ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 21/08/2012 Issue 14572 14572 الثلاثاء 03 شوال 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

عندما أعلن المفكر الأميركي الياباني الأصل فوكوياما عن نظريته (نهاية التاريخ) التي يرى فيها أن العالم انتهى حضارياً إلى النموذج الليبرالي الغربي، وأنه لن يظهر نموذجاً حضارياً آخر ينافسه! عندما أعلن ذلك عام 1989م من خلال مقال صحافي طوّره إلى كتاب عام 1991م،

بعنوان: (نهاية التاريخ والإنسان الأخير)، كان فوكوياما تحت تأثير تفوق الحضارة الغربية، ويرى سيادة نظمها ودولها على مستوى العالم، خصوصاً عقب سقوط الشيوعية في معقلها الروسي وانتصار الغرب الرأسمالي في الحرب الباردة. وبغض النظر عن بعض المصادر التي تشير إلى تراجع هذا المفكر الليبرالي حول نظريته، إلا أن ذلك لا يمنع من افتراض موضوعية هذه النظرية على الأقل من زاوية واقع الحضارة الغربية اليوم وتجربتها الإنسانية عبر التاريخ، التي اعتمدها برهاناً للتفوق الحضاري، واعتبر نموذجها الليبرالي نهايةً التاريخ، وبالتالي إمكانية مناقشة صحة هذه النظرية بطرح بعض التساؤلات.

بتقديري أن المعيار الحقيقي لمناقشة أي قضية أو نظرية لها علاقة بالحضارة أو المدنية أو الثقافة، هو البعد الإنساني فيها، أي (الإنسان) وما يتعلق بكرامته وحقوقه ورفاهيته، أو بمعنى أدق مدى ما تحقق للإنسانية في التجربة التاريخية للحضارة الغربية وواقعها المعاصر، بصيغة أخرى: ماذا قدمت هذه الحضارة للعالم بعد أن تولت قيادة مركبه الحضاري بشكل فعلي بدايةً من العصر الحديث؟ الذي ُيؤرخ له بمطلع القرن التاسع عشر الميلادي، وتحديداً تاريخ انعقاد مؤتمر فينا عام 1814م، على خلفية انهزام القائد الفرنسي نابليون بونابرت في حروبه الأوروبية.

ليس خافياً أن الغرب بدأ احتكاكه بالأمم الأخرى ومحاولة نقل تجربته الحضارية لشعوبها، بعد دوران عجلة الثورة الصناعية في أوروبا، وبالذات عقب الكشوف الجغرافية الأوروبية، التي بدأت في القرن الخامس عشر الميلادي وأسهمت بشكل كبير في فتح شهية الاستعمار الغربي لغزو مناطق كبيرة من العالم، كالهند وجزر الفلبين والصين والأمريكيتين وسواحل وبلدان العالم الإسلامي في ظل تراجع قوة الدولة العثمانية، بحثاً عن المواد الخام ونهب خيراتها الطبيعية وفرض فائض المنتجات الأوروبية عليها مع تكريس قيم التغريب وبث إرساليات التنصير، حيث أخذ هذا الاستعمار أشكالاً متعددة فتارة يظهر باسم الانتداب وتارة أخرى تحت مزاعم حماية شعب معين أو أقلية ما، بينما كان يمارس القمع والهمجية، وكذلك الإبادة كما حدث للهنود الحمر في أميركا، الذين تقلص عددهم من 110 ملايين إلى أربعة ملايين. يوازي ذلك قيام أبناء الحضارة الجديدة في إشعال الحروب، فكانت النتيجة حروب إقليمية رفعت مبيعات السلاح الغربي كحرب فيتنام والبلقان والكوريتين والخليج، وحروب عالمية (الأولى والثانية) ذهب ضحيتها الملايين، ناهيك عن نيل الغرب قصب السبق في قتل الأبرياء بالقنبلة الذرية عام 1945م، ومن لم يسلم من الحرب هنا وهناك وقع تحت طائلة تجارة الرقيق، التي ازدهرت لدى الغربيين لمدة تتجاوز خمسة قرون، تم فيها استرقاق قرابة 210 ملايين أفريقي.

ولأن الحرب مرتبطة بالناحية الاقتصادية فقد كان لقادة الحضارة المعاصرة مواقف غير إنسانية إزاء الشعوب الفقيرة أو المجاعات المهلكة، التي تقع على مستوى العالم، فبينما يجوع الإنسان الأفريقي حتى الموت كان فائض إنتاج المحاصيل الإستراتيجية كالقمح والأرز ترمى في البحار للمحافظة على أسعارها في البورصات العالمية. في ذات الوقت يُنفق الغربيون الملايين في أدوية الحمية ومقاومة التخمة، وبينما البحوث الطبية وصناعة الدواء تُسهم في حماية الإنسان وصحته كانت الممارسات السلبية والعبث بالفيروسات تهدد سكان العالم بأوبئة ذات مصادر مخبرية.

أيضاً في الجانب الاجتماعي أظهر الغرب (المتحضر) انحطاطه الأخلاقي بالإنسان، ففي ظل هذه الحضارة المادية شهدت منظومة القيم الاجتماعية انقلاباً تاماً على الفطرة السوية بسبب تبديل مفهوم الحريات العامة وفتح أفاق العلاقات المحرمة، ما أدى إلى انهيار مؤسسة الأسرة، ووجود شرائح اجتماعية شاذة ُتعقد لها المؤتمرات وتؤسس لها المنظمات، خاصةً في ظل الإنتاج السينمائي الضخم للأفلام والبرامج والمسلسلات، التي تهدف إلى تسليع الإنسان وبالذات المرأة وتحويلها إلى متعة متعددة الاستخدام.

فهل استعمار الشعوب بحجة نشر الديمقراطية عملاً حضارياً؟ وهل نهب خيراته بدعوى تنميته عملاً حضارياً؟ وهل إشعال الحروب العالمية وبيع الأسلحة على المتحاربين في الصراعات الإقليمية عملاً حضارياً؟ وهل استخدام الأسلحة المحرمة عملاً حضارياً؟ وهل حرمان الشعوب الجائعة من فائض المحاصيل الدولية عملاً حضارياً؟ وهل الإنتاج الفني الذي أدى إلى الانهيار الأخلاقي وقلب منظومة القيم الاجتماعية عملاً حضارياً؟ وهل عقد المؤتمرات وإنشاء المنظمات لدعاة وممارسي العلاقات الشاذة عملاً حضارياً؟ وهل العبث بالبيئة ومناخ العالم عملاً حضارياً؟ وغيرها من الأسئلة، التي تحمل إجابات إدانة لحضارة شقاء الإنسان.. هذا الإنسان الذي اختار أن يترك منهج الله سبحانه وتعالى إلى مناهج وضعية ابتكرها الفلاسفة، وصدقها المثقفون، وتبناها السياسيون، وطبقها العسكريون، فكانت حضارة الغرب بنموذجها الليبرالي ومازالت مرحلة مظلمة في المسيرة الإنسانية، رغم أنها تحمل كثيرا من الجوانب المضيئة، ولكن المشكلة في طغيان المادة على الروح، وسيادة العلم على حساب الإيمان، وجعل اللذة والمنفعة هما مرجعية الأخلاق والتصرفات.

kanaan999@hotmail.com
تويتر @moh_alkanaan
 

تساؤلات إنسانية حول الحضارة الغربية!
محمد بن عيسى الكنعان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة