ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Wednesday 15/08/2012 Issue 14566 14566 الاربعاء 27 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

رمضانيات

 

رمضان بين مكة وساحل العاج.. صورٌ ومشاهدات..

رجوع

 

جميل أن يقضي المرء رمضان قريباً من أهله.. وجميل أن تقضي لحظات الإفطار بين يديْ والديك.. ولحظات لا تنسى يوم أن تفطر في سطح الحرم بعد أن تشنف أذنيك بصوت مآذنه.. يا الله كم يشتاق المرء لتلك اللحظات والأوقات بجميع تفاصيلها..

ولكن هناك جمال آخر.. ولذة أخرى.. ونعيم روحي أيضاً.. يوم أن تقصد بلداً من بلاد المسلمين.. تؤمّهم في صلاةٍ.. أو تذاكرهم في مسألة.. أو تعلّمهم حكماً.. تشاركهم إفطارهم.. وتجالسهم في مساجدهم.. وتعيش معهم رمضان ولياليه المباركة..

إنّ زيارة بلاد المسلمين في رمضان لها لذة ومشقة.. ولها منفعة وضريبة.. والموفّق من وفّقه الله..

وهذه أسطر كتبتها في زيارة بلدٍ له تأريخ وحضارة.. ومكانة وعراقة..

رحلة إلى بلاد كوت ديفوار.. أو ساحل العاج..

بدأت الرحلة يوم الخميس التاسع والعشرين من شهر شعبان.. غادرنا الرياض متوجهين إلى ساحل العاج.. وكانت الخطة هي المرور على أكثر من دولة من أجل الدعوة إلى الله.. وإقامة الدورات الشرعية في بعض الدول الأفريقية.. كجنوب أفريقيا.. وغانا.. وساحل العاج والتي لها نصيب الأسد.. وهي التي أريد أن أحدثكم عنها لعدّة اعتبارات تجعلني أبدأ بها.. منها طول المكث فيها.. وجهل كثيرٍ من الناس بهذه الدولة.. وأمر آخر سأذكره في أسطر هذه الورقات..

كان خط الرحلة يتضمّن التوقّف في المغرب وفي الدار البيضاء تحديداً.. والتي وصلناها الساعة العاشرة بتوقيتهم بعد رحلة دامت ثماني ساعات..

نزلنا ساحل العاج بعد رحلة بين أكثر من دولة.. وخطوط غريبة عجيبة.. ومن أعجب ما رأيت في رحلتي هذه.. أنّ الأفارقة يملأون الطائرة بالعفش في كل جوانبها.. لدرجة أنك تخشى من سقوط الطائرة من كثرة العفش!! وهذه عادة لم أجدها إلاّ عندهم.. حتى أنّ صاحبي ورفيق دربي الأخ الدكتور بامبا إسحاق العاجي - وهو رجل بألف - قال لي لما أعلن عن وقت صعود الطائرة قال: لنركب بسرعة فقلت: له ولِمَ ؟! فقال لأننا ربما لا نجد لحقائبنا اليدوية مكاناً ؟! فلم آخذ بنصيحته وبقينا حتى صعد الكل.. وفعلاً بقيت حقائبنا تحت أقدامنا لم نجد لها مكاناً !!

وصلنا ساحل العاج الساعة الرابعة فجراً.. وأوقفنا في المطار للتأكد من أخذ لقاح الحمى الصفراء.. أبرزنا الورقة لكنهم لم يعترفوا بها مع أنها رسمية وموقّعة من مستشفى الملك خالد الجامعي.. فكانوا يريدون الورقة الصفراء ؟!! فهم لا يعترفون بغيرها ولو كانت مختومة من سفارة بلادهم كما هي الحال معنا.. بعد شد وجذب سمحوا لنا بالمرور.. أخذنا العفش وكان في استقبالنا الأخ الفاضل الشيخ زكريا سليمان الأمين العام لجمعية أهل السنّة والجماعة في ساحل العاج.. وهو رجل فاضل.. وأحد من تفتخر المملكة بتخريجهم من جامعاتها..

وصلنا إلى الفندق ونمنا قبيل صلاة الجمعة.. ثم ذهبنا للصلاة في مسجد الرحمة مركز أهل السنّة.. صلينا الجمعة وبعد الصلاة كان هناك لقاء تعريفي بالزيارة وكان بعض المشايخ - من المملكة - قد وصلوا أيضاً واجتمعنا جميعاً في الجامع.. وحينما انتهى اللقاء اجتمع كل من في المسجد للسلام على الضيوف.. ويا ليتك أيها القارئ الكريم رأيت الشوق والفرح والحرص من هؤلاء المسلمين وهم يسلِّمون على من يرون أنه قدم من أرض الحرمين.. فيا الله كم حملنا من أمانة ؟!! وكم يظن بنا هؤلاء من خير.. نسأل الله أن يجعلنا خيراً ممن يظنّون..

وحيث إنّ الوقت ضيق وتسجيل اليوميات يحتاج لوقت طويل، فهذه مشاهدات مختصرة عن هذه البلاد وحال المسلمين فيها:

« مما يثلج صدرك وتتوقف عنده وجود العلماء وطلبة العلم في هذه البلاد، بل وحملة الشهادات العليا في العلوم الشرعية وكثير منهم من خريجي المملكة ولنا الفخر والله..

« هناك حفّاظ للقرآن بما تحمله هذه الكلمة من معنى، حتى أنك تصلّي خلف الواحد منهم لا يخطئ في آية وكأنه يقرأ من مصحف !!

« وقد صلّيت في مسجد عدّة ليالٍ إمامه شابٌ لا يتجاوز الرابعة عشر ومع ذلك لم يخطئ في آية ؟!!

« مما أعجبني في ساحل العاج اهتمامهم بدروس التفسير فإذا دخل رمضان أقام العلماء وطلبة العلم وأئمة المساجد دروساً في التفسير فقط في كل مسجد بعد صلاة الظهر، ولا تجد مسجداً يخلو من ذلك، وهذه فكرة رائعة إذ إنّ رمضان شهر القرآن.

« ومن صور اهتمامهم في القرآن أن قاموا بإنشاء معهد الإمام مالك لتعليم القرآن وعلومه، وهذا المعهد له قصة عجيبة فشيخه هو شيخ القرّاء في ساحل العاج وهو موريتاني الأصل، جاء إلى ساحل العاج قبل ثلاثين سنة مبعوثاً من رابطة العالم الإسلامي وقام بإنشاء هذا المعهد وخرّج خلقاً كثيراً منهم الآن العالِم ومنهم من يحمل الدكتوراه ومنهم أئمة المساجد والدعاة وطلبة العلم..

« المساجد هناك بحاجة ماسة للترميم والفرش والتوسعة، حتى أنه لا يوجد مسجد واحد في العاصمة أبيدجان فضلاً عن غيرها، فيه دورة مياه مجهّزة للوضوء، فهم يتوضؤون من الأباريق ويغرفون الماء من الخزان ولا يعرفون صنبوراً واحداً ؟!! ومع ذلك فيهم حرصٌ عجيب على الصلاة.. وجهد ونشاط لتجهيز المساجد في رمضان على قلّة ذات يدهم.. فأين أهل الخير والإحسان من هؤلاء ؟!

« فيهم - مع عوزهم - كرمٌ عجيب.. وخدمة للضيف قلّ نظيرها.. حتى إنّ أحد الإخوة لمّا علم بنا أقسم أن يأتي بالفطور والسحور كل يوم مع أنه يأتي إلى الفندق من مسافة ثلاثين كيلاً ومرة تعطّلت سيارته فجاء بأجرة حتى لا يتأخر الفطور علينا ؟!!

« وهنا لابد لي أن أتذكّر ذلك الرجل السبعيني الذي جاءني بعد صلاة التراويح ودموعه والله في عينه، ويقول: الحمد لله أن مدّ الله بعمري حتى صلّى بي قيام رمضان إمام من الحرمين؟!! فيا الله أي شوق وحب يحمله هؤلاء لتلك البقاع المقدّسة ولأهلها.. لقد خرجت والله دمعة من عيني لم أستطع حبسها حينما سمعت منه هذا الكلام.

« ومن المواقف المؤثرة أنّ صاحبنا في السفر الدكتور بامبا لمّا وصلنا إلى ساحل العاصمة واستقررنا في السكن، طلبنا منه أن يسافر حيث والدته فقال: لا والله لا أترككم حتى تعودوا إلى بلادكم فأنتم ضيوفنا !! وأما أمي فقد استأذنتها كي أصحبكم.. إي تضحية هذه ؟!

« فيهم حرص كبير على حضور الدروس والمحاضرات، فمع أنّ معظمهم يأتون إلى المسجد من بعيد من أجل صلاة التراويح، إلاّ أنهم لا يمكن أن يخرجوا من المسجد حتى ينتهي الدرس!!

« هناك حاجة ماسة للإغاثة، فمع أنّ البلد فيه مظاهر الحضارة واضحة خاصة في العاصمة، إلاّ أنّ هناك حاجة في القرى فبئر واحدة تسقي كل أهل القرية وهم بالآلاف..

« الشعب الإيفواري شعب صاحب نكتة وطُرفة.. وفيه من البساطة والسماحة والأدب الشيء الكثير..

« ومما يُذكر ولا يُنسى جهود وأعمال سفير المملكة هناك سعادة السفير جمال بكر بالخيور.. فهذا الرجل له من اسمه نصيب.. فقد جمع بين الأدب والتواضع والخلق وحبٍ للخير ودعم للمسلمين.. فهو بحق رجلٌ يُفخر به فالشكر له موصول.. والدعاء له مبذول.. وكم نفخر به وبأمثاله.

« هناك دعوة دائمة من كلِّ المسلمين هناك حتى الحكومة لكلِّ تجار أهل السنّة للاستثمار في هذا البلد ففيه ربحٌ وخير..

د. عبد الله بن راضي المعيدي الشمري - ساحل العاج

almoaede@hotmail.com
 

رجوع

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة