ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 22/09/2012 Issue 14604 14604 السبت 06 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أحياناً أتساءل لماذا نحن دائماً ما نضع أنفسنا في خانة «الغير» عن بقية العالم، ولماذا نعتقد أننا نتمتع بخصوصية تجعل منا أمة لها مقاييس تختلف عن بقية الأمم، وما الذي أوصلنا لهذه الحالة المستعصية عن الحل في العصر الحاضر، وهل سنكون في هذه الدرجة من الخصوصية لو لم يُكتشف النفط!، أكتب ذلك، عن مجتمع يكاد يختنق وسط أمة من العمال والخدم، وتظهر تلك الصورة النمطية عن خصوصية السعوديين عندما أسمع عن معاناة بعض المواطنين المالية والاجتماعية في حياتهم الخاصة في ظل وجود سائق أجنبي يعيش بينهم، ويكلفهم أموالاً هم في حاجتها، من أجل حل إشكالية منع زوجاتهم من قيادة سيارتهم إلى العمل أو المدرسة، وليس ذلك إلا أحد الأمثلة على خصوصية الحالة السعودية.

تعيش المملكة في أكبر حركة نقل للسائقين في العالم، فنحن الأمة الوحيدة في العالم التي تستورد أمماً من السائقين من دول آسيوية وعربية، ويكاد يعتمد اقتصاد بعض الدول على خصوصيتنا التي جعلت من استقدام السائق ضرورة لا غنى عنها في المجتمع السعودي، وليس رفاهية تتمتع بها الفئات الثرية كما هو الحال في بقية العالم، والمفارقة أن راتب السائق في سوق السواقين وصل إلى معدلات تفوق بعض رواتب السعوديات، وهو ما يزيد من معاناة المرأة السعودية العاملة المالية، لدرجة أن أغلب أو جل دخلها يذهب في تكاليف استقدام ورواتب السائق، ومع ذلك لم يُحرك ذلك المساعي إلى مراجعة الفتوى الدينية التي تُحرم قيادة المرأة للسيارة، وأتساءل: هل كانت تلك الفتوى ستصدر في ظروف لا يكون النفط أحد مقوماتها الرئيسية.

جعلت الخصوصية السعودية من غرفة السائق جزءاً لا يخلو منه أي تصميم معماري حديث للمنزل السعودي، وأصبح وجود عامل آسيوي يلبس إزاراً عند باب المنزل مشهداً مألوفاً في أحياء المدينة أو القرية، يظهرون أحياناً في جماعات كبيرة عند صالات الزواج وبجانب مداخل الأسواق وبعد صلوات الجمعة، ويتجمهرون في تجمعات أكبر وسط المدينة في نهاية الأسبوع، ومع مرور الوقت أصبحت تلك المشاهد مألوفة في الخصوصية السعودية، لكنها عند بقية العالم مشاهد في غاية الغرابة والدهشة، والسبب أننا اعتدنا رؤية تلك الحشود الكبيرة للسائقين في حياتنا الخاصة والعامة، سواء في المنزل، لأننا نعيش بين أمة من السواقين تدخل في تفاصيل حياة المواطن والمواطنة السعودية وتتحكم في تنقلاتهم في المدينة، ولو قرروا يوماً ما العودة لبلادهم لأصيبت الخصوصية السعودية بالشلل التام..، ألم أقل إننا أمة غارقة في خصوصيات لها علاقة بالتخلف عن ركب العالم المتحضر!

ظهرت في الخصوصية السعودية لغة خاصة بالسائقين، لها مفردات ومصطلحات، تختزل قواعد اللغة العربية في صيغة ضمير المخاطب «أنت»، والفعل المضارع، ومثال ذلك: «أنت يروح وأنت يجيب»، وتكاد تخلو من غير ذلك من الأسماء والأفعال المبنية والصفات، يتحدث بها الكبار ويتعلمها الصغار أباً عن جد، واعتاد المواطن أن يُغير لا إرادياً من لهجته وطريقة تعبيره عندما يتحدث مع سائق، وتتحول كلماته إلى لغة أنت المخاطب؟، ولن أستغرب يوماً ما أن يخرج قاموس صغير عن كيف تتكلم لغة «السواقين» في خمسة أيام؟

بسبب تلك الخصوصية أيضاً يخرج نحو ملياري ريال سعودي شهرياً للخارج، عند تقدير عدد السائقين بمليون سائق، وبراتب يتراوح بين (1500-3000) ريال سعودي، وهي تكلفة عالية جداً نتيجة للتردد في إلغاء العمل بحكم فتوى تحرم قيادة المرأة السعودية للسيارة، وتجعل من السائق أحد مقومات نجاح الحياة الزوجية في ظل الحد من مسؤولية المرأة في المجتمع، ولكن إلى متى نستمر في هذه الحالة الخاصة جداً، وهل سننتظر آخر قطرة من الزيت حتى نخرج من قيود الخصوصية السعودية؟

 

بين الكلمات
أمة من السائقين
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة