ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 30/08/2012 Issue 14581 14581 الخميس 12 شوال 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

بعيداً عن حكاية «حصان طروادة» التاريخي، وما نتج عن استخدامه من نصر عسكري، فإن الطريقة التي تسمى الآن بهذا المصطلح في مخادعة الناس وإيهامهم بطريق، ليؤتوا من الطريق الآخر؛ هي أيضاً مماثلة لتلك الطريقة العسكرية، ولكنها على مستوى الدماغ البشري، دون أن ترافقها تكتيكات محسوسة، كما كانت الأمور أيام ذلك الحصان التاريخي.

ماذا تعني هذه الطريقة في المراوغة؟ ومن الذي يستعملها؟ ولأي غرض تستخدم؟

هذه الطريقة المحترفة تعني أن مستخدمها يعمل على وضع هدف للفت الانتباه غير الذي يقصده، لأجل تشتيت انتباه من يتعامل معه عن مقصده، ومن ثم التوغل بسهولة إلى الهدف الحقيقي، الذي يكون أقل لفتاً للنظر من ذلك الهدف المزيف.

وعادة يكون الهدف القريب مغرياً، وملامساً لرغبات الناس، لكي يدغدغ مشاعرهم، ويدفع عقولهم إلى التفكير الإيجابي نحوه. فهو يتصل – عادة – بمخاوف الإنسان ونزعاته: من وجود أزمة، ودعوة إلى الراحة، والتفوق على الآخرين، أو سبقهم إلى ما لا يستطيعون الوصول إليه، لأنهم غير محظوظين، كما هو الآن أمام هذه الفرصة. والأكثر استخداماً هو مجال الجنس بكل مغرياته؛ من الصور الملتهبة في البلدان التي تسمح بذلك إلى الصور المتخيلة الجامحة في غيرها من البلدان.

أما الذي يستعملها فهي الفئات المتمرسة في بيع الوهم على الناس؛ وهم متعددو المناقب، ومختلفو المجالات. ويوجدون في أغلب المهن بدرجات متفاوتة، لكنهم يكثرون، ويصبحون أشد فتكاً في مجالات بعينها: الإعلان والإعلام والوعظ الديني والأحزاب أو التنظيمات السياسية، وأغلب من يستخدم اللغة في التعامل مع الجماهير بمختلف توجهاتها.

ومن الجلي أن الأغراض التي تستخدم فيها تلك الأحصنة، تجتمع أساساً في هدف رئيس؛ هو أن المرء إذا تبرمج على التصديق بما يقوله أحد الناس، لأنه - حسبما يرى - في غاية العلم بالأشياء، أو لأنه نافذ في الغيبيات، فإن كل ما يقوله ذلك الشخص لا يخضع للشك، ويؤخذ على أنه حق مطلق.

وهنا تبدأ اللعبة المفيدة لذلك المتمرس، فيحول في خطوة أولى نقاط الشك الملتبسة إلى منطلق رئيس غير قابل للجدل، ويجعل من آرائه أو عروضه التي يقدمها مرجعية للمجال الذي يتعامل فيه.

وأخيراً يستلب إرادة المنكوب بهذه الاستراتيجية، لكي لا يرى الصحيح إلا فيما تراه تلك المرجعية، ولا يصدر عن فكر مستقل لإحساسه بضعف منتجاته وقدراته على التحليل والحكم على الأشياء. بل إن بعض الحالات يصل فيها المستلب (بفتح اللام) إلى أن يكون أكثر تصديقاً من منشئ الفكرة، وأكثر ضراوة في الدفاع عن جزئياتها، بل وحتى بعض قشورها، من صاحبها الذي يكون أكثر تفهماً ومرونة في تطبيقها.

فهل من وسيلة لتفادي الشرك الذي ينصبه أولئك المخادعون للناس البسطاء؟ الخطوة الأولى لمقاومة هذا الخداع هي معرفته أصلاً؛ ومن ثم تبين الوسائل المناسبة للتعامل مع ذلك الشرك. ومن الطبيعي القول: إن المرء لا يستطيع التخلي عن كل التعاملات مع أصحاب تلك الأحصنة، لكن الانتباه إلى الهدف البعيد الذي يرمي إليه مستخدم الحصان يفيد في تلافي التركيز على الهدف الأول القريب. كما أن طلب التأني في اتخاذ القرار - إذا ألح المستخدم على ضرورة الإسراع في القرار، لئلا يفوت شيئاً محدوداً، أو للحصول على مكاسب عينية أو معنوية - أمر مفيد في تحاشي الوقوع في الشرك. أمر آخر يفيد في اتساع أفق المستهدف، ويحرج مستخدم الحصان، هو الإكثار من الأسئلة، التي توحي بأن المراد خداعه يوازن الأمور، ولا يثق بالكامل فيما يقوله ذلك المستخدم. وفي الجزء التالي نبين أمثلة لذلك!

الرياض
 

رؤية
حصان طروادة.. الخداع والمراوغة (1 - 2)
أ. د. فالح العجمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة