ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 10/09/2012 Issue 14592 14592 الأثنين 23 شوال 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أشار مصدر في هيئة مكافحة الفساد، في تصريح أقرب للنصيحة والتوسل لمن عبث بالأموال العامة، إلى أن الفرصة لا تزال مواتية لمن يريد إبراء ذمته تجاه المال العام من أموال قد يكون أخذها بغير وجه حق، مؤكداً في الوقت نفسه بأن الإيداع في الحساب الذي تم فتحه منذ أكثر من سبع سنوات، يتم التعامل معه بمنتهى السرية، ولكن هل من سرق مالاً عاماً لديه ذمه حتى يبرئها من ذنوبه تجاه الوطن!، وهل يجب أن نتعامل معه بالسرية عبر القنوات الرسمية، أو من خلال قانون الستر على من ابتلي بسرقة المال العام، وهل يدخل هذا الجرم الكبير في الابتلاء أو امتحان المرء في ذمته ودينه، وهل يستحق هؤلاء الصفح العام عندما يودعون بضع ملايين في حساب رسمي.!

“إذا ابتليتم فاستتروا” من أكثر الأقوال المأثورة التي يتم استخدامها في غير موضعها، فالستر يكون عند الابتلاء بالأشياء الشخصية، والتي ليس فيها مساً بحرية وكرامة الآخرين، ولكن الذين يسرقون المال العام ليست لهم سرية أو ستراً، لأنهم يعبثون بمستقبل بلد واعد، ويضيعون ثروات وطن يبحث عن المستقبل الأكثر أمناً لأبنائه، لذلك لا أجد في هذه الطريقة نفعاً لردع التعدي على ثروات الوطن، ولكن نحتاج إلى تقديمهم للعدالة كما حدث في قضية سيول جدة، والتي لا زالت تخضع أيضاً للسرية والستر، وقد كان تحركاً في الاتجاه الصحيح لكن تنقصه الشفافية.

إبراء الذمم من حقوق الناس عادة يأتي من خلال تصرف شخصي بحت، وعادة يختار التائب أن يصرفه للجمعيات الخيرية، وليس لحساب تتطلع عليه الحكومة أو هيئة مكافحة الفساد، أو أن يوزعه هبات أو كرسي للبحث العلمي، لذلك يفترض أن لا تتوقع الهيئة أن يأتيها التائبون بالأموال المسروقة ليودعوها للحساب الحكومي، ولكن عليها أن تتعامل مع الفساد المالي من خلال عقل جنائي بحت، فهي تمثل جهة تحقيق، وليس جباية بعض الأموال المنهوبة من خلال التوسل والوعظ، اتركوا الوعظ لعلماء الدين، واعملوا على كشفهم مهما كلف الأمر، وإذا ورد إلى علمكم خبر أن أحدهم اختلس مالاً أو تلاعب بالمصلحة العامة يجب تقديمه للعدالة ومحاسبته، وبالتالي يعلم الآخرين أن جزاء سرقة المال العام العقاب والإعلان عنه في الجرائد الرسمية، وذلك من باب الشفافية التي يجب أن تحكم واقعنا منذ اللحظة.

من أصعب الأشياء في الحياة أن تبني نوعاً من الثقة الإيجابية بين المسؤول وبين المواطن، ومتى ما شعر المواطن أن الأمر غير جاد، وأن ملاحقة الفاسدين تخضع لمعايير اجتماعية ومحسوبية، فإن ثقافة الفساد ستنتشر أكثر وتصبح أخلاقاً عامه، لأن الناس لم يعرفوا حدوداً قانونية للفساد، أو أمثلة تردعهم عن فعل مثل هذا السلوك الفاسد، وقد يؤدي هذا التجاهل لهذه الجريمة إلى انتشار الرشوة ووصول الفساد إلى أخلاقيات العامة، وفي ذلك هلاك لمصالح الوطن ومستقبله، وعندها لا تنفع النصائح والوعظ، فالمجتمع قد دخل مرحلة شرعنة الفساد من أجل أن يعيش، وتلك أحد أهم أزمات دول العالم الثالث التي واجهت انقلابات عاصفة من أجل إعادة بناء الأخلاق العامة.

علي سبيل المثال عندما وصلت مصر إلى مرحلة اللا عودة في مسار تدهور الأخلاق العامة بعد تغلغل الفساد في الطبقات الوسطى ثم اختفاؤها، حدثت الكارثة أو الثورة، والآن توجد محاولات لإعادة صياغة الأخلاق العامة، وقد تنجح الحكومة المصرية أو قد لا تنجح لأن الفساد الأخلاقي أصبح جزءا من ثقافة الفرد، لكن الأمر يحتاج إلي معجزة اقتصادية من أجل بناء الثقة مرة أخرى بين الإنسان والسياسي المصري، أو ربما تخرج أجيالاً جديدة خالية من التلوث الأخلاقي، وأعتقد أننا في مرحلة لم تصل بعد إلى تسمم الأخلاق بعادات وسلوك الفساد، لكنها أن لم تُعالج سريعاً ستدهور، وعندها يصبح الأمر غير قابل للإصلاح، وتلك المصيبة والله على ما أقول شهيد.

 

بين الكلمات
إبراء الذمة الرسمي
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة