ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 20/09/2012 Issue 14602 14602 الخميس 04 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

ما زالت ردود الفعل العربية والدولية التي تندد بالفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم مستمرة، حيث ندد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون به ووصفه بـ بالشنيع»، في حين وصفته وزيرة الخارجية الأميركية بالمقرف كما أعربت مصر والسعودية والأردن وإيران ولبنان والسودان عن إدانتها للفيلم...

...الذي أثار حملة واسعة من الاحتجاجات أسفرت عن مقتل السفير الأميركي في ليبيا وعدد من الموظفين بالقنصلية الأميركية ببنغازي.

وقالت متحدثة باسم الأمم المتحدة فانينا مايستراتشي إن الأمين العام «يدين الفيلم الشنيع الذي يبدو أنه أعد عمدا لزرع التعصب والتسبب بإراقة الدماء». كما دعا الأمين العام الأممي بهذه الفترة من التوتر المتصاعد، إلى الهدوء وضبط النفس، مشيرا إلى ضرورة الحوار والاحترام والتفهم المتبادل.

من جانبها قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الخميس الماضي «بالنسبة لنا وبالنسبة لي أنا شخصيا فإن هذا الفيديو مقرف ومدان. ويبدو أن هدفه السخرية الشديدة والإساءة إلى دين عظيم وإثارة الغضب». وأضافت «ولكنني قلت بالأمس إنه لا مبرر مطلقا للرد على هذا الفيديو بالعنف»، وأكدت أن الحكومة الأميركية لا علاقة لها بهذا الفيلم مطلقا.

وطالبت كلينتون أثناء إطلاق الحوار الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والمغرب جميع قادة الحكومات وقادة المجتمع المدني والقادة الدينيين برفض العنف، وأكدت أنه «من الخطأ الكبير أن يوجه العنف ضد البعثات الدبلوماسية، وهي الأماكن التي هدفها الرئيسي تحسين التفاهم بين البلدان والثقافات». وقالت إن «على جميع الحكومات مسؤولية حماية هذه الأماكن وحماية الناس، لأن الهجوم على سفارة أميركية هجوم على فكرة أننا نستطيع العمل معا لبناء تفاهم ومستقبل أفضل». وفي موسكو، أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن خشية بلاده من أن تعم «الفوضى» الشرق الأوسط في أعقاب الهجوم الدامي في ليبيا ضد القنصلية الأميركية وغير ذلك من الحوادث في مصر واليمن. وقال بوتين في تصريحات أوردها التلفزيون العام «نخشى أن تقع هذه المنطقة في الفوضى، وهذه هي الحال السائدة عمليا الآن».

المهم أنه على المستوى الرسمي لم تبق أي دولة إلا واستنكرت هذا العمل الشنيع في حق الدين الإسلامي وفي حق رسولها المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم...ولكن هل الدول لا تتحمل مسؤولية أخلاقية تجاه من تلوثت بصائرهم وأظهروا حقدهم الدفين في أعمال يندى لها الجبين...صحيح أن الديمقراطية الغربية تقر بعدة مبادئ كإقرار حقوق الإنسان، وإقرار النظام الدستوري لمزاولة السلطة، وإقرار النظام التمثيلي والنيابي، وبناء الحياة السياسية على أساس التعددية السياسية وأخيرا جعل المجال السياسي والمجال العمومي مفتوحا لإمكانية التداول السياسي؛ ثم صحيح أن الوعي الديمقراطي هو الذي يؤهل لثقافة تروي شجرة الانفتاح السياسي وتجعل أكلها ثابتا وفرعها في السماء، وبدون ذلك الوعي وتلك الثقافة تبقى الشجرة رهينة الرياح وتقلبات الجو؛ فلا يكفي الإتيان بدستور يكتب في المئات من الصفحات ويحرك الجن والإنس لمناقشته والمصادقة عليه، ولا يكفي خلق انتخابات محلية وتشريعية تصرف عليها الملايين وتجند لها الطاقات، إذا لم تكن هناك ثقافة ووعي ديمقراطيين لدى كل المواطنين؛ وهذا هو الذي يخلق المناخ السياسي الملائم لعمل كل المؤسسات في شفافية تامة ومردودية أكبر ويربط المسؤولية بالمحاسبة؛ ولكن المحللين السياسيين غالبا ما ينسون أو يتناسوا الوعي الإنساني الذي يبني الأسرة الإنسانية الواحدة والبيت المجتمعي المشترك، وهذا الوعي هو لب المرتكزات الجامعات لتأسيس منهج راسخ لتعايش بشري آمن في وطنهم العالمي الكبير، وأقاليمه المبثوثة في الأرض.

فالبشرية اليوم وللأسف كما قال الأستاذ الجليل حامد الرفاعي في تقديم كتاب كنت قد أصدرته منذ سنوات عن تحالف الحضارات ليست على شيء يُحمَدُ لها أو يُسعِدُها في أمنها واستقرارها، ولن يتغير حالها إلى ما يلبي تحدياتها وطموحات أجيالها إلا بالتعاون والتدافع الإيجابي بينها، وتفعيل مكنونات الخير والفضيلة في مخزونها الوجداني من أجل عمارة الأرض وإقامة العدل وصون كرامة الإنسان وسلامة البيئة وتوفير الاستقرار والتنمية والازدهار وتحقيق تعايش بشري آمن. ولكن كيف..؟ البداية هي الحوار كما قلنا في العديد من المقالات التي نشرناها في جريدة (الجزيرة) الغراء، مع التأكيد أن الحوار ليس غاية لذاته، بل هو وسيلة حكيمة من أجل غاية عظيمة وجليلة ألا هي «التعارف». والتعارف يوم يقوم بين الناس ينشئ مدخلاً كريمًا وتربة خصبة ومناخًا حيويًا لغرس بذور غاية أعظم وأجل ألا وهي «التفاهم». والتفاهم يوم تتأصل شجرته في نفوسهم وتشمخ فروعها في آفاق حياتهم وتأنس أرواحهم في ظلالها الوارفة يومئذ تبدأ المجتمعات جني ثمراته وإذاك تكون قادرة على بلورة قيم ومبادئ وأخلاقيات ووسائل وضوابط ميثاق بشري راسخ يكون منطلقًا صلبًا، وسبيلاً آمنًا لمسيرة بشرية راشدة.

والسؤال يبقى يلح ليقول من جديد: كيف وما هو السبيل إلى ذلك..؟ والجواب مرة ثانية وثالثة.. هو: الحوار.. أجل الحوار.. ولكن مع إضافة نؤكد بها فنقول: الحوار المحايد.. المحايد دينيًا.. والمحايد ثقافيًا.. والمحايد سياسيًا.. والمحايد اقتصاديًا.. والمحايد عرقيًا.. والمحايد جنسيًا.. نريد حوار الإنسان للإنسان.. وفق قيم محايدة بعيدًا عن خصوصيات الفهم والاجتهاد والتأويل للمنطلقات الربانية الإنسانية الجامعة.

لا نريد حوارًا لصالح دين ما على حساب دين آخر أو لتنتصر ثقافة بعينها على ثقافة أخرى أو لتبسط دولة ما هيمنتها على دول أخرى، ولا لتحقيق طموحات سياسة ما على حساب طموحات سياسات الآخرين.. نريد حوارًا ينتظم به ومعه التنوع البشري بكل أشكاله ومصالحه، نريد حوارًا تنتظم به المفاهيم المشتركة، وتتوحد معه الغايات المشتركة.. ويصان به المصير الإنساني المشترك.

نريد حوارًا مؤسسًا على ثوابت الاحترام المتبادل، نريد حوارًا ترتكز منهجيته على عدم التعرض للخصوصيات الدينية، والثقافية والاجتماعية وعدم انتهاك رموزها ومقدساتها، نريد حوارًا تحشد به طاقات وإمكانات التنوع البشري بكل انتماءاته ومضامينه ومسمياته وطموحاته، من أجل التعاون والعمل الصادق لإجلال وصون:

1 - قدسية قيم الإيمان بالله، ووحدة الأسرة البشرية ومصالحها المشتركة.

2 - قدسية حياة الإنسان وكرامته وممتلكاته.

3 - قدسية العدل والسلام وسلامة البيئة.

4 - قدسية عقل الإنسان وحريته وغذائه وصحته وتعليمه.

يستحيل بناء المجتمع الإنساني إذا انتهكت رموز ومقدسات الديانات ويستحيل بناء المجتمع الإنساني إذا لم تحترم قدسية قيم الإيمان بالله، ووحدة الأسرة البشرية ومصالحها المشتركة، و قدسية حياة الإنسان وكرامته وممتلكاته، و قدسية العدل والسلام وسلامة البيئة، وقدسية عقل الإنسان وحريته وغذائه وصحته وتعليمه... فالمجتمعات في ظل تنامي العولمة تتقاسمها مخاوف متشابهة ومتباينة، وتسعى جاهدة لإعمال كل طاقاتها القانونية والمؤسساتية لمعالجتها أو لاستباقها. فمن هجرة منظمة وسرية من دول الجنوب إلى دول الشمال، وكل التداعيات الأمنية التي تطرحها في دول الاستقبال والأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي دعت إلى ذلك في دول الجنوب، إلى إرهاب عابر للقارات والحدود، مرورا بالصراعات والحروب التي تودي بحياة الآلاف من البشر في فلسطين المحتلة والعراق وأفغانستان والعراق، كلها عوامل غذت جذور اللاتفاهم والتنافر بين الشعوب والأمم وأضحت تنمي أغصان الكراهية والشنآن وتولد نظريات التشاؤم والمخاوف المتتالية.....ومحاولات كثيرة تبذل لإزاحة غيوم الظلام والغبش الفكري الذي يتراكم اليوم في أعين بعض الناس...ولكن كل تلك المحاولات تضرب في صفر عند بروز استفزازات مشينة كما هو شأن الفيلم المسيء للإسلام...فالعالم غدا قرية صغيرة في ظل السلطات الجديدة للعولمة وأصبح للأفكار الرائجة مغزى وأبعاد وانعكاسات مباشرة على العديد من الأمم والقارات، فالفلم أثار ردود فعل مشينة كما كانت الرسوم الكاريكاتورية الدانماركية المشوهة للرسول المصطفى محمد (صلى الله وسلم) قد أثارتها من قبل... وبدون وعي إنساني متجذر والرفع من مستوى مسؤولية الدولة في هذا الاتجاه سندفع بالبشرية إلى ما لا يحمد عقباه.

 

الوعي الإنساني ووحدة الأسرة البشرية ومصالحها المشتركة
د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة