ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 23/09/2012 Issue 14605 14605 الأحد 07 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أنهت لجنة الشؤون الاجتماعية بمجلس الشورى، دراسة مشروع نظام “زواج السعوديين بأجنبيات”، الذي تضمن استخدام تحليل الحمض النووي؛ لإثبات نسب الأطفال السعوديين المجهولين في الخارج، وذلك حال إنكار الأب، وإثبات الأم زواجها منه، بعد أن وافقت هيئة كبار العلماء في المملكة -

قبل أيام-، على جواز: “استخدام نتائج تحليل الحمض النووي في مسألة إثبات النسب، والهوية، بغرض منح الجنسية السعودية”. وجاءت موافقة الهيئة، وفقاً -لصحيفة الشرق الأوسط-، عقب مناقشتها دراسة حول إجراء فحص الحمض النووي؛ لغرض منح الجنسية السعودية في حالات محددة، حيث برزت قضية إثبات النسب لنحو 853 طفلاً لآباء سعوديين، أنكر الآباء إنجابهم من أمهات أجنبيات.

يعتبر تحليل البصمة الوراثية عبر خريطة الجينات، مدخلاً إلى معرفة نسب الإنسان لأبيه، وأمه، كونها تلازم الإنسان إلى يوم الدين، فلا يمكن محوها، أو العبث بها، أو التخلص منها -بحال من الأحوال-. كما يمكن الاستعانة بهذا العلم؛ لخدمة الإنسان في كثير من مناحي الحياة، بما يتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية، وتطبيقها على المنهج الصحيح.

من الناحية التاريخية، فقد بيّن العالمان: “واطسون” و”جريج”، في عام 1953م، من أن جزيء الحمض النووي “DNA”، يتكون من شريطين، يلتفان حول بعضهما على هيئة سلم حلزوني، ويحتوي الجزيء على متتابعات من الفوسفات، والسكر. ودرجات هذا السلم، تتكون من ارتباط أربع قواعد كيميائية، تحت اسم أدينين A، ثايمين T، ستيوزين C، وجوانين G، ويتكون هذا الجزيء في الإنسان من نحو ثلاثة بلايين ونصف بليون قاعدة. كل مجموعة من هذه القواعد، تمثل جينًا من المائة ألف جين الموجودة في الإنسان، إذًا فبعملية حسابية بسيطة، نجد أن كل مجموعة مكونة من 2.200 قاعدة، تحمل جينًا معينًا، يمثل سمة مميزة لهذا الشخص، هذه السمة قد تكون لون العين، أو لون الشعر، أو الذكاء، أو الطول، وغيرها.

وقد عرف العلماء المتخصصون، أن: ذات الإنسان كجسم، هو عبارة عن خلية بداخلها النواة، مسؤولة عن حياة الخلية، ثم يتم معرفة ما بداخل النواة، حيث إنها تحتضن الصبغيات، أو الكروموسومات الستة و الأربعين؛ لتنقسم. ثم تم اكتشاف أن هذه الصبغيات، أو الكروموسومات، تقع في شكل شريط مرتب عليه حوالي مائة ألف جين، تشبه في شكله شكل الخرز على الخيط، ثم يتم التوصل إلى معرفة أن الجين الواحد مكون من أربعة عناصر متضافرة، -ولذا- يمكننا القول: إن البصمة الوراثية، هي: تعيين هوية الإنسان، عن طريق تحليل جزء، أو أجزاء من الحمض النووي، المتمركز في نواة أي خلية من خلايا جسمه.

ولأننا نعيش ثورة علمية هائلة في مجال الهندسة الوراثية، من خلال تدرجها العلمي، وتسلسلها المنطقي، حتى تم اكتشاف البصمة الوراثية، عن طريق استخلاص الحمض النووي الوراثي، من العينات الحيوية، وهي عبارة عن: مادة وراثية موجودة جميع الكائنات الحية، تحفظ بنيته التركيبية. -إضافة- إلى مقاومته الظروف البيئية إلى حد ما، فنستطيع -من خلالها- إظهار النمط الوراثي للصفات، ومن ثم معرفة هوية صاحبه بكل دقة. وهي -بلا شك- نتاج علمي أودعه الله في عقل الإنسان، ونعمة تستحق أن تذكر فتشكر، حباها الله على خلقه.

من الناحية الفقهية، فقد أجاز المجمع الفقهي الإسلامي، استخدام البصمة الوراثية، في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من 21 إلى 26-10-1422هـ، وقد صدرت عدد من القرارات في اختتام أعمال الدورة، على النحو التالي:

(القرار السابع: بشأن البصمة الوراثية، ومجالات الاستفادة منها.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن مجلس الفقه الإسلامي.. وبعد النظر إلى التعريف الذي سبق للمجمع اعتماده في دورته الخامسة عشرة.. ونصه: “البصمة الوراثية، هي البنية الجينية، نسبة إلى الجينات، أي: المورثات، التي تدل على هوية كل إنسان بعينه، وأفادت البحوث، والدراسات العلمية، إنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة؛ لتسهيل مهمة الطب الشرعي. ويمكن أخذها من أي خلية بشرية، من الدم، أو اللعاب، أو المني، أو البول، أو غيره”. وبعد الاطلاع على ما اشتمل عليه تقرير اللجنة، التي كلفها المجمع في الدورة الخامسة عشرة بإعداده، من خلال إجراء دراسة ميدانية مستفيضة للبصمة الوراثية، والاطلاع على البحوث التي قدمت الموضوع من الفقهاء، والأطباء، والخبراء، والاستماع إلى المناقشات التي دارت حوله، تبين من ذلك كله: أن نتائج البصمة الوراثية، تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين، أو نفيهم عنهما، وفي إسناد العينة “من الدم، أو المني، أو اللعاب”، التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها، فهي أقوى بكثير من القيافة العادية “التي هي إثبات النسب، بوجود الشبه الجسماني بين الأصل والفرع”، وإن الخطأ في البصمة الوراثية، ليس وارداً من حيث هي، وإنما الخطأ في الجهد البشري، أو عوامل التلوث، ونحو ذلك.

وبناءً على ما سبق، قرر ما يلي:

أولاً: لا مانع شرعاً من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي، واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي، ولا قصاص، لخبر: “ادرؤا الحدود بالشبهات”، وذلك يحقق العدالة، والأمن للمجتمع، ويؤدي إلى نيل المجرم عقابه، وتبرئة المتهم، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة.

ثانياً: إن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب، لابد أن يحاط بمنتهى الحذر، والحيطة، والسرية. ولذلك، لابد أن تقدم النصوص، والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية.

ثالثاً: لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان بسورة النور.

رابعاً: لا يجوز استخدام البصمة الوراثية، بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعاً. ويجب على الجهات المختصة منعه، وفرض العقوبات الزاجرة، لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس، وصوناً لأنسابهم.

خامساً: يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب، في الحالات الآتية:

أ- حالات التنازع على مجهول النسب، بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، -سواء- كان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة، أو تساويها، أم كان بسب الاشتراك في وطء الشبهة، ونحوه.

ب- حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات، ومراكز رعاية الأطفال، ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.

جـ- حالات ضياع الأطفال، واختلاطهم، بسبب الحوادث، أو الكوارث، أو الحروب، وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب، والمفقودين.

سادساً: لا يجوز بيع الجينوم البشري لجنس، أو لشعب، أو لفرد، لأي غرض. كما لا تجوز هبتها لأي جهة؛ لما يترتب على بيعها، أو هبتها من مفاسد).

وإذا كان القضاء يحتاج إلى قرائن قوية، دالة على إظهار الحقيقة عند الاشتباه، -لاسيما- وأن بعض القضاة يجد شيئاً من الحرج في استخدام هذا الحمض النووي الوراثي كدليل يترتب عليه حكم شرعي في القضايا الجنائية، وبعض قضايا البنوة لوجود خلاف على مشروعية استخدام الحمض النووي الوراثي في القضايا الجنائية، وقضايا النسب المتنازع فيها، وإن كان مذهب جمهور العلماء، هو مشروعية العمل بالبصمة الوراثية. فإن هذا العلم، يتضح أهميته في: اعتماده على التطابق في كل ما يمكن أن يكون متوارثاً من الأبوين، ولا يمكن -أبداً- أن يكون مستحدثاً جديداً. إذ يُعتبر قرينة تقدم؛ لمعرفة نسب الأبناء مجهولي الأبوين، وحالات تبديل المواليد، ونزاع البنوة -فيما عدا- التوأم السيامية. -إضافة- إلى جرائم القتل، والاغتصاب، والسرقة، ومعرفة نسب الجثث المتفحمة، والمجهولة الهوية. أي: أن الاستفادة من هذا العلم، سيكون في المجالات الطبية، والأمنية، والاجتماعية.

من العلماء من أشار، -كالشيخ- علي حكمي، إلى أنه: برغم ما يؤكده علماء الجينات، والبصمة الوراثية، من إمكان التيقن من الشخص في الحالات الخاضعة للتحليل، والبحث، -سواء- إثبات نسب، أو حقيقة شخص مجهول، أو تحديد مجرم ارتكب جريمة سرقة، أو قتل، ونحوها، وبالرغم من هذا كله، إلاّ أن الوسائط المؤدية إلى هذه النتائج اليقينية من حيث ذاتها، مثل: المعامل، والآلات، ونقل العينات، وغيرها، قد يدخلها الخلل، والخطأ البشري، وبسببها قد تكون النتائج محتملة، وليست يقينية، ومن هنا فإن البصمة الوراثية، لا تتجاوز كونها قرينة قوية في دلالتها، ويعتمد عليها اعتماداً ظنياً مع غيرها من الدلائل، والقرائن الأخرى. إلا أنه يمكن الرد عليه، بأن: تقنية الحامض النووي، مكنتنا من التعرف على الشخص بكل دقة، وسهولة ؛ لما تتمتع به من خصائص خلقية، وفنية. إضافة إلى موافقتها إعمال العقل، والمنطق، ومن ذلك: تميزها بعدم التكرار بين الأفراد، والدقة في التوصل إلى جذور الحقيقة، مما يجعلنا نؤكد على: أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية؛ لتسهيل مهمة الطب الشرعي، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فقد أوصى المجمع الفقهي، بتكوين لجنة خاصة بالبصمة الوراثية في كل دولة، يشترك فيها المتخصصون الشرعيون، والأطباء، والإداريون، وتكون مهمتها الإشراف على نتائج البصمة الوراثية, واعتماد نتائجها. -إضافة- إلى وضع آلية دقيقة؛ لمنع الانتحال، والغش، ومنع التلوث، وكل ما يتعلق بالجهد البشري في حقل مختبرات البصمة الوراثية، حتى تكون النتائج مطابقة للواقع. وأن يتم التأكد من دقة المختبرات، وأن يكون عدد المورثات “الجينات المستعملة للفحص”، بالقدر الذي يراه المختصون ضرورياً، دفعاً للشك.

وفي المملكة العربية السعودية، تمت دراسة موضوع البصمة الوراثية من كافة النواحي -الشرعية والاجتماعية والطبية والنظامية-، إلى أن صدر نظام: “أخلاقيات البحث على الكائنات الحية”، بقرار رقم 23-13 في 20-4-1431هـ. وقد عمل بالبصمة الوراثية في قضايا الاغتصاب في القضاء السعودي، باعتباره أحد تقارير الخبرة المعتبرة نظاماً، كونها تندرج ضمن المستند الشرعي، والنظامي للحكم القضائي. ومن ذلك: ما ورد في نص المادة السادسة والسبعين من نظام الإجراءات الجزائية السعودي، أن “للمحقق أن يستعين بخبير مختص؛ لإبداء الرأي في أي مسألة متعلقة بالتحقيق الذي يجريه”، ومثله -أيضاً- ما ورد بنص المادة الثانية والسبعين بعد المائة من نظام الإجراءات الجزائية السعودي، أن “للمحكمة أن تندب خبيراً، أو أكثر؛ لإبداء الرأي في مسألة فنية متعلقة بالقضية”.

بقي أن أقول: يجوز لولي الأمر إصدار نظام، يلزم فيه العمل بالبصمة الوراثية؛ للمصلحة العامة، وفقاً للقاعدة الفقهية: “تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة”. ومن تلك المصالح: المحافظة على النسل، باعتباره ضرورة من الضرورات الخمس، التي اهتمت بها الشريعة الإسلامية. ومثلها مصلحة: درء المفاسد الاجتماعية، والسعي إلى تأمين العدالة، وهذه -بلا شك- من المصالح المأمور بها شرعاً.

drsasq@gmail.com
باحث في السياسة الشرعية
 

معالم .. في التعامل مع البصمة الوراثية!
د.سعد بن عبدالقادر القويعي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة