ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 16/08/2012 Issue 14567 14567 الخميس 28 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الاقتصادية

      

إن حقيقةَ نجاح المجتمعات وتفوُّقها يعود إلى اعتقادِ أفرادها أنه ليس هناك ما يسمَّى عملاً غيرَ مشرِّف، إذا ما كان هذا العمل يؤدِّي إلى رقيِّ المجتمع وصلاحه. ولو عُدنا بالزمن أربعةَ عقود فقط، لوجدنا أن معظمَ أفراد المجتمع في مختلِف الأعمار كانوا يُزاولون كلَّ الأعمال المِهنيَّة؛ من نِجارة، وحِدَادة، وسِباكة،وبناء، وغيرها،بكرامة وفخر؛ وهذا يعود إلى نظرتِهم إلى المجتمع بوصفه وَحدة متكاملة، بدءً بعامِل النظافة، مرورًا بالنجَّار والحدَّاد، وانتهاءً بالمدير والمهندس والطبيب، وكلُّ فرد-أيًّا كان عمله ونشاطه- له حقوقٌ مكفولة في هذا المجتمع ما دام يؤدِّي عملاً مشرِّفًا.

واليوم تغيَّرتِ الأمور، وأصبح يُنظَر إلى من يحترف عملاً مِهنيًّا على أنه دون الآخرين في المجتمع، وهذه النظرة السلبيَّة أوجدت لدى جيلِ اليوم ردَّةَ فعل؛ «فشرَّف» نفسَه بالجلوس في المنزل عاطلاً من العمل، وعالةً على أسرته ومجتمعه!

أُدرك أنَّ كلاًّ منَّا يطمح أن يكونَ في أعلى مراتب السلَّم الوظيفي، والجميع يريد أن يكونَ طبيبًا ومديرًا ومهندسًا ووزيرًا، ولكن علينا أن نكونَ عقلانيين وموضوعيين في تفكيرنا؛ وقد قال المتنبي قديمًا:

ما كلُّ ما يتمنَّى المرءُ يُدركُه = تجري الرِّياحُ بما لا تشتهي السُّفنُ

عندما يُخفق أحدُنا في تحقيق حلمه وطموحه في تخصُّص رفيع أو وظيفة مرموقة، فإن الحلَّ لا يكون في هجر العمل والبَطالة؛ إذ كلٌّ منَّا لديه من المواهب والطاقات ما يقودُه ومجتمعَه إلى أعلى مراتب المجد.

المشكلة أن هذه النظرةَ الدونيَّة لبعض المِهَن ظلمت كثيرًا من الشباب الذين يحبُّون مزاولةَ العمل المِهَني، ولكنَّ حُكم المجتمع السلبيَّ صرفهم عنه، مع غفلتهم عن حقيقة مهمَّة هي: أن العمل الطيِّب الحلال هو عبادةٌ قبل كل شيء.

وخير مثال نقتدي به لنغيِّرَ به من حالنا هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم الذي كان مثالاً يُحتذى في التواضُع ولين الجانب مع وفور الكرامة وعزَّة النفس، قال:((ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكلَ من عمل يدِه، وإن نبيَّ الله داود - عليه السلام - كان يأكلُ من عمل يده))؛ أخرجه البخاري.

فهو- صلى الله عليه وسلم- مَن رعى الغنم، ومَن شارك أصحابَه في حفر الخندق، وهو نفسُه من جالسه الأمراء والكُبَراء، فهل نَقَصَ ذلك من قدره ولو مقدار شعرة؟ لا والله! كان سيِّدَ ولد آدم، وظلَّ سيِّدَ ولد آدم، إنما هذه رسالةٌ منه لنا: أنه لا عيبَ فيما نقوم به من عمل، ما دمنا نبتغي به الخيرَ والصَّلاح.

أليس من المؤسف أننا نعيشُ في مجتمع وصلت البَطالةُ فيه بين الشباب إلى معدَّل لا يُستهان به، وفي الوقت نفسه تزداد أعدادُ الأيدي العاملة الوافدة إلى مجتمعنا بإيجابيَّاتها وسلبيَّاتها؟!

أعتقد أن الحلَّ هو العودة إلى تعاليم ديننا، وجعل قوله تعالى في مُحكَم تنزيله: {إِنَّ أكرَمَكُم عِندَاللهِ أتقاكُم} [الحجرات: 13]معيارًا للتفاضُل بيننا.

رُبَّ عاملِ بناءٍ لا يبني إلا ابتغاء مرضاة ربِّه، ورغبةً في نهضة مجتمعه، وجعله يظهر بأبهى صورةٍ أمام المجتمعات الأخرى- أفضلُ من مديرٍ خلف مكتبه الفاخر لا يقوم إلا بإصدار الأوامر التي تعيدُنا إلى الوراء.

علينا أن نتصالحَ مع أنفسنا، نُصلحها ونقوِّمها بالعَودة إلى تعاليم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، حتى نبنيَ مجتمعنا، ونرقى به إلى أعلى المراتب؛ فالمجتمعاتُ لا تُبنى إلا بأيدي أبنائها البرَرَة الأوفياء.

 

البَطالة.. عالة
د. خالد بن عبد الرحمن الجريسي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة