ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Wednesday 19/09/2012 Issue 14601 14601 الاربعاء 03 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

سمو الأمير:

كنا نجد في مكتبات مدارس وزارة المعارف التسلية والمعرفة والوعي المبكر، لقد كانت وزارة المعارف سخية كل السخاء، تشتري الكتب من كل البلدان العربية، ولا تدفعها إلى المدارس أو المكتبات العامة إلا بعد أن تجلد تجليدا أنيقا مترفا، فتأتي سيارات «اللوري» الضخمة تجوب مدن وقرى المملكة حاملة الخير والمعرفة والتنوير، وتهب مدارس ومكتبات كل مدينة أو قرية ما تستحقه من هذا السخاء المعرفي، وكنا نتطلع بشغف شديد إلى اليوم الذي ينتهي فيه رص وترتيب هذه الكتب في موضعها من الأرفف في المدرسة أو المكتبة العامة، لقد تعرفت أنا ونفر غير قليل من جيلي على كثير من الأدب القديم والجديد في هذه الحدائق الغناء المثمرة، قرأنا قصص الأنبياء، وغزوات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وتاريخ الدول الإسلامية، وعيون التراث من مؤلفات ابن الجوزي في صيد الخاطر، والأغاني لأبي الفرج، والعقد الفريد لابن عبد ربه، وأدب النهضة الحديثة وأبرز مبدعيها ومفكريها كمحمد رشيد رضا وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وطه حسين ومصطفى الرافعي وعباس العقاد وشكيب أرسلان وأمين الريحاني والمنفلوطي وجبران خليل جبران والزيات وغيرهم كثير مما لا تحضرني الآن أسماؤهم، واطلعنا على مجلات كثيرة جادة وترويحية ؛ مثل العربي، والمنهل، واليمامة، واقرأ، والجديد اللبنانية، وسندباد، وغيرها كثير.

ثم انقلب الحال في مكتبات المدارس من هذا الانفتاح الشهي الطلي، وهذا التسامح الرائع الذي خرج أجيالا معتدلة مستنيرة، تقرأ بلغة صحيحة، وتكتب بأسلوب سليم إلى مكتبات لا يجد فيها الطالب راغب المعرفة إلا كتبا ذات توجه واحد، كتبا أقرب ما تكون إلى الغلو والتهييج وتضييق الحياة، اجتهد في مد المكتبات بها جيل ما سمي بالصحوة، وتوقفت الوزارة - بتأثير من ضغط هذا التيار - عن إمداد وتغذية الوزارة للمدارس بحجة المحافظة على أفكار الأجيال من الانحراف، وملأَ الخاناتِ الفارغةَ المجتهدون من الحركيين الصحويين الذين يعملون وفق خطط مدروسة وأجندات معلومة ذات أهداف بعيدة واضحة لكل ذي لب، وهي النتائج المؤسفة التي اقتطفنا ثمارها المرة في العقود الثلاثة الماضية، وعلى الأخص في العقدين الأخيرين 1410هـ و1420هـ.

والآن يا سمو الأمير: توقفت الوزارة عن إمداد المكتبات بالجديد والتليد من الكتب خوفا من تسرب كتب التهييج إلى المدارس، ومع ذلك فربما كان هناك من لا يوفر لمكتبات المدارس إلا كتبا لا تخرج في اتجاهها عن لون واحد، وهي الكتب ذات الصبغة الدينية المحافظة جدا، أو حتى الغالية في كثير من الأحيان، وأما الكتب الأخرى المنفتحة فيُعتذر من المؤلف بعد أن تطيل اللجنة المكلفة دراسة ما قدم لها بأن تأمين الكتب ليس من اختصاص وزارة التربية والتعليم ؛ بل هو من شأن وزارة الثقافة والإعلام !

وهذه الحجة الواهية التي يتكئ عليها أصحاب المنهج الخفي في وزارتك الجليلة لا يسمعها إلا من يقدم لهم كتبا أدبية وثقافية يرون أنها تفتح أذهان الطلاب وقد تعيد صياغة توجهاتهم ؛ فيرفضون اقتناء الوزارة لها محملين وزارة الثقافة اختصاص اقتناء الكتب وتوزيعها على المكتبات العامة وغيرها في المناسبات الثقافية.

لا تصمد هذه الحجة الواهية أمام المنطق السليم وأمام تأريخ وزارة المعارف المجيد وأمام لب العملية التعليمية والتربوية ؛ فإذا لم يقترن الكتاب بالعملية التعليمية وإذا لم يحضر أمام الطلاب في فسحهم، وإذا لم يقدم لهم جوائز، وإذا لم يكن طريقا مفتوحا إلى آفاق الإبداع الإنساني وعبقرية التجلي في كل العصور والدهور فأين يجده إذاً ؟! هل يبحث الطلاب عن الكتب المفيدة الرصينة التي تبني وتهذب وتنضج في الأندية الرياضية ؟ أم في الحواري والسكك ؟ أم في الأسواق العامة والمراكز التجارية ؟ أم في المطاعم والمقاهي ؟!

إذا لم يحضر الكتاب في المدرسة فأين يمكن أن يحضر ؟! وإذا تخلت وزارة التربية والتعليم عن الكتاب الجيد الرصين المنفتح الذي يعلم الأدب وينور العقل ويعمق المعرفة فمن يا ترى يُعنى به إذاً ؟! ليست وزارة العمل أو التجارة أو الصناعة أو الزراعة أو البلديات مطالبة بأن تكون حفية به ؛ بل وزارتكم الجليلة !

إن خللا ما في التعليم لا ينكر الآن بحكم مخرجاته الضعيفة التي لا تخفى على كل مراقب ومتابع ؛ فلا نخسر مع ضعف التعليم ضعفا بينا وخللا آخر فادحا في التربية قد يقود إلى أن ندخل إما في رحلة تجهيل وأمية مقنعة، أو تيه لانهاية له مع تجربة مرة جديدة في التطرف !.

moh.alowain@gmail.com
mALowein@
 

كلمات
رسالة إلى وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله 2-2
د. محمد عبدالله العوين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة