ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 03/09/2012 Issue 14585 14585 الأثنين 16 شوال 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

منوعـات

      

قبل بضعة أشهر وعلى جانب من معرض الفن الكويتي المعاصر المقام في مركز الأمير فيصل بن فهد بالرياض, تحلَّق الزوَّار والفنانون مشكلين حلقة نقاش يقوم فيها الزوَّار بطرح الأسئلة على التراتب. فعندما حان دوري, وعلى خلاف الأسئلة المطروحة التي تتعلق باللوحات المعروضة والمدارس الفنية وبعض الأسئلة التقنية الأخرى. وكعادتي في إثارة الجدل أينما حللتُ, سألتهم عن السبب الذي يدفعهم لأن يستمروا في الرسم في الوقت الذي نشهد تراجع الإقبال على الفن التشكيلي لصالح التصوير الضوئي والجرافيكس وغيرهما. وفي ظل غلاء الأدوات والخامات مقابل سوق كاسدة لبيع الأعمال الفنيّة. ووضحتُ لهم - كي لا يعتقدوا أني أهدف لتهميش الفن - أني فنانة تشكيلية متوقفة بعد أن وجدت وسائل للتعبير أقل عبئاً وأكثر نظافة مقارنة برائحة التربنتين وألوان الزيت التي يصعب إزالتها من الثياب والغرفة والأيدي.

حينها شعرت بأني دفعتهم دون أن أدري للرد عليَّ بحماس, ردّ المنافح القويّ. فتداخلت الأصوات بالأجوبة وارتفعت وتيرتها حتى قطع أحد الفنانين تلك الزوبعة بأن قال: الجواب بكل بساطة:.. هو الشغف.

«الشغف» عاشت هذه الكلمة في ذاكرتي أياماً وشهوراً طويلة وأنا أفكر في ذلك الشيء الذي يدفع بعض الناس لتحمل ظروف استثنائية في سبيل ما يشغف به. هذا إلى أن حانت ذكرى اغتيال فنان الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي الموافق 29 أغسطس. هذا الفنان الذي وجد في الريشة متنفساً عن ما يختلج في صدر شخص استبيحت بلاده. لقد وجد في الريشة أجنحة وأفقاً آخر منذ اعتقال القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان, حيث حوّل جدران الزنزانه إلى لوحة نطق من خلالها باعتلاجاته وأحزانه وحنقه.. أو ربما إلى نافذة هرب من خلالها نحو الحرية..

لكلّ منا شغفه الخاص ولكن بحاجة فقط لاكتشافه. وحين يدفعنا أمر ما لسلسلة من التضحيات نكون قد اكتشفنا شغفنا.. وعادة ما تكون الضغوطات والمعاناة هي الفُرن الذي يُنضج الشغف. تماماً كما حصل مع ناجي العلي.

حيث قادته الليالي الظلماء في السجن إلى نور التعبير بالريشة! ومنها بدأ رحلته التي علِم مسبقاً خاتمتها..

فمن أقواله المأثورة: «اللي بدو يكتب لفلسطين, واللي بدو يرسم لفلسطين, بدو يعرف حالوا: ميت». وهنا تتجاوز التضحية بالوقت والعناء إلى الحياة، لذاك أرى أن الأمر تعدى كونه شغفاً.

إذن يمكننا أن نقول إنه إذا كانت الموهبة والقضيّة هي شرارة البدء, فالشغف هو الدافع لاستمرار جذوتها. وهو بمثابة الخارطة التي ترشدنا إلى تحقيق مغزى كفاحنا مع الحياة. وإلا لأصبحت مجرد أيام وساعات تنطوي على روتين وحفنة واجبات لا أكثر. لقد بقيتُ أفكر بالشغف على أنه الروح التي تحرّك جمود الحياة وتهبك الدفعة التي تحثك على احتمال الصعاب والمعوقات. حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستعاضة عن الشغف بالمال مثلاً. ولدينا في حياة الفنانون شواهد كثيرة, وهي ما تفسر لنا استمرار الرعيل الأول من روّاد الفن في العالم العربي في العطاء رغم شُح المردود المادي آنذاك. سواء ممثلين أو فنانين أو غيرهم.

لكل منا أسلوبه الخاص في الانطلاق من قيود الحياة. سواء بالريشة أو بأي وسيلة أخرى. كل ما علينا - فقط - الأصغاء الصادق لنداء الذات. ويتبقى علينا ترجمة ذلك النداء إلى فعل حقيقي ينفّس الغليان الداخلي واليومي.

كل عمل نقوم به ولا يحقق لنا شعوراً بالرضا هو فاقد للشغف. هذا ما يفسر لنا إحباط بعض الناس حين يزاول عملاً ليس من صميم شغفه وما بذل من أجله سنينا دراسية مضنية. خريج هندسة يعمل معلّماً, أو كيميائي يعمل في خدمة العملاء، سوف يكون وبالاً على مؤسسته. لأن ساعات عمله سوف تكون مجرد أداء واجب مجوّف من روح حقيقية ورغبة في الإبداع والإنجاز. وهذا ما نجده جليّاً لدى الفنان الراحل ناجي العلي بحيث لم يستطع أحد ما أن يوقفه عن التحليق في عالم الرسم اللاذع إلا برصاصة غادرة.

لكن تبقى علينا أمر واحد.. هو تحديد شغفه الحقيقي:

أهو الرسم أم الحرية؟

kowther.ma.arbash@gmail.com
 

إني أرى
هل وجدتَ شغفك الحقيقي؟
كوثر الأربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة