ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 03/09/2012 Issue 14585 14585 الأثنين 16 شوال 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كان رغيف الخبز رمزاً تاريخياً لبؤس الإنسان، وظاهرة في أدبيات الحياة اليومية للإنسان عبر العصور، وارتبطت رائحته بقصص المعاناة في تاريخ الإنسان، اختاره الراوية المغربي محمد شكري حافياً لا رائحة له في روايته الشهيرة “ الخبز الحافي “، وليكون عنواناً لسيرته الذاتية التي حكت المعاناة المغربية، من خلال عدسة شفافة جداً لمختلف التفاصيل بكل آلامها وبؤسها في فصول ليس لها نهاية، ووضعه محمود درويش في عبارته الشهيرة، “أحن إلى خبز أمي”، ليتذكر رائحة الأرض والتقاليد والإنسان في التراث الفلسطيني القديم، تراث الوطن الذي ضاع وضاع معه خبزه القديم، ولم تتحرّر الأرض من مغتصبيها.

ارتبط الخبز بالثورة الفرنسية، وذلك عندما قرر الشعب أن يخرج بالأفواس والمطارق إلى الشوارع، عندما وصل حد المعاناة إلى الوقوف في الطوابير لساعات، انتظاراً لرغيف من الخبز يسد به الإنسان جوعه، وظهر جهل السلطة بمعاناة الإنسان في إجابات ماري أنطوانيت الساذجة عن طوابير الخبز، لكن ندرة الخبز لم تحرك في الشارع العربي ثورة في السابق برغم من خروج الجماهير العربية للشارع لأكثر من مرة في الثمانينات والتسعينيات، في ما عُرف بأزمات الخبز في الجزائر ومصر والأردن، لكن لم يصل الأمر إلى ثورة، ويبدو أنّ العرب لا يثورون لجوعهم، ولكن تُحرِّكهم إهانة كرامتهم، ومعاملتهم كالجرذان أو الضحك على مطالبهم المشروعة بالاستهزاء والسخرية.

لم تكن الثورة في الربيع العربي ثورة خبز على الإطلاق، ولم تركن رائحة الخبز سبباً للهيجان والعنف الدموي كما فعل الفرنسيون عندما افتقدوها، لأنها بالفعل كانت ثورة ضد المهانة ورفضاً للظلم والاستبداد .. شدّني تقرير أخير لمنظمة هيومان رايتس ووتش عن “ الخبز”، أنّ النظام السوري يستهدف طوابير الخبز بالمدفعية وقنابل الطائرات، وهو ما تسبب في مقتل وإصابة الكثير من المدنيين الذين كانوا يقفون لشراء الخبز، وقالت المنظمة الحقوقية في بيان لها، إنّ الحكومة السورية قصفت بالمدفعية، وأسقطت قنابل من طائرات بالقرب من عشرة مخابز على الأقل في محافظة حلب، على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية. يكتمل الخبر أعلاه في تقرير في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بعنوان “في معارك المتمردين بمدينة سورية، خبز الخُبز مهمة ضرورية”، وأوردت الصحيفة إنه قبيل شروق الشمس، يتراجع عدد من المعارضين المسلحين السوريين من الخطوط الأمامية، لأداء مهمة يراها قادتهم ضرورية وخطيرة، وجزءاً من المجهود الحربي، وهي “خبز الخُبز” للمواطنين، بينما يحاول النظام إيقاف وصول الخبز للإنسان في معالجة مخالفة لعلاقة الخبز التاريخية بالثورة، فالنظام يعرف جيداً أنّ الجاتوه والبسكويت ليسوا بديلاً مقبولاً عن الخبز، وأنّ ماري أنطوانيت لم تكن إلاّ مجرّد ساذجة في أساليب تطويع وقهر الثورات الشعبية، لذلك نجحت ثورة الخبز في فرنسا.

في سوريا اختلطت رائحة الخبز برائحة البارود، وأصبحت الحكومة تبحث عن أزمة خبز تُعيد الناس إلى بيوتهم، وتفصل الناس عن المقاتلين في الشوارع، بينما يخبز المقاتلون في سبيل حريتهم من أجل أن يبقي الناس في الشوارع، يناضلون من أجل حريتهم، ويبحثون عن النصر القريب على جلاّديهم، ما يحدث في سوريا أكبر من أي ثورة أخرى، فهي بالتأكيد ليست ثورة خبز، ولكنها ثورة من نوع مختلف، قد تكون الكرامة أحد عناصرها، لكنها بالتأكيد ليس العنصر الوحيد، فالوضع أكبر من ذلك، ويحتاج إلى رواية كتلك التي كتبها المغربي محمد شكري، لتحكي معنى أن تدوس السلطة على وجه الإنسان بالجزمة، وأن تدنّس شرف عائلته إذا خرج في الشارع مطالباً بحقوق مشروعه، أو أن تقتلع حباله الصوتية، إذا تكلم في غير المباح السياسي، أو تقتل أطفاله بدون أي رحمة، أو تمحو مدينة عن بكرة أبيها.

 

بين الكلمات
رغيف خبز برائحة البارود في الثورة السورية
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة