ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Wednesday 22/08/2012 Issue 14573 14573 الاربعاء 04 شوال 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

      

بسبب الاحتكاك المباشر وأبواب الحوار المفتوحة بين بشر مختلفين في العقائد والمذاهب والخلفيات الحضارية، تبلور لدى المسلمين في الشتات فهم أفضل وأقوى وأكثر قدرة على الإقناع للإسلام، مما هو موجود لدى المسلمين في بلاد الإسلام الأصلية.

كنت قد استنتجت ذلك مما شاهدته وسمعته في الغرب الأوروبي من خلال الندوات والمحاضرات والحوارات الحرة المفتوحة. ترسّخت قناعتي أكثر، بعد متابعتي لبعض الحوارات بين مسلمي أمريكا مع غير المسلمين هناك. أتباع الديانة الإسلامية الأمريكيون من ذوي الأصول الأفريقية، أي أحفاد الرقيق القديم المجلوب عنوة من إفريقيا إلى أمريكا، يقدمون اليوم فهماً وشرحاً وحواراً عن الإسلام، أفضل وأشد إقناعاً مما يقدمه الدعاة العرب والباكستانيون والهنود والأفارقة.

في يوم عيد الفطر المبارك، استمعت إلى حوارات متنوّعة قدمتها قناة الحرة بين ناشطين مسلمين أمريكيين ذوي أصول أفريقية قديمة. جذبني إليهم تعلُّقهم الشديد بكل تراثهم القديم قبل الاسترقاق، بما في ذلك العقيدة والأغاني والموسيقى والحكايات المتوارثة من أجداد الأجداد إلى أحفاد الأحفاد. يقولون على سبيل المثال: إنّ أغاني موسيقى البلوز الزنجية الحزينة ذات أصول أفريقية إسلامية قديمة من تمبوكتو في مالي، وتحوّلت إلى تأوهات غنائية وموسيقية بسبب الآلام التي تحملتها أجيالهم الأولى خلال الرحلة الطويلة تحت الرق والاستعباد وامتهان الكرامة الإنسانية.

النتيجة هي أنه تكوّن لدى المسلمين السود في أمريكا، مفهوم عميق للعدالة في التشريع الإسلامي، وتشبُّث حقيقي بمبدأ التسامح والحوار في الإسلام، وهو موقف إيماني أَصيل صقلته رحلة طويلة من المعاناة والآلام والظلم. في أمريكا أصبح الأقرب إلى الاحتمال أن يدخل داعية مسيحي مع داعية مسلم أمريكي أسود في حوار أديان، فيخرج بقناعات ثرية وإيجابية عن الإسلام، لكنها تختلف كثيراً عن انطباعاته حول المسلمين أنفسهم في الديار الإسلامية، وعن قناعاته أيضاً نتيجة لحواره مع داعية مسلم عربي أو هندي أو باكستاني أو أفريقي مهاجر.

ترى ما هو السبب؟. السبب كما أراه في منتهى الوضوح. الداعية العربي والباكستاني والهندي والأفريقي، حين يمارس الدعوة سواء في دياره أو في الغرب، ينطلق من نفس المفاهيم والقناعات التي اكتسبها في بلاده الأصلية، وهي الدعوة إلى العقيدة من خلال المذهب الذي يعتنقه. هذا الداعية في الخارج هو امتداد للداعية في الداخل، ويمارس عقلية التصنيف والترتيب والاصطفاء والإقصاء والترغيب والترهيب، لأنه مجرّد مروّج لخيارات مذهبية ضيقة وليس لدين يسع كل البشر.

الداعية الأمريكي الأسود مختلف، فهو حفيد منفصل فقد الصلة لمئات السنين بأجداده المسلمين القدماء، لكنه اختزن تراثهم المنقول في ذاكرته على شكل آلام وتأوّهات وترانيم وحكايات وأقاصيص وأنغام، ثم اكتشف بالاحتكاك والمقارنة، أنّ دين أجداده المسلمين الأول هو الأفضل تمثيلاً لقيم العدالة والتسامح والتعايش وسواسية البشر أمام الخالق.

الفرق يشبه مقارنة من عثر على راحلته بعد متاهة طويلة في الصحراء فضمّها إلى صدره لشدة الشوق والفرح، مع من يعيش داخل أذواد من الإبل فانشغل بتصنيفها حسب مواصفات الجمال واللون وأهداب العيون. ليت دعاتنا المحليين يتعلمون من إخوانهم الدعاة السود في أمريكا.

 

إلى الأمام
الفهم الأفضل للإسلام عند مسلمي الشتات
د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة