها هذه المقالة نجد أن الزميلة المحامية تبنت القضية ابتداء وهي ترتدي قبعة (الحقوقية) لأن دافعها في تبني القضية كان لقيمة حقوقية مطلقة خصوصاً وأنها ترأس منظمة حقوقية تناهض ممارسات العنف، إلا أنها سرعان ما خلعت تلك القبعة لترتدي قبعة (السياسي) لتعاود تقييم القضية من خلال رؤيتها السياسية لزاوية لا علاقة لها بالجانب القانوني أو الحقوقي في القضية، فهي يفترض أن تناهض (ممارسة) تخالف قيمة حقوقية بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى ودون النظر إلى جنس أو عرق أو جنسية الضحية، هنا يتبين وبوضوح شديد عملية (عجن) الحقوق بالسياسية؛ فمن حقك الكامل أن تكون لك آراؤك السياسية تجاه أي قضية لكن لا يمكن لك أن تسقطها على عملك الحقوقي أو توظفها إذا ما قررت يوماً أن تلج فضاءات العمل الحقوقي.

عملية (تبديل الطواقي) أصبحت ظاهــرة هذه الأيام فمن الطبيعي أن تجد شخصاً يُحرِّض في الصباح على مخالفيه الفكريين أو السياسيين، ويدعو إلى قمعهم وسحب جنسيات بعض منهم، وفي المساء يمسح دموع التماسيح على حقوق بني قومه وعشيرته في (الجماعة) في دولة ما لأنها أوقفتهم أو سحبت جنسيات بعض منهم، ومع ذلك ينام ذلك (الناشط) قرير العين ليصحو ويبدأ التغريد الوعظي عن العدالة والمساواة وإنشاد قصيدة (لا تصالح) في مسلسل لا ينتهي من تبديل الطواقي.

aallahem@gmail.com - @allahim
محام وكاتب سعودي
 

الحقوقي والسياسي وتباين المرجعيات
عبدالرحمن اللاحم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة