ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 06/09/2012 Issue 14588 14588 الخميس 19 شوال 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

تقارير

 

الهند والعلاقات الأمريكية
شاشي ثارور

رجوع

 

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكيَّة، فلعلَّ الجانب الأكثر لفتًا للانتباه، من وجهة النظر الهنديَّة، ألا أحد في نيودلهي يهتم بشكل مفرط بنتيجة الانتخابات. فهناك الآن إجماع واضح في دوائر صناعة السياسة الهندية على أن العلاقات الهندية الأمريكيَّة تتقدم بشكل أو بآخر على مسارها الصحيح أيًا كان الفائز.

والواقع أن الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء مسؤولون عن هذا التطور. فزيارة الرئيس باراك أوباما الناجحة للهند في عام 2010م، وكذلك خطابه التاريخي في الجلسة المشتركة للبرلمان، كان بمثابة التتويج للأحداث الأكثر أهميَّة في العلاقات الثنائية بين البلدين.

وكان هذا واحدًا من اللقاءات العديدة بين أوباما ورئيس الوزراء مانموهان سينغ في العديد من المنتديات منذ توليه منصبه، التي كانت تتم عادة في مؤتمرات قمة مُتعدِّدة الأطراف مثل مجموعة العشرين، ولقد عزز هذا اللقاء العلاقة الجديدة التي نشأت عن عشرة أعوام من التغيّر الجذري.

طوال فترة الحرب الباردة، كانت الديمقراطية الأقدم ونظيرتها الأكبر على مستوى العالم في تباعد ونفور بشكل أساسي. ولقد انعكس أول دلائل عدم الاكتراث الأمريكي في رد فعل الرئيس هاري ترومان عندما طلب منه تشاستر باولز تعيينه سفيرًا إلى الهند، فقال: «كنت أتصور أن شوارع الهند مكتظة بالفقراء والأبقار، والمشعوذين، والنَّاس الجالسين على الفحم المتوهج، والمستحمين في نهر الجانج... ولكني لم أكن أدرك أن أحدًا قد يعتقد أن الهند بلد ذو أهمية».

وبالرغم مما ينطوي عليه هذا من سوء، فإن توجه الهند السياسي كان أشد سوءًا. كان الميل الأمريكي إلى صناعة حلفاء مناهضين للشيوعية، وإن كانوا تافهين، السبب وراء ارتباط واشنطن بديكتاتورية باكستان بشكل متزايد، بينما انجرفت ديمقراطية عدم الانحياز في الهند إلى أحضان الاتحاد السوفيتي العلماني. وكانت الحكومة الأمريكيَّة تنظر إلى دول عدم الانحياز بقدر كبير من المقت والكراهية؛ فقد أعلن جون فوستر دالاس، وزير خارجية أيزنهاور، صراحة أن «اتِّخاذ موقف محايد بين الخير والشر هو الشر ذاته». وفي عالم منقسم بين قوتين عظميين متصلبتين، بدت مماطلة الهند وكأنَّها محاولة استرضاء في أفضل تقدير، أو مساعدة وعون للعدو في أسوأ تقدير.

ومن ناحية أخرى، أصبحت باكستان مكونًا أساسيًّا في الإستراتيجية الأمريكيَّة الرامية إلى احتواء الاتحاد السوفيتي، ، ثمَّ انفتاحها على الصين في وقت لاحق. ومن وجهة نظر الهند، تحوَّل التدليل الأمريكي لباكستان إلى عداء علني عندما أرسلت الولايات المتحدة الأسطول السابع إلى خليج البنغال لدعم الإبادة الجماعية الباكستانية في بنجلاديش في عام 1971.، ثمَّ هدأت حدة الموقف بالسُّرعة الكافية، ولكن الهند ظلت دومًا تُعدُّ أكثر ميلاً نحو الكرملين، وبطبيعة الحال لا يشفع هذا لعلاقات دافئة في نظر الأمريكيين.

مع نهاية الحرب الباردة، وتغيير الهند لتوجهها في السياسة الخارجيَّة، فضلاً عن اندماجها المتزايد في الاقتصاد العالمي، بدأ الثلج بين البلدين في الذوبان. ولكن تفجير الهند لقنبلة نووية في عام 1998 كان سببًا في استفزاز جولة جديدة من العقوبات الأمريكيَّة.

ثم بدأ الرئيس بل كلينتون في تغيير الأمور من خلال زيارته إلى الهند في عام 2000، عامه الأخير في منصبه، التي حققت نجاحًا هائلاً. أما إدارة جورج دبليو بوش فقد أخذت الأمور إلى أبعد من ذلك كثيرًا، بإبرام اتفاقية دفاع في عام 2005م، واتفاق التعاون النووي المدني التاريخي في 2008 (الذي يُعدُّ حتَّى الآن محور التحوَّل الذي شهدته العلاقات بين البلدين).

لقد أنجزت الاتفاقية النووية أمرين في نفس الوقت. فقد سمحت للهند بالدخول إلى النادي النووي العالمي، على الرغم من رفضها توقيع معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. والأمر الأكثر أهميَّة هو أن الهند أقرّت بأن استثنائية الولايات المتحدة وجدت لنفسها شقيقًا. وبفضل الولايات المتحدة، التي أرهبت مجموعة الموردين النوويين التي تتألف من خمس وأربعين دولة وأرغمتها على ابتلاع مخاوفها بأن المعاملة الخاصَّة التي تتمتع بها الهند قد تشكَّل سابقة للدول المارقة المتطلعة لامتلاك السلاح النووي مثل باكستان وكوريا الشماليَّة وإيران، فالآن هناك «استثناء هندي».

وفي عهد أوباما، لم يكن من الممكن حدوث أمر بهذا القدر من الإثارة: فلم يتصور أحد حدوث أي انفراجات مثيرة. ولكن أوباما - الذي يعرض صورة للماهاتما غاندي في مكتبه بمجلس الشيوخ، ويحمل قلادة لهانومان الإله الهندوسي، ويفصح دائمًا عن رغبته في بناء «شراكة إستراتيجية وثيقة» مع الهند - ضرب على الأوتار الرمزية المناسبة في نيودلهي، ونجح في استمالة البرلمان المشاكس.

إن الولايات المتحدة تُعدُّ الشريك التجاري الأكبر للهند (إذا أدرجنا السلع والخدمات). فقد كان نمو حجم الصادرات الأمريكيَّة إلى الهند في الأعوام الخمسة الأخيرة أسرع مقارنة بأي دولة أخرى. ووفقًا لتقديرات اتحاد الصناعات الهندي، فبالرغم من الأزمة الماليَّة العالميَّة الأخيرة والركود الأمريكي الذي أشعل شرارتها، فإن التجارة الثنائية في الخدمات من المُرجّح أن ترتفع من ستين مليار دولار إلى أكثر من مائة وخمسين مليار دولار في السنوات الست القادمة.

وخلال سنوات حكم أوباما، تَمَّ إحراز تقدم على جبهات أخرى - الخطوات الصغيرة لكن المهمة التي أدت مجتمعة إلى تعزيز أواصر العلاقة. وتشهد اتفاقيات على أمور تبدو عادية مثل الزراعة والتَّعليم والصحة، وحتى استكشاف الفضاء وأمن الطاقة، على التعاون المعزز. كما أعلنت الحكومتان عن مبادرات تتعلّق بالطاقة النظيفة وتغير المناخ. وأكَّدت اتفاقيات التجارة والاستثمار الكبيرة، فضلاً عن العلاقات المتنامية بين الجامعات الأمريكيَّة والهندية، على أن كلاً من الجانبين حريص على تنميَّة حصة أكبر من المصالح لدى الجانب الآخر مقارنة بأي وقت مضى.

ومن ثَم، فإن الهنود سوف يتابعون الانتخابات الأمريكيَّة الجارية، مثلهم مثل غيرهم، باهتمام أكبر من عابر. ولكنهم خلافًا لأغلب بقية العالم، سوف يشعرون بقدر ضئيل للغاية من القلق فيما يخص نتيجة الانتخابات.

* شاشي ثارور وزير الدَّولة الهندي الأسبق للشؤون الخارجيَّة، ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة سابقًا، وعضو البرلمان الهندي. ومؤخرًا صدر كتاب من مؤلفاته بعنوان «السَّلام الهندي: الهند وعالم القرن الحادي والعشرين».

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012. - نيودلهي - خاص بـ(الجزيرة)*

www.project-syndicate.org
 

رجوع

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة