ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Wednesday 22/08/2012 Issue 14573 14573 الاربعاء 04 شوال 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ

بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ

أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ

فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ

يا سَاقِيَيَّ أماء في كُؤوسكُما

أمْ في كُؤوسِكُمَا هَمٌّ وَتَسهيدُ؟

منذ وعينا ذلك الوعي المدرسي المبكر على أن الوطن العربي لم يخلق مجزءاً ولكن تقطعت أوصاله قبل أن نولد بعقود على يد قوى أجنبية غربية طامعة به إما جغرافياً أو موارد, ونحن نسمع الكبار من المشرق إلى المغرب ومن جدة إلى وجدة، ومن وهران إلى طهران, يرددون في كل عيد “عيد بأية حال عدت يا عيد” وهو الشطر الأول من مطلع قصيدة المتنبي التي تحمل معاني أبعد وأعمق من حشرها في زاوية هجاء كافور.

وما لبث أن اتضح لنا ولم نشب عن الطوق بعد إلى أن شابت رموشنا أن ذلك السؤال سيظل، بصيغته التنهدية التي لا يشبهها إلى بكاء عبدالله الصغير على ربوة التنهدات يوم سقوط غرناطة, قدرنا ما لم نقدر أن نغير ما بأنفسنا. وبما أنه في كثير من محاولات التغيير لم ينجح أحد, فقد صار عدد من الأجيال مثل سابقيهم يرددون في كل عيد بنفس النفوس المتحسرة: عيد بأي حال عدت يا عيد.

إلى أن أطل الربيع العربي فعرضنا تقرحات الحناجر من التنهدات الحرى إلى الهواء الطلق وأنشدنا بشكل جديد ذلك الموشح الأندلسي الشجي: “جادك الغيث إذا الغيث هما يا زمان الوصل بالأندلس... قد قضينا نبذل الخير وما.. نامت الأعين عند الغلس... إننا مجد وعز.. إننا عائدون أمتي لا تيأسي. فالحبيب الحر يسعى للحبيب... فجرنا يا أمتي صار قريب.”

ولكن بقدر ما جاء عيد العام الماضي محملاً برمان الأمل مترعا باندلاعات الربيع العربي نحو غد مغاير يخرج على حالة التشظي والهوان والانكسار، بقدر ما يأتي عيد هذا العام مترنحاً يقدم خطوة ويؤخر أخرى تحت وطأة الألم الفادح من تحويل المطالبات السلمية بإصلاح الحال إلى احتمالات خطرة تحول الجال إلى حالة من الحرب المروعة ذات المدى المفتوح في الزمان والمكان.

فبينما كانت أعداد من الأجيال على امتداد العالم العربي, وخاصة الأجيال الحالمة بالحرية والكرامة والعدل والتي شربت طويلاً من كؤوس أضدادها, تشعر العام الماضي بنشوة رد الاعتبار للعيد بعد أعوام من أعياد الهزائم الوجدانية والسياسية والعسكرية, فإنه ليس منها اليوم إلا ويشعر بعودة الغصة القديمة التي ظن الكثيرون أن الشعوب قد ودعتها وواعدت المستقبل بالشفاء منها. كما أن ليس منها إلا ويشقى اليوم بوسواس الأسئلة.

كيف لا نقول عيد بأي حال عدت يا عيد ولحم الأطفال الحر يشوى طازجاً على الهواء ويتطاير على الشاشات إلى الجهات الأربع من الأرض، ووجوه النساء تعلجها النيران عبر الفضائيات صباح مساء وقامات الشباب ينهشها الرصاص والأشباح لأكثر من عام. وليس من أحد يضع حداً لحريق سوريا أو يعرف مداه في الزمان أو المكان. كيف لا نكتوي بحرقة السؤال, وليس من أحد يعرف المعارضة من الفلول في غير مكان من عواصم العالم العربي فيما تبعد الشعوب التي خاطرت بأرواحها عن المشهد السياسي وتتصدر الصورة نخب ليس لها خبرة وطنية تستوعب التعدد والحاجة إلى التجدد خارج تواريخ حزبية مقموعة وقامعة.

كيف بربيع يختطف من أيدي الملايين التي كانت أسرجت شموسه بسلام.. طلباً للعدل والحرية والسلام فيفرق دمها وتحول أحلامها فيه وشبابها الذي أقدم عليه إلى حطب لحرب مدمرة تخلط فيها الأوراق وتذل فيها القيم الإنسانية التي قام الربيع من أجل إحلالها محل الظلم كما لم تذل إلا في حروب هولاكو وهتلر والعراق وفيتنام. كيف برياح جنون أعمى يقصف أعناق الربيع ويطفئ البصائر والإبصار نحو إشعال المنطقة بأبشع أشكال التعصب الطائفي والمذهبي والعشائري لمزيد من التشظي والاقتسام وليس من فرقة ناجية ولا من سعد لينجو، فالكل ما لم يوقف الطوفان الطائفي بأنواعه هالك لا محالة لا سمح الله.

ليست هذه مرثية للعيد وليست تأبين للربيع العربي ولكنها محاولة للاحتفاظ بحاسة الأسئلة وشجاعة التصريح بها. خاصة وقد تابعت معظم ما كتب من تحليلات ليس منها مثل مقالي هذا ما يستطيع أن يجزم باتجاه ما أردناه غيثاً بعرق الجبين فإذا بعضه بين الرجاء واليأس في ألا يصير سراباً بواحاً، وبعضه الآخر صار وابلاً دموياً يخشى أن يحول تحولاً تاماً إلى حجارة من سجيل. وفي قلق السؤال يصح البيت الثالث من قصيدة المتنبي:

يا ساقييّ أماء في كؤوسكما

أم في كؤوسكما هم وتسهيد

عيد والعيد لا يكون عيداً إلا بالعدل والحرية والسلام..

فسلااااااااااااام،،،

Fowziyaat@hotmail.com
 

وسواس الأسئلة
د.فوزية أبو خالد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة