ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 21/09/2012 Issue 14603 14603 الجمعة 05 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

      

تتطاير أوراق الذاكرة عند استقطاب تداعيات الذكريات، ولملمة أشتاتها عند غياب عزيز عبرت هواجسه في أنسجة الذاكرة، وسكنت شجونه أعماق القلب، ذلك ما تراءى لي إثر وداع الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الحميدي أحد أصدقاء والدي ورفقته في العمل -رحمهما الله- الذي غادرنا إلى الدار الآخرة يوم الأربعاء الحادي عشر من شهر شوال عام 1433هـ.

الورقة الأولى تجمع بينهما في «قصر المربع» في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز -غفر الله له- حين كانا في ظل ذلك الموكب الأثير يعملان ضمن خلية من نخب الوشائح الوثيقة، والرفقة التي لا يشقى بها جليسها، وتختزن التفصيلات أمشاجاً من الملامح ووجوه الشبه التي تختصر عند حديث الوداع الحزين. وتبرز في الورقة الثانية العلاقة الوثيقة في التوجه إلى طلب العلم الشرعي لدى فضيلة الفقيه الحافظ المرشد الشيخ عبدالعزيز بن محمد السالم الذي كان مقر سكنه في الركن الجنوبي الشرقي من قصر المربع ملتقى طلبة العلم من العاملين بالقصر وغيرهم من الحفاظ و»المطاوعة» الذين يسكن عدد منهم في المربع وآخرون في ثليم الذين يتوافدون للاستماع إلى دروس الشيخ عبدالعزيز بن سالم أو سؤاله عن عدد من مسائل الفقه والعقيدة والحديث وفي هذا الملتقى يحضر أطياف من الفقهاء والمعلمين والدراسين منهم فضيلة الشيخ سعد بن فالح إمام جامع الملك عبدالعزيز بالمربع، المعلم في معهد إمام الدعوة، وفضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الراجحي إمام مسجد الحديثي، والشيخ المعلم إبراهيم العوهلي، والشيخ المعلم سليمان الدغيري، والشيخ العلامة سليمان بن عتيق، والشيخ عبدالله بن محمد السالم وابنه الشيخ عبد المحسن السالم والشيخ عبدالله بن عبدالعزيز الراجحي والشيخ حمد بن سعيد وغيرهم من طلبة العلم الذين لا تنسى ذاكرة الشيخ عبدالرحمن الحميدي شخصياتهم الأثيرة لديه لمعاصرتهم له وصلتهم به للإفادة من أحاديثه الشيقة ورواياته الدقيقة الواعية واستفادته هو من فقههم وعلمهم.

وينسج وثيقة الورقة الثالثة أحد مرافقي الشيخ عبد الرحمن الحميدي، ذلك هو الحاج حامد المنوفي الذي يحكي عن مرافقته لوالدي وعبدالرحمن الحميدي وعدد من المهندسين والمساحين لتمتير أرض السويلة جنوب الرياض تمهيداً لبناء سكن «والدة الأمير ماجد بن عبد العزيز» قبل أكثر من خمسين سنة، وقد استغرقت المهمة أياماً عديدة ربما تزيد عن الشهر، وهذا التوثيق التراتبي يفيد في مرحلة الانتقال من حي المربع في عهد الملك سعود وعهد الملك فيصل إلى أحياء أخرى ربما نحظى بتوثيقه لدى نخبة من المهتمين بالتوثيق ومنهم المؤرخ الأستاذ عبدالرحمن الرويشد، والشيخ عبدالله بن عبدالعزيز الراجحي الذي انتقل قبل أكثر من أربعين عاماً إلى جدة حيث اقتصرت رواية عبدالرحمن الحميدي على التوثيق الشفوي فقط.

أما الورقة الرابعة التي تبرز شخصية الراوية المحدث عبدالرحمن الحميدي الذي يمتاز بالدقة والتفصيلات في صياغة الحكاية، وسرد الروايات التاريخية والاجتماعية عن الأحداث التي عاصرها في حياته بمرافقته مع موكب الملك عبدالعزيز في رحلاته الشتوية إلى البر، والصيفية إلى الطائف ومكة وجدة، ورحلات العمرة، والحج وقد اشترك في عدد من الغزوات وفق حديث ابنه «فهد» لكنه لا يحرص على الحديث عنها ولم يحدد أسماءها، وإنما كان يجيد الحديث عن المعاناة السابقة في عهد الملك عبدالعزيز عن الرحلات الصحراوية الشاقة المتعبة، وقد استطرد في حديثه عن قصة «المغرزات» حين كانوا منطلقين من الرياض إلى الشمال ثم الحجاز واستغرق وصف تلك المعاناة ساعتين من العصر حتى المغرب أما معاناة التغريزات فقد استغرقت أياماً حتى انتهت تماماً، وهي من الذكريات التي لا تكاد أن تنسى في ذاكرة الحميدي ورفقته، وكان ابنه «فهد» في طفولته يعشق إعادة سماعها!! بالإضافة إلى المواقف المعبرة في رحلات الحج السنوية التي يتولى شأن تدبيرها وإدارتها باحترافية وإتقان.

وفي الورقة الخامسة توثيق لمقر سكن عبدالرحمن الحميدي -بعد الدرعية- حيث انتقل والده سليمان -رحمه الله- إلى حي المليحة «شمال مسجد أم ماجد» وسط مدينة الرياض حالياً، وهو مجاور لسكن سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز بن عبد الله آل الشيخ -قديماً- لذلك كانت علاقته وثيقة بسماحته وظلت نتيجة حرصه على متابعة الإفادة من دروس الفقهاء ومحاضراتهم والصلة معهم فانعكست على شخصيته فيما بعد إذ أصبح حكيماً مدبراً مستشاراً، وصاحب مبادرات.

وفي الورقة السادسة توثيق تلقي تعليمه في البداية لدى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ عبدالرزاق عفيفي، والشيخ عبدالله خياط إمام الحرم المكي الشريف، والشيخ عبدالعزيز بن محمد الشثري - جاره بحي العطايف.

وفي الورقة السابعة التي أوثقها شخصياً لزيارتي وقربي من سكنه في حي الخزان، وكان يسكن قريباً منه الأستاذ عثمان الصالح والأستاذ عبدالله نور، والشيخ عبد الرزاق عفيفي وكثيراً ما نلتقي في «جامع الجوهرةٍ» على شارع الإمام فيصل بن تركي «الخزان» بعد صلاة الجمعة قبل ثلاثين سنة على مدى عقدين من الزمان تعبر أشتات منها عن الوشائج الاجتماعية والثقافية التي تجمع عناصرها، ولا تعفي أحداً منهم من التعبير عنها في الوقت المناسب، وبالأسلوب اللائق برفقة الحياة. ولصياغة «الورقة الثامنة» صياغة وثائقية معبرة حاولت أن أحصل من أخي فهد بن عبدالرحمن على تسجيل توثيقي صوتي عنه أو منه يتحدث فيه، لكنه نفى وجود ذلك بحضور أبناء شقيقه محمد بن سليمان وعبدالله بن سليمان وأحفاده، وبخاصة فيصل بن عبدالعزيز الحميدي الذي أبلغ عن وفاة جده عبدالرحمن بتغريدته في «التويتر» ونايف اللذين كانا مرافقين لجدهما في سكنه بالبديعة المجاور للجامع الذي بناه على نفقته الخاصة، الذي لا ينسى حرصه على اختتام مسائه بتلاوة الورد، والدعاء لأولاده وأحفاده، وجميع محبيه، وأكد حفيده نايف أنه يذكرهم بأسمائهم وفاء وتقديراً لحضورهم في حياته ووجدانه، ويدعو لهم في ظهر الغيب.

ولا بد في تناول شخصية الوالد الفاضل عبدالرحمن الحميدي من الإيماء إلى مدى الصلة الوثيقة بن عبدالرحمن بن سليمان الحميدي وأشقائه عبدالله وعبدالعزيز وصالح، وتواشجهم بفعالية وثقة وإخلاص في خدمة الدولة وتوجه شقيقهم محمد إلى التجارة حتى وفاته -رحمهم الله جميعاً- فكانوا جميعهم مثالاً للإتقان، والتعامل الأخلاقي النبيل، أما عند العبور إلى اقتناص الورقة التاسعة فقد سألت أخي الأستاذ محمد بن عبدالله الحميدي عما يعرفه عن سيرة عمه عبدالرحمن قال: إنه كان يؤثر أن يحتفظ لنفسه بكثير من الشؤون الخاصة بعمله لأنه يعدها سراً أؤتمن عليه، على الرغم من قدرته على الرواية الدقيقة المعبرة عن الأحداث التاريخية التي عاصرها منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- حتى العصر الحاضر، وعلاقته بالأمراء، والمشايخ، والفقهاء، والأدباء والأعيان تشهد له بذلك، وقد اتجه آخر حياته على التركيز على أعمال البر والخير والإحسان بأسلوبه الخاص، وكان يشرف بنفسه على حلقة «تحفيظ القرآن» في جامعه الذي بناه جوار سكنه بالبديعة، ومسجده الذي بناه في حي «قروى بالطائف» التي آمل أن يستمر نشاطها بعده برعاية أولاده وأحفاده لتظل «صدقة جارية» له ولهم.

وفي نسيج مشوار الصلة والوفاء فقد التقيت بالشيخ عبدالرحمن الحميدي في مناسبة افتتاح «جامع والدة الأمير ماجد بن عبدالعزيز» قبل خمس سنوات بطريق الحاير، ولحظت مدى فرحته وابتهاجه بافتتاح هذا الجامع تعبيراً عن استمرار الوفاء لتك الإنسانة الفضلى حيث كان وزيراً لها ومديراً لأعمالها الخيرية على مدى سنوات طويلة.

وكان حريصاً على تجدد صلة اللاحقين بالسابقين على طريق الخير والمحبة والإحسان التي تظل ألقاً في تجليات الذاكرة وأنسجة الوجدان مدى الحياة (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).

وفي ختام هذه الوداعية المتشبثة بالحزن لفراق عزيز عاصر جيل الآباء والأبناء والأحفاد فكان حضوره أثيراً لدى كل من عرفه، وعاش قريباً منه، وأفاد من حكمته ورأيه وخبرته الطويلة في الحياة، الممتدة في الذاكرة والشجون، والرفقة المتألقة، المكتنزة بالمحبة والألفة والإيثار، رحم الله الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الحميدي، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة ووالدينا ووالديه وجميع الأحبة الأثيرين المؤثرين وفي ختام هذه الوداعية أشكر سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ على مبادرته الواعية الأثيرة وإصراره على الصلاة على رفيق العمر والوفاء الشيخ عبدالرحمن الحميدي، حيث حضر وأم المصلين في جامع الملك خالد بن عبدالعزيز، وقدم التعازي لأولاده ومحبيه عصر يوم الخميس 12-10-1433هـ أثابه الله على وفائه وتقديره..

a.salhumied@hotmail.com
 

وداع الراوي الأثري الشيخ:
عبدالرحمن بن سليمان الحميدي
عبد الله بن سالم الحميد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة