ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 28/08/2012 Issue 14579 14579 الثلاثاء 10 شوال 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

الذهاب باتجاه السعودة يشبه الذهاب باتجاه حقل الألغام، إذ تخضع الأرض تحت هذا الهاجس إلى توصيفات عجيبة، الطرق فيها غامضة ومضببة، فيها دهاليز، وليس فيها وضوح، ممراتها غير سليمة، وليس فيها أدوات للسلامة أو خراطيم للمياه، إنني مسكون بخوف قديم يحاصرني منذ الأزل من مشروع السعودة الأزلي المزمن، هذا الخوف يندس تحت جلدي وعظمي وسمعي وبصري حتى بدأت لكأني أمارس المزيد من الهروب بحثاً عن الاستعارات والتوريات المنقذة. إن الحديث عن مشهد السعودة شجونها وهمومها وطبائعها وغرائبها وطقوسها تتلبسها العقد المعقدة والكثيفة، إذ مشروع السعودة العتيق والطويل والممل ليس بالأمر اليسر والآمن التحدث عنه والدخول في زواياه الضيقة المعتمة وعالمه المضبب. إن السعودة مشروع وطني عام وعملاق، وعناوينه تخضع لردات الفعل التي تصنعها عادة الهزات الكبرى وليست السرديات السرية. لكن ما يمكن قوله وفعله في هذا السياق هو رصد الحالات الطارئة، وأحياناً العامة لبرامج السعودة التي في كثير من الأزمنة تأخذ شكل الخطوط البيانية التي لا تعرف وجهتها ولا اتجاهاتها، وتكثر فيها علامات التعجب والاستفهامات الكبيرة. إن مشروع السعودة يمنح في كثير من الأحيان الشك والريبة والهاجس الكبير بالرغم من الأسماء والوجوه الكارزمية التي مرت عليه عبر السنين الطويلة العجاف. إن برامج السعودة فيها الكثير من الوهم والتناقض والتباين ومراثي الحزن، وذلك نتيجة غياب القرار القوي وفرض الأمر الواقع بقوة القانون الذي جاء بها. إن السعودة منذ أن بدأت لم تخضع إلى معيار محدد، إذ هي مشروع واقف عند حافة زمن معين ملتبس، فضلاً عن كونها مجموعة برامج متعددة ليس لها رابط واحد معين، تبحث عن منقذ حاذق، منقذ طارد لكل عناوين الاستسلام والنكوص والتراخي، منقذ غير قابل للإصابة بالوهم، ولا يقبل التخدير، ولا يتعامل مع أدوات التنويم والوجوه الزئبقية، ويقبل بترحاب بالنقد السليم البناء الموجه، مقابل ما تفرضه المرحلة الراهنة التي يشوبها الكثير من القلق والعتمة. إن السعودة منذ الأزل لم تكن حاضرة بمعناها الوجودي وفي بعض الأحيان تأخذ مساحة واسعة من النسيان، أو قد تمارس كوظيفة تعويضية للاقتراب من شيء. إن السعودة يجب أن تفرض كحالة دائمة وكمصير أمة، بعيداً عن المغامرات الفعلية والحركات البهلوانية واصطناع البرامج الملونة. إن على القائمين على السعودة إن أرادوا النجاح فعلاً هو قيامهم الفوربتلمس خفي وفطن لحراك القطاع الخاص بعيداً عن الانطوائية والعزلة في الغرف المنزوية المضاءة والمكيفة وأقداح الشاي، وعليهم مراقبة المشهد بعيون واسعة وبصر حاد وبصيرة، وممارسة قراءة مضادة لكل جزئية عمل، ونفض للكثير مما يجري الآن في دهاليز برنامج - النطاقات الجديدة - التي أراد أن يكحل السعودة فأعماها. إن على القائمين على السعودة وجوب أن يجعلوا السعودة كمواجهة فعلية وأخلاقية وأسلوبية، وتحدٍ لفكرة الثبات الحقيقي أمام الهجمات الشرسة التي يصنعها الآخرون الذين يرغبون باستمرار الحال واصطناع الحجج الواهية لكي لا يمنحوا السعودة توهجها المسحوق والمعطل. إن على القائمين على السعودة وبرامج التوطين أياً كانوا وفي كل المواقع والأمكنة أن يفتحوا النوافذ ويراقبوا بحدة شكل الغيمة علها تأخذ بياضها الرمادي وتهطل المطر المدرار، ولا يسمحوا أن تكون السعودة مجرد أضحية حلمها أن تعيش (كم) عام في براري السأم والانتظار ثم تموت، أو أن تكون مجرد موجة منكسرة فوق صخور شاطئ مهجور، أو كحلم كلما جنَّ الليل ينسل ويزحف بتغلل في عروق مجعدة وأرواح غريبة، أو كذئبة حمراء العينين تخرج من زاوية تفوح من أنيابها رائحة الموت وتنشب مخالبها في الجسد، إن عليهم لكي تنجح السعودة بتميز سريع أن يعانقوها باشتهاء حميمي كثيف، وأن تكون مرتبطة عندهم بعمق باللحم والدم، وأن لا يرخوا اللجام للأحصنة، ولا يطل عليهم اليأس، ولا يتفصدوا عرقاً، وأن لا يكونوا كسلم يكرر نفسه كي يصل من يصل، أو كمحارة تبالغ في كتمان اللؤلوة، حتى تولد الأشجار في حقول السعودة من جديد وتورق ببهاء وتصبح كالربيع البهي، وطعم الماء الزلال، والموجة الحالمة، وشهقة الفرح.

ramadanalanezi@hotmail.com
 

السعودة.. حتى لا تكون الغيمة مجرد سراب!
رمضان جريدي العنزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة