ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 30/08/2012 Issue 14581 14581 الخميس 12 شوال 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

تَبَاهَي

محمد عبدالرحمن الحفظي

128 صفحة من القطع المتوسط

***

سأدع العنواع وما يعنيه من معنى.. مفردته نداء إلى حواء أن تظهر.. أن تبدي أحسن ما لديها.. أن تتجمل وتفتخر.. هل هذا ما يعنيه الديوان أو بعضه.. سنرى:-

بداية حديثه عن الشهب التي تبرق ليلا في كبد السماء معلنة نفسها.. وتواجدها..

أضيئي كوجه الشمس صوتاً ومرتعا

وقصي جناح الليل ما امتد وادعى

ولومي الحنايا.. لا تلومي توقفا

يخاف على الأيام أن تتصدعا

لا أحد يا عزيزي يقدرعلى لوم المنايا لأنه قدر.. ولأن النجوم لا تملك لساناً تلوم به.. ومع هذا ليكن افتراضاً..

كوينا بهذا الصبر حتى أشاخنا

وذبنا من التذكار حتى تمنعا

وطفنا وما في القلب إلا جراحنها

وعدنا إلى الأنقاض نشتاق منبعا

شاعرنا يواجه شحنة حزن.. يكره الليل لولا نجومه.. ويكره الظلام لولا بعض قناديل معلقة تبرق عن بعد.. إنه يتحدث عن الأربعين من عمره كما لو كانت قرينا مخيفا يكاد يجهز عليه وهو في أشد مراحل حياته عنفوانا. وعنفا.. ترى ماذا سيحكي عن نفسه.. وقد تجاوز الثمانين؟

سنيني مضت والأربعون تحفها

على خاطر مازال بالأمس مولعا

دع عنك الأمس فما مات.. والمؤمل غيب.. ولك الساعة التي أنت فيها على حد قول الشاعر:-

أهز سواد الليل. امتطر الصفا

وأنضو كباقي الخوف حين تربعا

الخوف من ماذا..؟ من المجهول.. العاقل لا يفكر في المجهول.. كما لا يفكر في الماضي ولا هدمت وهدته المخاوف وهذا ما أخشاه عليه وقد بلغ بك السيل الزبى من اليأس:-

أراني وقد غادرت شبر تأملي

أموت -وحيد الموت- فيه مقطعا

عُد إلى شبر تأملك.. تطلع إلى السماء. إلى الكواكب المضيئة.. إنها بارقة أمل.

من الشهب أخذنا معه إلى الشمس.. ما زلنا في الفضاء نسبح ولكن مع الجرح..

أنا يا من تريد الغوص كي تدنو.. وتعرفني

أنا ميلادك الشادي.. أنا عن موتك الحادي

تسائلني ولا تدري

لعله يشير إلى موئل الشمس كما جاء في العنوان..

ستعرفني بحجم الشمس لو أمسكت موئلها

وحتما سوف تستجدي. وتشهد كل أعيادي

نقلة سعيدة مع الشمس تزينها أعياد، ويطرزها حلم جديد نشتاق إليه معك لأنه ميلاد فرحة بعد حزن.

سأولد زرقة وسمت فضاء.. ضمه البصر

إلى برد من الإيغال.. نزف فاره الأنات

كم يثرى له المطر.

في نهايته مقطوعة سؤال عن العيون النجل إن هي ناشدت إليه عني.

ومازجت النقاء البكر..؟

هل حادى.. وهل سكنا..؟

هذا ما أتمناه لك أن تجيب بنعم.. «هواجس الألفة» عنوان جديد لمحطة جديدة.

مدي لفستانك هذا المدى

وشاغلي الروح بصوت الفدا

تألقي.. حورية تستقي

أحلى الأهازيج. وأحدى الصدى

وناغمي الليل بأجفانه

لعله يُفرح عنه العِدى

تمايلي قدًّا حبا السنا

وشده الشاطئ والمنتدى

خطاب عشق مشحون بالمولد.. وبهواجس الألفة.. يريدها حمامة غضا في تمايلها.. وأغرودة مدى في أدمعها.. لحب الطاغي لها تمثلها وترهوى. وصورة بحر.. وهف ندى. ألفها النور الذي يشتري ليله ويهمي بهيديل نداه. وحيرة شعر.

ورقصة دمعة.. لم يستبق شيئا من خلجاته إلا أعطاها إياه طائعا. وطامعا.. ومع هذا الموج الهادر من الفتن يخالجه خوف من أن تغيب:

لا تأملي أن ركامي يداً

مشلولة.. تتركني مفرداً

أجيء مثل الوارف المبتغى

إذا بكى اللحظة. أو غردا

في كلتا الحالتين مساره لا يتغير لأن الحب المشوب بالخشية يسكن أعماقه ولا يدع لخواطره أن تصمت.. أمنيته ما زالت تملأ قلبه وحبه

يا ليتني في هجرة من دمي

أشحت بالأضلع ما استوقدا..

فرشته همأ يجول المدى

وخلته الفجر الذي ما بدا..

كثيرة. ومثيرة سحابة شجونك يا محمد.. «أقواس الطوق» عنوان جديد له ما بعده من شكوى..

عشرون تفرق.. هل أقسو وأقترب

ما زال في وهج الباقي لها نشب

أخطو وأدلف في نجوى قد اقتربت

وانثني كلمات كلها سبب

دون الأراضين ليل الشجو يسبقني

وخلف ما وهب الناجون ما وهبوا

ومن توصيفه.. إلى تساؤله:-

من أين أقسم دربي وهو في سأمي

حرائق يستقيها الصوت واللهب؟

باق.. وخلفه نهاياتي تؤججني

هذي البراءات لو ولت بها الشهب

ونصل مع شاعرنا إلى مربد الفرص:

ألوم طوق حماماتي وينهرني

سجن المحبين. كم أزجوا. وكم نهبوا

وليس دون سيوف الوفز متكئا

درع يضج. وقلب هده التعب.

الحب ساعة حرب سلاحها الدموع.. وأدواتها الندب. والجفوة.. والغيرة. والصدود. والشكوى.. وساحتها كلمات تجأر.. تتسول وتتوسل حينا. وتعلن القطاعية والتمرد أحيانا.. للحب عش دبابير لا بد لمن مد يده أن يتحمل أو يتجمل..هذا ما اعترف به شاعرنا.

مثلي افتدى كلمات البحر ينبشها

ومن لآلئها المزجاة يقترب

إني لأقصف جنح المد أبرحه

متيما وحصون القطر لا تهب

غرست قوسي أذوي دون حلته

وأستبد. وأستجلي. وأنتحب

تأخذنا أقواس طوفه إلى مدارات جفافه.. الطريق غير معبر.. الأشواك تحف به من كل جانب:-

غربة الموئل. والعطر المثار

هل تبدي الزهو في خاصرة ملأى بأوراق الجفاف؟

يصف ملامح الطريق.. خطوات تفتر. صفير ريح مثقل تقتاته الصحراء، أوجاع تحف بالقلب. موال يشظيه الوقوف بعد كل هذه العقبات والعقابيل يطرح سؤله:-

هل توارى البحر من بعدي؟

وكان الملح يدنيني إلى شق الظمأ

لم أجدف. فالسواري يسقيها الصخر

والدرب حفيف باحتضارات السفر

ولا يبقى من الناجين إلا ندف تستل أوشاج النجاة والسؤال.. هل أن شاعرنا المتيم من بين الناجين.. لعل. وعسى.!

الشهيد الفلسطيني الشاب «محمد جمال الدرة» له نصيب من مشاعر شاعرنا:-

يا سيد الماضين نحو الموت

أنت وصية مرت إلى الباقين تقتحم القلوب الدامية

كنت الوغي.. في أسوار الطريق

تسائل الوطن الكبير..

هاتيك ساحات الشظايا لا تسير سوى إليك

يا باقيا خلف البصر قتلوك. وانتثروا على ناقوسهم هربا

وخافوا أن تقاومهم.. وأنت الميت.

خافوا لأنهم يخشون الموت..

الجبناء تخيفهم ظلالهم.. أما الشهداء فإنهم يتعسقون الموت من أجل الحياة هذا هو الفرق بين من يطلب الشهادة لأنه على حق.. ومن يخشى الموت لأنه على باطل..

محمد الدرة مجرد أنموذج لآلاف الشباب المقاومين بأيديهم وبحجارتهم في وجه المجنزرات والقنابل والرصاص استشهد منهم الكثير ولقي ربه.. ومنهم من ينتظر لأن درب الحرية محفوف بالمخاطر..

يا سيد الماضين نحو الموت تفديك الماء

ما أنت إلا صورة أخرى لآلاف الصور

ما أنت إلا الطعنة المليار من سيل الدماء

ومن تنامي الاحتضار.

المليار رقم أكثر أصفاره على الشمال لأنه خارج دائرة الشهادة والمقاومة.. ربما إلى حين.. «أيها القادم» ترى من يعني به شاعرنا..؟

حينما يمطر حزني في ترانيم القصيدة

حينما يشتعل الوقد على خافق آلامي

يزداد احتراقا في البواكير الوئيدة

عملية مفروغ منها لأنها تحصيل حاصل.. المدخل لا يهم بقدر الوصول إلى معرفة ذلك الذي وصل وعلاقته بشاعرنا:-

أيها القادم لا تغرس على كفي عويل العجز

لا تزرع دروب الخوف. لا تفرق مرور الشعر في قلبي

ولا تستل وقتي من شراييني الجديدة

لاءات كثيرة.. والقادم ضمير مستتر تقديره حلم منتظر لا ندري متى يأتي.. ومن أين يأتي.. وفي أي مكان وزمان يأتي أيها القادم مات الليل في عيني.

فرفقا بانتحالي صورة الحي الذي يحفره الفجر ليحتال على الروح

وما الحي سوى روح ترامت للأقاصي البعيدة

«تَبَاهي» أم الديوان وعنوانه.. وولية أمره.. هكذا نصبها محمد الحفظي وأعطاها نيشان القيادة لأنها تستحق:-

لأني أحبك.. توجت أسطورتي رافدا يستقيك

على كل إشراقة للقمر

توقفت عند اعتبار الوجوه فكان لوجهك طهر الحياة

نقاء السماء. وطيب البشر

لأني أحبك غادرت كل المساءات قسراً

لأنجو بعينيك من رحلتي

كتبت بقلبي حروف النداء. وقاسمتك الحلم والانتظار

وقلت لكله الكلام الجميل تلذذ بصحمتي في حضرة الحب

وانهل من السحر والاشتعال

لأني أحبك تبقى المسافات أقرب حتى من الاحتمال

وتبقين أنتِ طريق الحياة.. طريق الحياة

أخيرا وجدها بعيدا عن شجونه ووساوسه.. وظنونه.. رأى فيه حلمه الغارب الذي ينشد. والحضن الدافئ الذي يسلم عينيه إلى السبات اللذيذ الذي لا تفزعه الكوابيس.. ولا أشباح الظلام..

«المطر» حلم العطاش.. والحقول الظمأى.. وحتى الحب له قطره ومطره الذي يُشفي الغليل، ويشفي العليل:-

أموت وفي يدي مطر

أموت. وينبري الخبر

كأني لم أكن بالأمس

موالا به الأثر..

كأني لم أكن جسدا

نحيلا هده السفر

فلا الإيقاع يفرحني

ولا الأيام تنهمر

أفضل لو أبدل «الأيام» بكلمة «الأمطار» للمناسبة. يسترسل شاعرنا في مقطوعته:-

مضيت بكل ما هتفت

له الأوراق والشجر

أتيت على ظما الصحراء

يكويني الظما العطر

مضيت. وما مضى ألمي

وعدت وما صفى الكدر

تجوب شفاهي الكلمات

تزرعني.. وتندثر

ويبدأ طرح التساؤلات:

فأمير البحر شاهدنا

إذا الأزمان تنفطر؟

وأين الأمس هل سيجيء

يستجدي. ويعتصر

وأين العيد في زمن

يجيء.. ودونه الصبر

تلك هي تساؤلاته.. ومن حقنا أن نسأله كما سأل.. «أين المطر» العنوان. والمحتوى..؟.. وكي لا نذهب مع شاعرنا بعيداً ندله على ما يرضي المطر الذي اتخذ منه شعارا دون دار.. في الشطر الأخير يحسن أن يأتي على النحو التالي:-

يجيء.. ودونه المطر.

ولو من باب الترضية:

«ريف في شهرها الأول» غنى لها.. ومن أغلى من فلذات الكبد:-

هذا لعينيك يا أغلى فقد وجبا

ضرب من الحب أثرى الحبر فانسكبا

على اليقين أشحت العمر أرفقه

ما كان منه. وما أسرى. وما هربا

إذا تواصل وخز الحرف فاتئلقي

وإن تباعد إيحائي فقد كتبا

حسبي من الفرح الآتي توغله

ومن سوانحه ما ردني حقبا

مقطوعة معبرة وشيقة أهداها لوليدته «ريف» ذات الاسم اللطيف».

أخيراً مع «زرقة» التي تتنفس شعرا.. ومشاعر جمة:-

زينة الشعر.. أين أبحر؟ قل لي

في صفاء العيون بحر أشاحا

زينة الشعر.. كيف كانت سطوري

قبل أن تلمس الصدى والصباحا

فر مني هذا المحيا فريدا..

وكلامه مطرزا مستباحا

كل هذا مدخل للبحر وزرقته:

زرقة البحر تحتويني شراعا

حائل القوس يستحث المناحا

كيف أنجو من بعد؟ والشمس تلقي

من شآبيبها علي جناحا

زينة الشعر لا تلومي حضوري

فاره القلب. في يديك استراحا

زينة الشعر قاسميني عبورا

نحو شعري إذا استرد النجاحا

واستهلي شطئانه بالقوافي

رُبَّ ومض في ظلمة الليل لاحا

كم تعدى من عطرك الباقي

إذا ما ارتداه قلبي وشاحا

غنى للبحر وزرقته.. لشطئانه.. ما لو كان حورية وعروس البحر.. تتموج خصلات شعرها على كتفيها.. الأمواج في مدها وجزرها وهي توقع لحن الحياة الخالد.

أين من عيني هاتيك المجالي

يا عروس البحر يا حلم الخيال

زرقة البحر الذي يذكره بالعيون الزرقاء وهي تأسر العين ويستطيب لها النظر. والأشرعة وهي توقع بمجاديفها على صفحة الماء..وكأنما الجندول ينساب من بعيد ليملأ الفضاء نغما ساحرا يشنف الأسماع بإيقاعه الجميل.. هكذا جاء البحر في مقطوعته عشقا لا يتوارى. ولا يغيب وراء حجب.

أخيراً وصلنا سوياً مع شاعرنا محمد عبد الرحمن الحفظي محطتنا الأخيرة من الاستراحة بعد أن طوفنا عبر ديوانه «تَبَاهي» كان موفقا في شعره رغم عقدة الليل التي عاشها وعايشها في معظم قصائده.. إلا أن لمحات من الحب أضاءت دربه دون وحشة.. وإلى لقاء في رحلة قادمة إن كان في العمر بقية.

الرياض ص.ب 231185 - الرمز 11321 - فاكس: 2053338
 

استراحة داخل صومعة الفكر
سعد البواردي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة