ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 18/08/2012 Issue 14569 14569 السبت 30 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

من أكثر الكلمات تكراراً في خطب ووعظ المسلمين مصطلح فتنة، وقد صار يُطلق على أي شيء يثير الإنسان، ويجعله في وضع قابل لردة الفعل، وقد وصف الله عز وجل الفتنة بالابتلاء، وأن الإنسان يتعرض للافتتان، ويكون ذلك بمثابة الامتحان الذي إن حدث، عليه مواجهته بحكمة وسلوك متزن، وقد اختلف إرث فقهاء المسلمين في كيفية معالجة الفتنة، وهل يكون ذلك بمنع أو حجب مصادرها، أو بإخمادها ولو احتاج الأمر للسلاح والتعسف أحياناً!، أم أن الحل الأمثل يكون أنجح بالمعالجة والحكمة التي لا تؤدي إلى الكبت والحرمان الذي يولد الانفجار.

كانت الرؤية الفقهية لفتنة وجه المرأة الجميل في أن تتحجب المرأة وتخفي فتنتها، وكان ذلك في أوقات مضت مصدراً للافتتان والخروج عن السلوك المألوف، ولم يعالج قرار حجب الوجه الفاتن تلك الرغبة المهووسة في التفتيش عن وجه المرأة، بل تحول المجتمع إلى مطاردات من أجل أن يرى أحدهم وجه امرأة، لكن الكبت السطحي لمفهوم الفتنة الأنثوية ولّد في النهاية الانفجار الكبير، والذي أدخل الصورة بكل أبعادها وتفاصيلها المباحة وغير المباحة إلى داخل البيوت، ومن خلالها خرج المجتمع إلى غير رجعة من مفهوم الفتنة بأبعادها الأنثوية، ودخل عالماً جديداً لا يعترف بالحجب والستر كوقاية من الفتن الغرائزية، ولكن صار يهوى البحث عن فتن أخرى، ذات أبعاد مختلفة.

في فترة لاحقة كان الموقف العدائي ضد الآخر والأفكار الجديدة أمراً مقدساً، بل كان لكل فكر ومذهب آخر صورة انطباعية في غاية السلبية، فكان المخالف للعقيدة الصحيحة بمثابة الشيطان الذي يحمل الكراهية والحقد ضد الإنسان الحق، ودرءاً للفتنة تم وضع جدران وحيطان ضد كثير من الأفكار القديمة والمحدثة، لتخرج فتاوى تحرم الاطلاع على كتبهم، وتمنع القراءة خارج المنهج، وكان الغرض الاتقاء من الفتنة في المجتمع واتباع أصحاب الهوى، وكان الالتزام يعني مقاومة تلك الرغبة الجامحة لمعرفة أفكار المخالفين من الطوائف الأخرى أو المذاهب الفلسفية والاقتصادية والسياسية.

كانت متابعة الأفكار الدخيلة وملاحقة أصحابها من الجهاد المقدس، وكان العقاب أن يتم التشهير بهم، ثم المطالبة بإنزال أشد العقوبات ليكونوا عبرة لغيرهم، لكن ذلك التحوط لم يصمد كثيراً، وأصبح المجتمع المسلم في الزمن الحاضر أقرب للاعتراف بالتعددية، وبأن مشروعية الاختلاف قد تكون مصدراً للطمأنينة والاستقرار، وليس سبيلاً للفتنة والتشرذم، وأن المجتمعات التي تفرض المماهاة والتوحد القسري تحت مظلة فكرية موحدة، تكون نتيجتها النفاق الاجتماعي الذي لا يتواءم مع العلاقات الطبيعية والمتكافئة بين أفراد الوطن الواحد.

ما حاولت أن أتطرق إليه أعلاه أحد الطرق التي مهدت لحالة الربيع العربي، والتي كسرت الجماهير خلالها القيود، وأصبحت تتحدث في جهر وعلانية عن حقوقها الطبيعية، وقد اختلف العرب في كيفية مواجهتها، وهل يدخل ذلك الخروج في مصطلح الفتنة التي يجب محاربتها وإخمادها درءاً للقلاقل والفتن، أم أن الأمر لا يختلف عن الفتن الأخرى التي انتهت بنجاح الخروج من أسوار الكبت إلى مراحل أكثر إيماناً بالحرية، وأن مواجهة الفتن قد يكون أسلم بالحكمة والاتزان، وقبل ذلك أن تجيد السلطات استرقاق السمع إلى ما يريده الناس من حقوق، قبل أن يتحول ذلك البوح المؤدب إلى فتنة جامحة.

 

بين الكلمات
فتنة الربيع العربي
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة