ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 16/08/2012 Issue 14567 14567 الخميس 28 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

قال أبو عبدالرحمن: إذا لم يقم برهان على أنَّ المتكلِّم لا يريد عمومَ المعنى اللُّغوي فيجب أن يؤخذ من عموم اللُّغة خصوصُ مرادِ المتكلِّم إذا قام البرهان على تعيين خصوص مراد المتكلِّم..

وإن قام البرهانُ على عدم إرادة عموم المعنى، ولم يقم برهان على تعيين خصوص المراد فيكون غير المراد على الاحتمال لا غير، من دون جزم، ولكن يكون كل وجهٍ محتمَلاً بالرجحان إذا لم يحل دون الجمع بين الاحتمالات تناقض أو تضاد، وأضرب المثال بقولنا: (تُوُفِّيَ فلان) ببناء (تُوفِّيَ) على ما لم يُسَمَّ فاعله.. وقد أجاز بعضُهم من علماء الشريعة جواز (تَوَفَّى) بفتح تاء المضارعة على معنى أن الميِّتَ استوفَى أجَلَهُ الذي منحه الله إياه؛ فذلك جائزٌ إذا قامَ البرهانُ على إرادة استيفاء الأجل؛ وذلك مِثْلُ تَقَصَّى واستقصى، إلا أن الوزنَ الأوَّل للاستيفاء بالتدريج، والوزن الثاني لتمام الاستيفاء.. وإذا لم يقم برهانٌ على ذلك وَجَبَ ضمُّ تاء المضارعة؛ لأن الوارد في الشرع بالتوفِّي قبض الروح، واستيفاء الأجل هو لازم نصِّ الشرعِ وليس هو معناه المباشر المقصود.

قال أبو عبدالرحمن: إذا أردتَ فَهْمَ كلامٍ شرعيٍّ، أو كلامِ أحدٍ من البشر شاعراً أو ناثراً.. ثم توقَّفَ الفهمُ على الإعراب النحوي: فستجد عند الـمُعْرِبين وجوهاً نحوية يَـحْتملونها.. ولا رَيب أنَّ وجوهَ النَّحْوِ، ووجوه البلاغة، ومعاني اللُّغة - في مُفْرداتها، وصيغها (أوزانها)، وروابطها مِن حروف المعاني - أعمُّ مِن مُراد المتكلِّم؛ فلا بدَّ مِن تنزيل الوجوهِ على مرادِ المتكلِّم بعد صحَّة الوجه في اللُّغة؛ فإذا وجدتَ الـمُعْربين يذكرون احتمالات لا تُطابق المراد وهي صحيحة في نفسها فاطَّرحها والتمس الوجهَ الصحيح المُطابق، وقد سبق لي أن ضربتُ المثال لذلك بقوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} (157) سورة النساء؛ إذْ حشد الـمُعربون وجوهاً لا تقبلها لغة النص؛ فاطَّرحتُها، وذكرتُ ما أهملوه من الوجه الصحيح المتعيِّن، وأنَّ المراد (نفياً يقيناً)؛ بدلالة {مَا} النافية مع أنهم أرادوا قَتْلَه حقيقةً؛ فخيَّب الله سعيهم.

قال أبو عبدالرحمن: ههنا آية كريمة، وهي قوله تعالى عن أهل الجنة: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (73-74) سورة الزمر؛ فَـمَن يريد فَهْمَ كلام ربِّه يتشوَّفُ بإلحاح إلى جواب {حَتَّى إِذَا}؛ فأما في صورة النحو مُـجَرَّدةً عن المراد فنجد قوله تعالى: {فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}؛ فتصلح صُوْريّْاً جواباً لقوله: {حَتَّى إِذَا}، ولكنها باطلةٌ مُراداً؛ لأن أهل الجنة في عالم الشهادة مُـجَرَّدون لحمد ربهم وتسبيحه؛ فمحال أنْ يتمدَّحوا بعملهم وهم يعلمون أن الفضل لله بهدايته إياهم ومضاعفة أجرِ ما هداهم إليه من الطاعة، وهو الـمُنعم في غُفران ذنوبهم.. ومن كرم الغني الحميد وإحسانه جل جلاله أن يجعل أعمال المؤمنين قرضاً حسناً وشراءً للنعيم.. هذا مع أن الآية قبلها عن أصحاب الجحيم تمَّ جوابُها بقوله تعالى: {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} بلا واو عطف قبل {فُتِحَتْ}، ثم جاء بعد دخولهم النار قوله تعالى: {فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}؛ فصحَّ أن بئس ونعم من كلام الرب جل جلاله إخباراً بالعُقْبى من خيرٍ أو شرٍّ؛ ولهذا لم يخطر هذا الوجهُ الصُّوريُّ الباطل مراداً على بال أحدٍ من المفسِّرين، وأكثر من يتقصَّى وجوهَ الإعراب أحمد بن يوسف السمين الحلبي [ - 756هـ] رحمه الله تعالى فقد ذكر هو وغيره وجوهاً كثيرة عن تعيين جواب {حَتَّى إِذَا}؛ فوجدت تلك الوجوه: إما باطلة لغةً مثل دعوى أن الواو زائدة في {وَفُتِحَتْ}، أو في {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا}؛ فهذا باطل في اللُّغة والشرع؛ فلا يوجد حرف أو كلمة زائدة، بل كل ما ادُّعيت زيادتُه فله معنى يستبينه الـمُستنبط الـمُتمكِّن.. وإما غير صحيحة المراد مثل تقدير (وقف خزنة الجنة منتظرين مجيئهم وفتحوها)؛ فهذا يأباه الشرع بالفتح قبل مجيئهم بقوله تعالى: {مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ} (50) سورة ص، ثم هو تقدير كثير لا دليل عليه، وهو مع هذا يُغيِّر النص مِن {وَفُتِحَتْ} إلى (وفتحوها)؛ فأهمل هذا التقدير مذكوراً، وأعمل غير مذكور.. وبعد كل ذلك فقول أهل الجنة {َقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} كان بعد استقرارهم في الجنة وليس عند فتح الأبواب؛ فسيتغيَّر المعطوف عليه؛ لأن المعطوفات قبل ذلك عن أحوال ما قبل الدخول.. وإما صحيحة في اللُّغة ولكنها لا تصحُّ في هذا السياق، ولا يصحُّ بدعواها تعيين جواب {حَتَّى إِذَا}، وذلك هو دعوى أن الواوَ واوُ الثمانية وأنكر ذلك غاية الإنكار العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى، وحُقَّ له ذلك؛ لأنَّ واوَ الثمانية تأتي على عادة العرب بعد أعدادٍ سبعةٍ مُفَصَّلة مثل قوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (112) سورة التوبة؛ فقوله تعالى: {وَالنَّاهُونَ} جاءت فيه الواو بعد سبعةٍ معدودة، وتسميتها واو الثمانية تجوُّز، وإنما هي (واو الثامن).. وقد تأتي بعد تفصيل بعض الأعداد من السبعة {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا} (22) سورة الكهف.. ثم إن واو الثمانية إذا صحَّ موقعها لا تُتِيح فرصةً لتعيين جواب (إذا)؛ وإنما - مِن أجل انتهاء عقد سبعة ــ تنقل السياق إلى العطف، ويظل العطف ساري المفعول بعدها إذا كان العدد أكثر من ثمانية كما في قوله تعالى: {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ} (112) سورة التوبة؛ وأما تقدير {حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ} فقد جمع خطأين: أوَّلهما حذفها في التقدير، وهذه دعوى بزيادتها.. وثانيهما أنه ليس هذا هو موضع واو الثمانية.. ووجدت التوفيق عند أبي جعفر محمد بن جرير الطبري [224 - 310هـ]، ومُعاصِرِه أبي إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج [ - 311 هـ]، ومَن تابعهما رحمهم الله تعالى، ويوجد فيمن سبقهما من لم يتعرض لإعراب الآية مثل علي بن حمزة الكسائي [ - 189هـ]، وأبي زكرياء الفراء [ - 207 هـ] رحمهما الله تعالى؛ فأعملوا الحذف المتعيَّن الذي هو صحيح في اللغة، كثيرٌ في نصوص الشرع، وحسبك أن تلاحظ سياق سورة يوسف..ال ابن جرير رحمه الله تعالى مقرِّراً قول مَن قال: إن الواو محذوفة مستدلاً بقول ابن مُقبل:

فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن

إلا توهُّمُ حالمٍ بخيالِ

فعلَّق ابن جرير بقوله: ((فيشبه أن يكون يريد (فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن)، ثم عقب على هذا بقوله: ((وأولى الأقوال عندي بالصواب قول مَن قال: (الجواب متروك).. [يعني مقدَّراً محذوفاً]، وإن كان القول الأوَّل غير مدفوع [يعني زيادة الواو].. ثم قدَّر (دَخَلوها) بعد {خَالِدِينَ}.. ولم يحتمل الزجاج رحمه الله تعالى غير تقدير (دخلوها)، وقال : ((وحُذِفَ لأن في الكلام دليلاً عليه)).

قال أبو عبدالرحمن: هذا هو الحقُّ المتعيِّن لثلاثة أمور:

أوَّلها: أن تقدير المحذوف مأخوذاً من السياق هو سنة الشرع، وسنة لغة العرب؛ لأنه مُتعيِّن قطعاً.

وثانيها: أن المعطوفات منذ {وَفُتِحَتْ} إلى {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} كل ذلك عن أقوالٍ وأفعالٍ قبل دخولهم الجنة، وما بعد ذلك، وهو: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ} قول بعد استقرارهم في الجنة؛ فامتنع عطف قولهم على الأفعال والأقوال قبل دخولهم الجنة؛ فتعيَّن العطف على مقدَّر بعد دخولهم وقبل استقرارهم.

وثالثها: أن المقدَّر المحذوف تعيَّن من ضرورة السياق ومن النص؛ فقد قال لهم خزنة الجنة آذنين لهم بدخولها: {فَادْخُلُوهَا}؛ فالمقدَّر من هذه المفردة الآذِنة لهم؛ وبهذا يتعيَّن بضرورة السياق كله أنهم دخلوها؛ فدخلوها جواب {حَتَّى إِذَا}، وقوله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ} معطوف على المقدَّر.. أي (دخلوها وقالوا)، ولا يحل لطالب علم أن يُلغي ضرورة السياق، ويُعمل ما هو صحيح في النحو ولكنه غير مراد، وأشنع من ذلك أن يُعمل ما هو غير صحيح كدعوى زيادة الواو، والذي حكم الإمام ابن جرير رحمه الله تعالى بأنه غير مدفوع!!.. وهو والله باطل مدفوع هو حذف الواو، ولا تَحِلُّ دَعوى زيادة حرفٍ أو كلمةٍ في كتاب الله لا معنى لها، وأما ضرورات الشعر فليست حجَّة على لغة العرب؛ لأنها تجاوزٌ من أجل الوزن.. على أن بيت تميم بن أُبَـيٍّ بن مقبل متعيَّن معناه بمحذوفٍ مقدَّر دلَّ عليه السياق؛ فالمعنى (فإذا إلمامك يا كبيشة ما هو إلَّا توهُّم حالم، وليس حقيقة)، وقوله: (وذلك) جملة استئنافية تفسيرية لإلمامها، و(فإذا) في البيت هي الفجائية وليست هي الشرطية، وأصح الأقوال أنها اسم للظرف زماناً ومكاناً، ولا تحتاج إلى جواب؛ ولكن الظرف لا بد أن يتعلَّق بعامل مذكور أو مُقَدَّر، و(إلمامك) المقدَّرة مبتدأ مرفوع، والخبر ما ذكره بأنه لم يكن إلا بالصفة التي ذكرها، وإلى لقاء، والله المستعان.

 

يُؤْخَذُ مِن عُمومِ اللُّغةِ خُصوصُ المُراد
ابو عبد الرحمن بن عقيل الظاهرى

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة