ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 14/09/2012 Issue 14596 14596 الجمعة 27 شوال 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لا أحد فينا يستطيع أن يختار لحظة ولادته أو مماته.. ولا زمنا يحدد موعداً لتذكر من نحب.. لكن في رثاء من نحب يختفي الزمن.. فالفجيعة التي تغتالنا لحظة خطف من نحب تُغيبُنا عن ملاحقة الزمن.

توخى حمامُ الموت أوسط أخوتي

فلله حيث اختار واسطة العقد

طواه الردى عنا فأضحى مزارُه

بعيداً على قربِ قريباً على بعدِ

شاءت الأقدار أن أكون متواجدة على سواحل عتمة الغربة حين اغتالتني فجيعة فقد شقيقي الحبيب... ورغم أني أعلم أنّ الموت حق وكل نفس ذائقة الموت، إلاّ أنّ فجائية فجيعة الفقد صيّرت مكان غربتي سلالَ رمادٍ قاتمة أغرقت أنفاسي في صمتٍ لا يقطعه سوى نسج آهاتٍ تصهرني في بوتقة الأحزان، وإيقاع نبضٍ يئنُ من فجيعة الرحيل المفاجئ.. ودموع ليس لها من خيار سوى أني أمسحُها بمنديل ذكرياتٍ اخْتزَنتها جيوبُ ذاكرتي.. وتحمل ملامح شقيقي الغالي وتفاصيل جزئيات حياته الممتزجة بحكايا شقاوة طفولته.. وثورات عناده ومشاكساته الطريفة لي ولإخوتي... ثم إلى تلك الآهات التي زحفت بهدوء صامت على إيقاع وجعٍ يتمتم بأنةٍ صدى زفيرها يتردّد خلف نافذة ألمٍ، تَوجعَ منه ريعان صباه وشبابه، واختزل سنين عمره في زحمة اللاشيء، ليرحل بعدها رحلة النهاية الأبدية تاركاً قلوباً لضجيج الحزن فيها مقابع... وفراغاً صامتا تضنيه فوضى القلق.. وأماً وإخوة آمنوا بقضاء وقدر ربِ الفلق.

ورغم جبروت ذاك الحزن الذي استوطن مرابع فؤادي... ورغم ذاك الوجع الغائر الذي لازمني لحظة فجيعتي بفقد شقيقي الغالي [عبد الحميد] أجدني أتنفس من أفق المسافات.. وألاحق الزمن بجنونٍ قزمني أمام نفسي، وأنهك مشاعري الثكلى بفجيعة رحيلٍ مفاجئ، فأحاول جاهدة لملمة ما تبعثر مني لأتجاوز حدودَ أحزانٍ أخذت تُعربدُ في أعماق ذاتي... وفجيعة تصرخ آهات في نبض شراييني.. ومن أبعد المسافات، حيث شواطئ الغربة ومدائن النأي... تُختصَر كل الكلمات تحت [حنين... أنين] فأنى لهذه الكلمات أن تحتمل بركانَ حممِ مشاعرِ حزنٍ عايشتُه في بعدي ووحدتي؟

حنينٌ اسْترجَعَ شريطَ ذكريات السنين وفجّر بركان الأنين فذرفتُ دموع فجيعة الفقد من حيث لا يدري بي إلاّ وسادة صبرتْ كثيراً على نزف دمعي وشاطرتني ملاحقة عقارب الساعات والثواني... ففي عتمة الغربة تبقى الثواني مثقلة الخطى.. ويبقى الجسد المنهك متكئاً على جدار الانتظار.. ويأبى حنين ذكريات الأمس وأنين مواجع اليوم إلاّ أن تحاصر أعماق ذاتي ونبض قلبي... بالأمس كنا معاً تحت سقفٍ واحد.. يجمعنا بيتٌ دافئ.. وحضنُ أمٍ حنون.. وقلبُ أبٍ محبٍ عطوفٍ كريم، لكن شاءت الأقدار أن يسبقك في الرحلة الأبدية، واليوم خلت كل الزوايا لتبقى الأماكن بعد رحيلكما عصفاً ينخرُ قلوبنا وَجْداً ووجعاً، لكن هي الأيام تهدينا فواجعها ثم تختفي، وليس أمامنا سوى الصبر والرضا بقضاء الله وقدره...

فيا ربي يا من أمرك بين الكاف والنون...

الطف بعبدك وارحم من صار تحت الثرى مغمض الجفون وما بين ضجيج أسئلة يصاحبها ألمُ غيابٍ وفقد... تبقى مدائنُ الروح في حزنٍ غائم... تنزف إجاباتِ مسافاتٍ يعتريها قلقٌ يمازجه شوق العودة إلى الديار إلى الوطن إلى الأهل إلى أمي الحبيبة المفجوعة بفقد شقيقي إلى إخوتي المكلومين جميعاً، إلى ابني الحبيبين [محمد وعبد الله] اللذين هزّتهما فجيعة الفقد فبقيا على تواصلٍ مستمرٍ معي وكأنهما يتلمسان جوانبَ من شرايين فؤادي ليمحوا منها ما يؤلمها ويوجعهما من كل تفاصيل فجيعة لا زالت رطبة ندية.. فيا له من حنين وأنين أنفاسه باتت متلاحقة، ونهايته زفير شهقة ودمعة تسيل وترفض الانصياع لقوائم الانتظار على مرافئ مدن الاغتراب.. ويقتات قلبي قلقاً موجعاً من شريانٍ علق في هذيان كل الأسئلة.. متى.. كيف... وأين..؟ أسئلة بحجم مرارة مشاعر الحزن التي انتابتني وتهالكتُ بحثاً عن إجابة لها... ففي عتمة الغربة تأبى مغاليقُ الصمت أن تجيب... لكن يبقى في قلبي أنين نبض ومرارة وجد... أدعوك ربي بصوتٍ خاشعٍ يعلو من الأعماق.. يرجو إلهاً واحداً أحداً وسواه ليس بباق.. رباه أكرم نُزُل أحبة غابت عن الدنيا وتوسدت الثرى... رباه أنزل طمأنينتك وسكينتك على قلب أمي الحبيبة وعلى قلوبنا جميعاً أنا وإخوتي وأحمدك ربي حمداً كثيراً على ما قدّرت وقضيت به.

zakia-hj1@hotmail.com
 

عود على بدء
على وجه البسيطة قد قُذفنا وما تدري المراكبُ أين تمضي
زكية إبراهيم الحجي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة