ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 18/08/2012 Issue 14569 14569 السبت 30 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

قراءة في قصيدة «سبعون» لمعالي الدكتور عبد العزيز خوجة

رجوع

 

نعيد نشر مقالة د. محمد الجنباز، وذلك لوقوع أخطاء في الأبيات المنشورة لقصيدة (سبعون)، نعتذر للكاتب والقارئ ولمعالي الشاعر د. عبدالعزيز خوجة.

كثر في العصر الحديث إذا ما بلغ الشاعر سن السبعين أن ينفح قراء الشعر قصيدة بهذه المناسبة، يجعل فيها جماع تجربته منذ أن قرض الشعر إلى هذه المرحلة العمرية التي يرى فيها أنه نضج مكتملاً شعراً وتجربة حياة، أو يبث فيها معاناته وأشجانه، وأنه آن له أن يترجل ويستريح من عناء السنين وما حمل خلالها من هموم الأدب ومساراته، أو ما تعانيه الأمة من مشكلات وما تلاقيه من سهام الأعداء وتحدياتهم التي لا تسكن مع الإشادة بماضيها وما كانت عليه من المجد والسؤدد وأمنيات العودة لهذا الماضي المشرق، ومن عدم فهم المجتمع أو بعض الأصدقاء لرسالته التي يتبناها.

ذلك كان منهج أكثر من كتب قصيدة السبعين، ولن أكثر من النماذج فأمامي قصيدة الشيخ عبد العزيز الرفاعي، وقصيدة الدكتور غازي القصيبي -رحمهما الله- فالشيخ الرفاعي بتواضعه الجم لا يعد نفسه أنه قد أعطى للأدب شيئاً يُذكر، وخميسيته الذائعة الصيت تشهد بأنه قد أثرى بها ساحة الأدب والشعر المعاصر لأكثر من ثلث قرن وقصدها القاصي والداني فكانت شامة في جبين الرياض لا تدانيها أية ندوة أدبية أخرى معاصرة -إلا ما قيل عن ندوة الشيخ عبد المقصود خوجة- وفيها الحنين للأصحاب وقد فرقهم الزمن بين بعيد أو مغيب بالموت، يقول الشيخ الرفاعي في قصيدته «سبعون»:

سبْعونَ يا صَحْبي، وجَلَّ مُصابُ

ولدى الشَّدائدِ تُعْرفُ الأصحابُ

سبعونَ يا للهوْلِ أيَّةُ حقبةٍ

طالَتْ، ورَانَ على الرَّحيقِ الصَّابُ

سبعونَ ظَنَّ أَحبَّتي أني بها

أُعْلي القِبابَ، وما هُناكَ قِبَابُ

أنا مَنْ بَنَيْتُ عَلى الخَيالِ قَوَاعِدِي

فتَصَدَّعَتْ وانْهارتِ الأطْنابُ

إنِّي لدى التعريفِ رُبْعُ مثَقَّفٍ

صَحِبَ الكتابَ فلَمْ يَخُنْهُ كِتابُ

وأما الدكتور غازي القصيبي فأنكر نفسه لما بلغ السبعين، لأنه شعر بالضعف بعد القوة، وبالهرم بعد الشباب، وبدنو الأجل.. ربما هذا الإحساس لمعاناته من المرض، فقال:

ماذا تريدُ من السبعينَ.. يا رجلُ؟!

أوّاه! سيدتي السبعونَ! معذرةً

لا أنتَ أنتَ.. ولا أيامك الأُولُ

إذا التقينا ولم يعصفْ بيَ الجَذَلُ

جاءتك حاسرةَ الأنيابِ.. كالحَةً

قد كنتُ أحسبُ أنَّ الدربَ منقطعٌ

كأنّما هي وجهٌ سَلَّه الأجلُ

وأنَّني قبلَ لقيانا سأرتحلُ

وهكذا كان اليأس قد أخذ منه كل مأخذ متندماً على الشباب وعلى فقد الأصحاب لكنه كان ممتلئ النفس بالإيمان راضياً بقضاء الله ممتثلاً لمشيئته:

تباركَ اللهُ! قد شاءتْ إرادتُه

واللهُ يعلمُ ما يلقى.. وفي يدِه

ليَ البقاءَ.. فهذا العبدُ ممتثلُ!

أودعتُ نفسي.. وفيه وحدَه الأملُ

فهذا السبيل لكلا الشاعرين من استعجال الموت نهى عنه أهل العلم لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي».

ويختلف عن الشاعرين الرفاعي والقصيبي الدكتور وجيه البارودي شاعر حماة الذي كان له نهج آخر، فقد شعر أنه لما بلغ السبعين وهو صحيح معافى أنه بهذا قهر الزمن وتحداه بما امتلك من صحة ونشاط، فجاء في قصيدته التي ألقاها بهذه المناسبة:

تقادم العهد لا يسري علي كما

يسري على الناس إني قاهر زمني

فكان علماني المعتقد بعيداً عن فهم المنهج الإسلامي بأن الله تعالى قد حدد الأعمار؛ بل إنه تعالى قد حدد لكل جنس من مخلوقاته سنين من العمر لا يتعدونها إلا نادراً، وأن الإنسان إذا تجاوز الحوادث والأمراض القاتلة فإن الهرم أو الشيخوخة هي التي ستقضي عليه مع فارق مدتها بين شخص وآخر.

بيد أن الدكتور وجيه البارودي الذي اشتهر بأنه طبيب الفقراء، حيث يداويهم دون مقابل مادي حتى في بيوتهم عندما تستدعي الحاجة حضوره، ولعل دعوة مخلصة من أحدهم أصابته فنزع عباءة العلمانية وتوجه في شتاء عمره للحج فأدى هذه الفريضة قبل أن يلقى ربه عن عمر ناهز التسعين عاماً.

أما قصيدة «سبعون» للدكتور عبد العزيز خوجة فتختلف في مسارها عن النماذج التي قدمناها، فهي بوح نفسي وتفريغ لهموم أثقلت صاحبها ولجوء إلى من بيده العفو والصفح عما سلف من أخطاء - وابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون- ولا غرو في هذا البوح وقد نهج هذا المنهج عدد من الشعراء خصوصاً المتصوّفة منهم كالبوصيري وابن الفارض والسهروردي وابن الخيمي.. وقد تكون القصيدة النموذج المصغّر لرباعيات الخيام التي انتهت بالتوبة الصادقة ورجاء العفو من الخالق الحكيم.

يمكن لنا أن نجد في قصيدة الدكتور خوجة المحاور التالية:

- النفس الراضية بما قدّر الله وكتبه مع طلب العفو والصفح عمّا سلف.

إنّي لقيتُك يا سبعونَ مبتسماً

راضٍ بما قد مضى راضٍ بما قُسَما

لم أَشْك من نَصَب قد مرّ بي حِقبا

وما بكيتُ على عُمرٍ قد انصرما

لم يبقَ لي غيرُ عفو الله أطْلبه

ورحمةً منه أرجوها ومعتصَما

وكلّ ما حلّ بي كربٌ على أُفُقي

أدعوه يُذهب عنّي الكربَ والسَّقما

- مسيرة الحياة للإنسان لا تخلو من صواب وزلل، مع يقظة القلب في السبعين وطلب الصفح، وانكسار صبوته وخمود نار غرامه..

أوَاه كم حَمَلتْ سبعون من زللٍ

كم يرحمُ اللهُ مِنْ ذَنبٍ وإنْ عظما

ربّاه إني على الأبواب ملتجئٌ

مالي سواك تقبَّل عبدَك الهرِما

لم يبقَ في القلب لا ليلى ولا رغدٌ

أمّا روانٌ فما راعتْ لنا ذِمَما

- اتهام النفس الأمَّارة بميلها بصاحبها إلى الهوى, والهروب من هذا الماضي المزري بصاحبه ونسيانه.

إنّي سهَرتُ الليالي في الهوى أَثِماً

أصدّقُ الزيفَ وعداً كان أو قَسَما

أكلّما قلتُ أَنسى صِرتُ أذكرهُ

وصاح شوقٌ قديمٌ فزّ واضطرما

كأنه في خلايا القلب مسكنُه

أهواهُ إنْ عدلا، أهواهُ إن ظَلَما

وكلّما طاب جرْحٌ نزّ إخوتُه

وثار جَرح جديدٌ غار ما الْتَأما

- الاغترار بالعلم ولوم النفس على هذا المسلك، فالسير وراء السراب جهل.

قد كنتُ، كم كنتُ مغروراً بمعرفتي

حتى حَسِبت بأنّي أبلغُ القِمما

ما كنتُ أعلم أن الدربَ خادعةٌ

حتى إذا أومأتْ سِرنا لها قُدُما

إن الذي خلتُه في القفر ملتجأً

كان السرابَ وكان الجَدبَ والعَدما

- مزالق الهوى وسجل الحياة المخيف الذي كدرته الشوائب مدوّن في سجل الله.

يا حاديَ الوهم كم زلّت بنا قدمٌ

وكنت أحسب أني أَبلغُ السُّدُما

سبعون مرّتْ بما فيها كثانيةٍ

أوراقُها سقطتْ والغصنُ ما سَلِما

لكنّها في سجلِّ الله قد كُتبتْ

أَحصى دقائقَها ما جدّ أو قَدُما

لكن شاعرنا نسي أن الحسنات يذهبن السيئات يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ، فالتوبة النصوح تجبّ ما سبق من وزر خلا أوزار أكل المال وسفك الدم.

- الخوف والرجاء بالندم عمّا سلف باللجوء إلى الله طالباً العفو والصفح منه.

إنّي أتيتك يا ربّاه من ظُلَمٍ

أرجو بنورك أن تُجلي ليَ الظُلما

إنّي اعترفت فهبْ لي منك مغفرةً

أنت الحليمُ على من ضلَّ أو أَثِما

أرجو مِنْ الله يمحو كلّ معصية

ويقبلُ الله عبداً تاب أو نَدِما

ثم الصلاة على الهادي وعُتْرته

والآلِ والصّحب من أهْدوا لنا القِيمَا

الالتجاء إلى الله بنفس منكسرة تبدي التوبة والندم في ذل وخضوع لله تقرب التائب من ربه وتغسل أدران المعصية، فما أروع النفس التي تؤوب إلى الخالق وتنضوي تحت جناح الرحمة راجية مستغفرة، والله هو الغفور الرحيم لا يرد عبداً قصده، ومن يغفر الذنوب إلا الله؟

أرى أن هذه القصيدة تحمل رسالة لكل مسلم في مراجعة النفس والتوجه إلى الله بالتوبة والعمل الصالح، فالأمور بخواتيمها، وقد جاءت من رجل كبير في منصبه ندي في شعره وما منعه هذا من ذرف دموع التوبة والانكسار أمام خالقه وبارئه ليعلن أنه الفارّ إلى الله الهاجر للذنوب الراجي عفو ربه.. ويبقى أن القصيدة أدبية رائعة، انسيابية سلسة بأسلوب سهل ومن شاعر متمكّن.

 

رجوع

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة