ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 06/09/2012 Issue 14588 14588 الخميس 19 شوال 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

قال أبو عبدالرحمن: اللغة - أيَّ لغةٍ - تعبيرٌ عن مراد أهلها وما تصوروه من موجود أو مُتوَهَّم.. وعلى هذا فالمسميات التي تحتاج إلى اسم أو رمز لا تخرج عن ثلاثة أمور:

أولها: شيئ عرفه أهل اللغة أو صنعوه ففرغوا من دلالته.

وثانيها: شيئ استجد اكتشافه في الأرض أو البحر أو السماء من حيوان أو نبات أو نجم أو مجرة.. إلخ.

وثالثها: شيئ استجدت صناعته واختراعه.

والأمران الأخيران إما أن يكونا استجدا عند أهل اللغة باكتشافهم أو صناعتهم، ولم تُسَمَّ بعد.. وإما أن يكونا استجدا عند غير أهل اللغة، وحصلت التسمية بلغة من حصل عندهم الاكتشاف أو الاختراع؛ وبناء على هذا فأول ملاحظة ترد على مَن وصف العرب بضيق العطن كالدكتور بنيخلف في كلامٍ له؛ فقد قال عن اللغة العربية وأصحابها: «دخلوا في سبات عميق منذ بضعة قرون حتى أصبحت [يعني اللغة] لا تواكب التطور العلمي والتكنولوجي».. ثم وصف اللغة العربية بمعاناة نقصٍ مصطلحي، وعبَّر بجملة استثنائية تدل على أن المستثنَى هو الأسهل على اللغة العربية، ومع هذا تعاني عجزاً مصطلحياً فيه؛ فقال: «حتى في الميادين التي فتحتها الثورة الصناعية».. ووصف هذه الثورة بأنها متجاوَزةٌ في نهاية القرن العشرين !!.. يعني أنه استجدَّ بعدها ما هو أعظم منها.

قال أبوعبدالرحمن: هذا خلط بين اللغة وأهل اللغة؛ فأما العرب أهل اللغة فلا ريب أنهم تقاعسوا - بعد عزهم العلمي السامق - في العلوم الدنيوية اكتشافاً واختراعاً، وصرفوا مواهبهم الجبارة في العلوم النظرية؛ فصار الاختراع والاكتشاف المستجد يصلان إليهم بلغة غيرهم..وأما اللغة العربية فلا يجوز وصفها بأنها عجزت أن تواكب التطور العلمي والتكنولوجي؛ لأن هذا التطور لم يكن من فعل أهلها؛ فيقال: إنها عجزت عن إمداد أهلها بما يحتاج إليه تطورهم من اسم ورمز !!.. وكيف تتسع لغات الخواجات (وهي أضيق من اللغة العربية دلالة، وأضعف قابلية للنمو باتفاق الدارسين) لِما استجدَّ لهم من اكتشاف واختراع، ثم تضيق اللغة العربية عن هذه الاستجابة لو كان الاكتشاف والاختراع من فعل أهلها؟!.. أما إسعاف اللغة العربية لأهلها بأسماء للمكتشفات والمخترعات التي ليست من اكتشافهم ولا مِن صُنْعهم: فمحال أن تُمِدَّهم بأسماء غير تسميةِ مكتشفيها ومخترعيها.. واللغة قد لاتعجز عن ذلك أحياناً لو أرادت ذلك استئنافاً بدلالات من مجاز اللغة الوسيع والنحت والرمز بالحروف، والنسبة إلى المختَرَع أو المكتَشَف من علَم آدمي أو مكاني أو زمان أو صفة من صفاته.. إلا أن الاختراع والاكتشاف قد تَمَّا بفعلٍ غير عربي؛ فالعرب مطالبون بأخلاق رفيعة؛ فلا يغتصبوا التسمية لمسميات لم يكتشفوها ولم يخترعوها، بل يتعاملون مع كل الأسماء الخواجية تعاملهم مع كل لغة أجنبية؛ فما كان اسماً أجنبياً لأمرٍ سبق للعرب أن عرفوه وسموه: فواجبٌ عليهم أن يعودوا لاسمهم العربي، ولا يجوز لهم - بمقتضى براهين ضرورة اللغة العربية لوجودنا وهويتنا المعتبرة - أن يستبدلوا عنه اسماً أجنبياً.. وذلك مثل «الكوبري» وقد عرفنا الجسر والقنطرة.. وأما ما كان اسماً أجنبياً لأمر لم يعرفه العرب ولم يُسمُّوه، ثم استجدَّ لهم العلم به بتسمية غيرهم؛ فهم يتعاملون معه بأن يُترجم الاسم الأجنبي.. ومعنى الترجمة أن يُؤْخذ ما يقابله دلالةً في اللغة العربية، أو يؤخذ من اللغة العربية ما يدل على المسمى دلالة تضمن أو لزوم أو شَبَهِيَّة، أو دلالة على إحدى وظائفه أو صفاته.. أما دلالة المطابقة فمتعذِّرة؛ لأن المخترَع أو المكتشف بصيغة اسم المفعول مستجد غير معروف عند العرب؛ فهو غير معروف في لغتهم.. مثال ذلك الهاتف في الدلالة على التليفون.. على ألاّ يكون الاسم العربي مشغولاً بتسمية أخرى؛ فيحصل لبس وإشكال.. ويتحتَّم اْتراضُ اللفظ الأجنبي، وإدخاله في معجم المصطلحات المقترضة، وتبيين جميع دلالات اللفظ المقترض بما فيها المعنى الجديد؛ وذلك إذا تعذَّر لفظ دالٌّ على جميع المُقْتَرَض - بصيغة اسم المفعول - من لغة العرب؛ فإن كان اللفظ المقترَض قابلاً للتحويل على صيغ العرب مثل تلفاز مكان تلفزيون فذلك أولى مما ذكره الدكتور بنيخلف من انتحال ما يدلُّ بالتضمُّن أو اللزوم.. إلخ؛ وذلك مثالية خلقية فكرية؛ لأن أول من اكتشف شيئاً أو اخترعه فهو أولى بتسميته.. وأما قول الدكتور بنيخلف: «حتى الميادين التي فتحتها الثورة الصناعية»: فذلك غفلة شنيعة؛ لأن ذلك ليس هو الأولى بالاصطلاح العربي؛ فيكون عدم إسعاف العربية بالمصطلح عيباً لها.. ليس هذا هو الأولى؛ لأن العرب لم يعرفوه قبل التسمية الأجنبية؛ وإنما الاستدراك الصحيح أن يقول الدكتور: (حتى ما كان معروفاً عند العرب).. يعني أن هذا المعروف عند العرب تعاني لغتهم نقصاً اصطلاحياً عليه.. ولا يصح هذا الاستدراك إلا إذا صح أن ذلك هو الواقع، ولكن الواقع عكس ذلك؛ فللأشياء التي عرفوها عشرات، بل مئات الأسماء على سبيل الترادف؛ وذلك لِما عظم دورانه في مشاهداتهم بُعْداً عن الملل من اسم واحد، ومراعاةً للصفات والوظائف الكثيرة التي تقتضي تعدد أسماء مترادفة.. وعندهم أن كثرة الأسماء دليل على شرف المسمى.. وقول الدكتور: «أصبحت متجاوَزة.. إلخ» عبارة ناقصة الدلالة على المراد، والأولى أن يقول: (التي تجاوزت في عظمتها وشمولها ودقتها في نهاية القرن العشرين كل ما سبق ذلك من ثورة صناعية.. أو التي بلغت ذروتها في القرن العشرين.. هذا على كسر الواو، أو تجاوزها الزمن بعدها، وهذا على فتح الواو).. ومن الكلام المتلعثم قول الدكتور: «الحديث عن التكنولوجيا يحتاج إلى مصطلحات حديثة عربية أو معربة أو منحوتة أو ناتجة عن الاجتهاد في لغة غنية جميلة (يعني العربية)، ولكن أصحابها.. إلخ».

قال أبوعبدالرحمن: قوله في أول الكلام: «مصطلحات حديثة» وقوله آخر الكلام: «من لغة غنية جميلة» يعني أن أزمة الاصطلاح عالمية لا عربية، وأن ذلك يكون عند الاكتشاف أو الاختراع أو قبل التسمية. وقوله: «أو معربة، أو منحوتة، أو الاجتهاد في لغة غنية»: يعني أنه يريد اصطلاحاً عربياً على تسميات جديدة بأسماء جديدة.. وعلى كل تقدير فلا يتحقق من هذا القول معنى صحيح؛ لأن الخواجات في تسميتهم ما عرفوه لم يحتاجوا إلى لغتنا الجميلة ولا إلى مُعرَّباتها.. والعرب في معاناتهم الاصطلاح على التسميات الجديدة بأسماء أجنبية سبيلهم التعريب - أي الترجمة إلى لغتهم -، والنحت.. فلا معنى لقوله: «أو ناتجة عن الاجتهاد في لغة غنية - يعني العربية -»؛ لأن ما مضى داخل في الاجتهاد، ولأن المعاناة إنما هي من أجل تحقيق كلام عربي دال.. والصواب أن يقول: «الحديث عن التكنولوجيا يحتاج إلى اصطلاح عربي بالاجتهاد في لغة العرب».. ثم يذكر مواضع الاجتهاد من المجاز والنحت وترجمة الاسم (التعريب).. وأنه إذا تعذر ذلك فالسبيل الوحيد الاقتراض مع الحرص ما أمكن على التحويل إلى وزن عربي.. أي صيغة صرفية.. والقمر الصناعي تعريب جميل لمعنى المسمى على سبيل التشبيه.. حصل هذا التشبيه بتقييد القمر بأنه صناعي.. وما اختاره الدكتور من التعبير بـ»ساتل» ففيه إغراب من وجوه:

أولها: أنه اقتراح لغير حاجة؛ لأن الاستعمال مضى على ترجمةٍ جميلة لمعنى المسمى.

وثانيها: أن ما ذكره معنى موؤود لا يكاد يعرفه إلا الخاصة.

وثالثها: أن معنى «ساتل» مضمَّن في مسمى القمر - كونياً كان أو صناعياً -.

ورابعها: أن التتابع حسب مسار معين يتحقق في أمور كثيرة في السماء والأرض، أما القمر الصناعي فقد حُدِّد فيه التتابع في مسار معين؛ وذلك بوصف القمر بأنه صناعي.. والعرب عانَوا الترجمة والاقتراض معاً؛ فأما الترجمة فلا تحتاج إلى مثال لكثرتها، وأما الاقتراض فمثاله: (آذريون) لزهر أصفر في وسطه حَمْلٌ أسود، وأسفيداج لرماد الرصاص، و(برجيس) للمشتري.. وفي كتب مفردات الطب والنبات والأغذية من هذه الأمثلة ما لا يُحصى، وأما ما وصل إلى العرب عِرْقاً عن العرب لغة بلغتهم السامية في جزيرتهم فلا يكون مُقْتَرَضاً ولا مُترجماً وإن جَهلوا اشتقاقه، وكيف يكون ذلك والفصحى من عُمْق السامية، ولا تُوجَد لغة سامية خرجت من جزيرة العرب توصف بأنها أسبق من لغة العرب.. وأمَّا ما كان اسماً لواقِع مغيَّب ليس في لغتنا بيان معناه فلا نتكلَّف له احتمالاً من لغة العرب مثل (سَلْسَبيل) على أن معناه منحوت من السلاسة، وأن نسأل اللهَ إليه سبيلاً، بل هذه تسمية من الله جل جلاله لمغيَّب لا يعلمه إلا هو، ولكن نعلم عِلْمَ اليقين أنه مُنتهى اللذة في جنة النعيم.. نسأل الله برحمته وهدايته وإعانته ومغفرته أن ندخلها بَدْءاً، وأن يُحرِّمنا على النار.. ولعلها تعنُّ مناسبةٌ لتعميق هذا الموضوع بزيادات في مُسَوَّداتي، والله المستعان؛ وإلى لقاء إن شاء الله تعالى.

 

مَن أَحَقُّ بتسمية الأشياء؟
ابو عبد الرحمن بن عقيل الظاهرى

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة