ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 02/09/2012 Issue 14584 14584 الأحد 15 شوال 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لولا الضغوط العائلية، وتقديري المتعاطف مع أحقية العائلة في إجازة صيفية.. يشمون فيها «الهواء»، ويرون «الدنيا».. بعد تلك الشهور التسع من «العمل» - لمن يعملون منهم - و»الدراسة» - لمن ما زالوا يجاهدون منهم بين قاعات المحاضرات وغرف المعامل والمختبرات - لما كنت من بين آلاف المصطافين الذين رأيت لمحة من حشودهم

عند مغادرتي مطار جدة (البائس) في كل شيء، والذي لا يختلف بؤس داخله.. عن بؤس خارجه، وإن كنت أراه.. بمنظار الشفقة عليه.. في صورة أولئك الفقراء من كرام الناس، الذين عرفتهم وعشت مثلهم ومعهم في سالف الأيام.. ممن كانوا يتجملون - أمام الناس - بملابسهم النظيفة «المكوية» بأعلى درجات الإتقان.. ليغطوا بها قدمها واهتراءها، وما عانته من تكرار غسلها.. حتى بدت خيوط نسيجها عند «ياقاتها» و»أكمامها»..!!

لولا ذلك.. لما ذهبت إلى مدينة اصطيافي الفرنسية الشرقية (ديفون) على الحدود السويسرية الفرنسية.. وآثرت البقاء في (جدة)، لا حباً في صيف (أسدها) و(سنبلائها) القائظين.. حتى وإن تخللته خطفة قدم إلى (هدا) الطائف و(سودة) أبها ليومين أو لثلاثة أيام.. ولكن لأن صيفنا الشرق أوسطي.. كان ينبئ بحشد من الأحداث والتطورات.. خاصة في (بلديْ) ربيع الحرية العربي الحق، وأعني بهما: «تونس» و»مصر».. صاحبتا ثورتي الرابع والخامس والعشرين من يناير من عام 2011م.. بما يغري المتابع لهما (مثلي) بالبقاء في مكانه، وليس الرحيل عنه.. طلباً لـ «نسمة هواء» باردة أو (طلة) على الدنيا الجميلة، التي تعيشها حياةً وواقعاً.. معظم مدن أوروبا الغربية على وجه التخصيص (!!) كـ«مدينتي» هذه (ديفون): الصغيرة الصبوحة، النابضة.. حياة في صباحاتها، والهادئة هدوء المحافظين المسنين من سكانها.. في مساءاتها ولياليها!!

* * *

في طريقي إلى (ديفون).. من مدينة (جنيف) التي لا تبعد عنها بأكثر من سبعة عشر كيلاً.. كنت أتذكر ما انتهيت إليه في (جدة) من مقاطعة لمعظم القنوات الفضائية الإخبارية العربية الشهيرة، وفي مقدمتهم الأكثر (شهرة) بينهم، التي ضللتنا - بكل أسف - لعقد من الزمان.. بأنها رائدة (التنوير) العربي، والمدافعة عن شعوبه.. لانحرافها السريع والمفاجئ، واستبدالها قبعة (العروبة) وطموحاتها المشروعة بقبعة المال والسلطة، والتبعية لـ (العم سام) وأهدافه التمزيقية لوطننا العربي الكبير، أو (الشرق الأوسط الكبير أو الجديد).. بلغة سيئة الذكر وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (كونداليزا رايس)، ليشغلني هم الكيفية التي سأتابع بها.. ما يستجد في وطَنَيْ ربيع الحرية (تونس ومصر)، وعلى أرض المعضلة اليمنية.. وإن تفكك كثير من أجزائها آنذاك بـ «التطبيق» الحازم والجاد لـ «المبادرة الخليجية».. ولم يبق غير استكمال هيكلة القوات المسلحة، وبدء جلسات الحوار الوطني لرسم طريق مستقبل اليمن الواحد.. خاصة وأنني آثرت - بعد مقاطعة تلك القنوات الإخبارية الشهيرة - العودة لمتابعة القنوات التليفزيونية (الرسمية) في كل من تونس ومصر واليمن رغم عيوبها المعروفة في إخفاء الكثير والسماح بنشر القليل من أخبار أوطانها وما يجري فيها، ولكن تحمُّل هذا العيب أو القصور المقصود أو غير المقصود في تغطياتها الإخبارية، يظل أهون وأرحم من التعرض لأكاذيب ونفاق وتبعية تلك القنوات العربية الإخبارية (الأربعة)، التي وقع وما يزال يقع في صداع مشاهدتها والاستماع لأخبارها وتحريضها الهدام كثرة المواطنين الشرفاء والأبرياء، ولكن السؤال الذي أقلقني: (وهل سأجد تلك القنوات الرسمية الثلاث.. بعجرها وبجرها، والتي قبلت بها اضطراراً.. وهرباً من جحيم تلك القنوات الإخبارية العربية شبه الخاصة أو شبه الحكومية)..؟!

* * *

على أي حال، ومعذرة لمن لا يطيقون إطالة المقدمات.. كان من حسن حظي أن أجد في بيتي الصغير المتواضع في (ديفون).. تلك القنوات التليفزيونية الرسمية الثلاث (المصرية والتونسية واليمنية)، فأتابعها مرتاحاً.. راحة (الاضطرار) أو وراحة (الخلاص) من تلك القنوات التي باتت مشبوهة عندي وربما عند غيري.. خاصة بعد أن أخذ يتردد في نشراتها - وعلى رأس كل ساعة - المصدر السوري لحقوق الإنسان في (لندن).. وكأنه المصدر الوحيد لنقل أخبار سوريا وما يجري فيها من قتل للمتظاهرين السوريين «المسالمين» من طلاب الحرية والديمقراطية والعتق من حكم البعث، وهو ما جعلني أتساءل بداية.. عن غياب مصادر الأخبار العالمية الأخرى صاحبة الباع الأطول في تتبع الأخبار ونشرها وأياً كان مكان حدوثها وزمانه؟ فأين (رويتر) و(الفرنسية)..؟.. بل وأين حتى وكالة (الآسيوشيتد/ يونايتد برس) الأمريكية..؟ وأين مراسلو الـ (BBC) البريطانية المنتشرون فوق الكرة الأرضية في أكبر شبكة رصد لمتابعة الأخبار وملاحقتها ونقلها إلى العالم من أقصاه إلى أقصاه فور حدوثها..؟

إن غياب (كل) هؤلاء عن نقل أخبار سوريا وما يجري فيها، وهم من هم حرفية في تتبع الأخبار وملاحقتها والسبق بها إلى العالم كله.. وحضور (المرصد السوري لحقوق الإنسان) وحيداً - في المقابل - في نقل تلك الأخبار.. كان يبعث في ذاكرتي ومهنيتي الصحفية الباقية بـ (الارتياب)، ومع استمراره في أداء مهمته التي كانت موضع احتفاء وترحيب من تلك القنوات الفضائية الأربعة الأشهر.. بت أقرب إلى الاعتقاد بأن المصدر السوري لحقوق الإنسان قد أصبح، وكأنه الذراع الإعلامية لـ (حلف الناتو)، الذي يمهد بأخباره لقدوم جيوشه وأسلحته وطيرانه إلى المنطقة ثانية، وكما فعلت من قبل جامعة (عمرو موسى) بمباركتها قدومه.. للدفاع عن ثوار ليبيا الأحرار (المسالمين)!! وهو ما حسم أمر مقاطعتي لتلك القنوات.. وإلى الأبد، لأن ما كان يهمني.. ويهم ملايين العرب أمثالي.. هو أن تبقى ليبيا ونفطها للعرب، وأن تبقى سوريا للسوريين والعرب وليس لـ «حلف الناتو» وأصحابه ورموزه من الأعداء التاريخيين للعرب!!

* * *

بعد بضعة أيام.. كنت آخذ طريقي إلى مدينة (شيفان دي بوجيه) السويسرية الصغيرة على ذات الحدود.. وعلى طريق (الأوتوستراد) الموصل ما بين «جنيف» و»لوزان» والممتد إلى كل مدن البحيرة الشهيرة وما بعدها.. لزيارة مركزها التجاري الأضخم الذي يضم ما تحتاجه وما لا تحتاجه من جميل البضائع ونفيس المقتنيات، والذي يرتاده كل أبناء المنطقة من السويسريين والفرنسيين.. الذين يتحدثون - جميعاً - الفرنسية، فلا تدري أيهم السويسري وأيهم الفرنسي، لأشق طريقي إلى متجر بيع الصحف والمجلات الذي اعتدته.. والذي يقدم لـ (زبائنه) كل صحف العالم اليومية الكبرى في يوم صدورها، علِّي أجد من بين الصحف العربية المهاجرة ما يعوضني - عن قرار مقاطعتي لتلك القنوات الفضائية - التي (طققتني) كما يقولون، ورفعت ضغطي..!؟

انتحيت جانباً.. في مقهى المركز الخارجي المسموح فيه بالتدخين.. بـ(الصحيفتين) اللتين اعتدت قراءتهما، واللتان كتبت فيهما لعام أو لأكثر ومازلت أبعث لـ (إحداهما) بمقالاتي التي يتحفظ الرقيب المحلي على نشرها.. لأجد ضالتي في هذه الأخيرة عن (مصر) من خلال صفحة كاملة بعنوان (مصر اليوم)، يحررها للجريدة.. من القاهرة الصحفي المخضرم الأستاذ حسنين كروم، والذي أنتهز الفرصة الآن.. لأبعث إليه بأخلص تحياتي وتقديري لجهوده الموفقة في تحرير تلك الصفحة اليومية، والتي كانت بحق (بانورامية) شاملة.. لم تترك صغيرة ولا كبيرة مما كان يجري في مصر وصحافتها وكواليسها ومقار أحزابها وجمعياتها.. بل وشوارعها وميادينها التي أصبحت وكأنها مقار سياسية شعبية لمصر وشعبها طوال شهري يونيه ويوليه الماضيين إلا وقدمته لقرائها، إلى جانب استرجاعها لأهم ما جادت به قرائح الشعراء والزجالين ورسامي الكاريكاتير.. كذلك (الكاريكاتير) الذي كان يقول فيه أحد (الطلبة) المصريين لزميله تعليقاً على فوز الدكتور محمد مرسي بأغلبية متواضعة على منافسه (الفلولي) الفريق أحمد شفيق في انتخابات الإعادة التي جرت في الأيام الأخيرة من شهر يونيه: (ياخويا.. مش عارف همَّ فرحانين قوي كده ليه؟ ده يادوبك جايب 50%)..!!

* * *

كانت انتخابات الإعادة بين «المرِّين» بإجماع أغلبية المصريين: (الفلولي) و(الإخواني).. قد جرت بينهما، لكن لجنة الانتخابات العليا لم تعلن نتيجتها الرسمية.. بينما أصدرت المحكمة الدستورية العليا قرارها بحل مجلس الشعب صاحب الأغلبية (الإخوانية) و(السلفية)، وهو ما يعني.. بأن عدم فوز رئيس حزب (الحرية والعدالة) الإخواني.. إنما يعني فعلياً خروج الإخوان المسلمين وحزبهم من مولد ثورة الخامس والعشرين من يناير التي لحقوا بها في اليوم الخامس من قيامها.. خالي الوفاض من الرئاستين: مجلس الشعب والجمهورية.. وهي نتيجة صاعقة، جعلت أنصارهم يزمجرون ويتوعدون ويتهددون وهم يملأون شوارع مصر بـ (مظاهراتهم) واحتفالاتهم بـ (فوز) الدكتور محمد مرسي، ليقيم الفريق شفيق في العباسية وميادينها - في المقابل - احتفالاته بـ (فوزه)، فلا تدري مصر من سيكون رئيسها.. ليعلق الأستاذ حسنين كروم في صفحته (مصر اليوم) على ما جرى قائلاً في عدد يوم 21 يونيه: (حالة من الفوضى تضرب مصر ولا تعرف من رئيسها القادم).. لكن اللجنة العليا للانتخابات وبجهود خرافية استطاعت أن تنظر في الطعون المقدمة إليها من الطرفين المتنافسين، وتعلن قرارها بفوز الدكتور محمد مرسي.. بأول رئاسات الجمهورية المصرية (الثانية)، وإن كان ذلك بنسبة متواضعة تقل عن مائتي صوت، وهو الأمر الذي أحرج حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين وادعاءاتهم بأنهم أصحاب الأكثرية الساحقة، إذ إن مجمل الذين انخرطوا في انتخابات الإعادة لم يزد كثيراً عن العشرة في المئة من مجمل أبناء مصر التي تقول آخر إحصائياتهم بأنهم بلغوا ثمانين مليوناً..!!

على أي حال بدأ الرئيس مرسي ساعاته وأيامه الأولى في قصر (الاتحادية) - ولا أدري ما سر هذه التسمية.. بدلاً من (قصر العروبة) - (مخضوضاً) مربوشاً بعد أن ألزمته المحكمة الدستورية العليا بحلف اليمين أمام جمعيتها نظراً لحل مجلس الشعب الذي كان يريد أن يحلف اليمين أمامه.. ليرتكب هو أو إدارة مراسمه عند إلقائه أول خطاباته في قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة (هفوة) وضع رئيس الأزهر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب في الصف السادس بينما وُضع في الصف الأول المرشد الحالي العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع، والسابق الدكتور محمد مهدي عاكف.. بل والداعية الدكتور يوسف القرضاوي.. الأمر الذي جعل من الدكتور الطيب.. ينسحب من الحفل كلية هو ومن معه من أعضاء (مجمع البحوث الإسلامية).. لتثور ثائرة الصحافة والأحزاب والجمعيات عليه، وهي تندد بفعلته وتكشف أسبابها، كـ (رد فعل) لجلوس الدكتور مرسي مع بقية رؤساء الأحزاب والطوائف الدينية والمثقفين والمفكرين لكتابة (وثيقة الأزهر) السياسية التي دعا لكتابتها شيخ الجامع الأزهر المثقف والمستنير والوسطي حقاً الدكتور أحمد الطيب.. بل وتذكره بأنه مازال إخوانياً ورئيساً لحزب (الحرية والعدالة) بأكثر منه رئيساً لكل مصر والمصريين، ولكن الرئيس مرسي (المخضوض) أدرك قيمة ردة الفعل عليه وبُعدها السياسي الخطر.. عندما بادر في اليوم الثالث بالاتصال هاتفياً بالدكتور الطيب والاعتذار له ولبقية أعضاء مجمع البحوث عن تلك الهفوة مدعياً أن من ارتكبتها هي إدارة المراسم في قصر الاتحادية، وأن لا ذنب له.. وأنه إذا كانت القاعدة الفقهية تقول بأن (لا ينسب إلى ساكت قول)، فإن القياس يجوز أيضاً بأن لا ينسب لمن لم يفعل شيئاً.. فعله!!

وهكذا انطوت أولى أزمات الرئيس المصري الجديد، والتي سأتابع بعضها في الجزء الثاني من هذا المقال.

dar.almarsaa@hotmail.com
 

يوميات صيف.. مضى!! 1-2
د.عبدالله مناع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة