ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 18/08/2012 Issue 14569 14569 السبت 30 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أتوقع أن الكثيرين تابعوا مسيرة هذا الشاب العظيم من جنوب إفريقيا خلال الدورة الأولمبية الأخيرة التي عقدت في لندن هذا الصيف.. اسمه أوسكار بيستوروس (تذكروا هذا الاسم جيداً فهو رمز يستحق التخليد) فهو من أكثر المنافحين عن فكرة الحياة بلا محددات مهما كانت هذه المحددات.

ولذا بدأ الأمر بتحدي نفسه من خلال ممارسة رياضة الجري رغم أن كلتا قدميه مقطوعتان من عند الركبة وهو يستخدم أرجلاً غريبة الشكل للجري تم صنعها منذ عام 97 حين بدأ مشواره الرياضي كعداء بين أقرانه من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث تمكن من كسر المستويات القياسية التي كان يضعها لنفسه في مجال العدو السريع للمائة متر وللثلاثمائة متر، واستطاع التغلب عليها ثلاثين مرة.

وخلال أولمبياد لندن أتيح له أن ينافس مع العاديين للمرة الأولى في تاريخ هذه المنافسات بحيث أقلق بعض المنافسين الطبيعيين الذين بدأوا في نقد قرار اللجنة الأولمبية بإتاحة الفرصة له للتنافس من حيث إن أقدامه الصناعية هذه ربما هي التي منحته هذه السرعة الهائلة في الركض ! وهو ما يعني أن عجزه الذي كان يمكن أن يكون أكثر المحددات له للممارسة رياضة الركض أصبح هو العامل الذي يهدد الآخرين من الطبيعيين.. كيف يمكن لنا أن نصل إلى هذه القوة لو أردنا؟.. فما الذي حدث بعد ذلك؟.. نجح هذا الرجل في مشاركة الطبيعيين في سباق 400 متر وحل في المرتبة الثانية في ذلك السباق؛ معجزة حقيقية..!.

تخيلوا لو أن أوسكار ولد بيننا؟ ما الذي كان سينتهي إليه؟.. هل سيتخيل أيّ منا كوالدين طفل تم بتر كلتا قدميه من الركبة لكننا سنربيه بطريقة تجعله يتفوق في ذات الشيء الذي هو رمز لأعاقته؟.. هل نتصور أيضاً حجم الإمكانات التي وفرتها بلا شك المؤسسات الحكومية والتطوعية لدعم روحه وإيجاد بدائل تتيح له التعبير عن قدراته.. في مقابلة معه بثت في نهاية يوليو تحدث أوسكار حول فكرة ما يسميه (ستيت أوف مايند) أي كيف يتشكل عقلنا ليحدد مقدار ما نستطيع الوصول إليه: في حديثة أشار إلى أنه ومنذ الصغر لم يشعر خلال نموه أو من والديه بأنه عاجز أو معاق أو أنه لا يستطيع فعل شيء يفعله بقية الأطفال. لم يكن في قاموس والدي شيء أكبر من قدراتي. يجب أن تعمل بجد واجتهاد لتحقيق هدفك وتطلب الوصول إلى ما أنا فيه إلى عمل يومي جاد من التدريب المنضبط الذي لا يعرف التراخي أو التعب.

هناك إذن حِكم عظيمة نقطفها من تجربة هذا الرجل.. وأولها هو الموقف الثقافي من أصحاب الاحتياجات الخاصة.. لاحظ كيف نتصرف ويتصرف أطفالنا حين نري طفلاً أو كبيراً ممن لديهم بعض الاختلافات عن ما نراه (طبيعياً) سواء في الشكل الجسماني أو التصرف فنبدأ بطريقة أو أخرى بالتطلع الشغوف والعيون التي تلاحق كل ما نراه (نقيصة) ليس لأنه فعلاً نقيصة أو سيئ بل فقط لأنه مختلف عما عهدناه.. ونحن أصعب ما يكون في الحكم على من هو مختلف؟.. هل لديكم طفل أو كبير مختلف قليلاً عن (ما يجب)؟. فكروا وتأملوا كيف يعامل في الأماكن العامة وفي الشارع ومن أطفال مدرسته ومن أقاربك ومن رجال العائلة ومن أعمامه أو أخواله إلخ من القائمة العائلية التي لا تنتهي!

دعم الوالدين هو العامل الثاني الذي تحدث عنه كل طفل أو كبير قرأت عنه ممن يعانون من احتياجات خاصة.. إيمان الوالدين (كلا الوالدين وليس الأم فقط كما نعهد في معظم نماذج مجتمعنا) هو عامل أساسي ليتفوق الطفل على نفسه واختلافه الذي ربما يثبت لاحقا كما حدث مع هذا العداء الجنوب إفريقي بأنها هي التي أوصلته للعالمية وليس العكس وعملهما الدائم والجاد والمباشر مع الطفل هو ما يثمر وهو تماماً عكس ما تفعله أسر سعودية كثيرة للأسف أراها في كل مكان: ترمي طفل الاحتياجات الخاصة للعاملة المنزلية حتى تتفرغ الأم لواجباتها الاجتماعية في عيادة فلانة وعلانه ويتفرغ الأب لاستراحته كل يوم بعد الظهر (بعد إرهاقه) من حمي العمل خلال النهار!! (مسكين).

العامل الثالث الذي أثبت جدواه في نجاح هؤلاء الأطفال هو العمل الجاد. نعم قد نكون من ذوي الاحتياجات الخاصة أو من العاديين لكننا جميعاً نحتاج إلى أن نصرف ساعات عمل طويلة ومرهقة في التدريب الملتزم الذي لا يعرف التراخي أو الشفقة إذا أردنا ان نحقق الاختلاف الذي نطمحه في أدائنا. وهي القيمة التي أشك أن العاديين قد يؤمنون بها فكيف سنتيحها لطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة؟.

نحتاج إلى مواجهة حقيقية مع كافة تحزباتنا وعنصريتنا وخاصة تلك التي تقضي على صغارنا المختلفين وكم رأيت هذا النداء في عيون أمهات هؤلاء الأطفال؟ كل عام ونحن جميعاً بخير.

 

انتصار ذوي الاحتياجات الخاصة في أولبياد لندن 2012.. أوسكار بيستوريوس نموذجاً
د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة