ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 24/09/2012 Issue 14606 14606 الأثنين 08 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في استعراضه، إطناباً وتفخيماً، لأهمية الثقافة والكتاب والفكر في حياته وحياة أبنائه، تغلبُ على العربي سطوة الثقافة الشفوية، وحداثة النعمة الفضائية التلفزيونية، التي تتخذ من المبالغة الخطابية العابرة للغرائز والسطحية الاستسهالية شكلاً أساسياً لها.

وإذا صدَّقنا ما يقوله العربي عن اهتمامه العميق، والعريق أيضاً، بالكتاب والثقافة، يتوهم سامعه البعيد أن العربي يُعامل الكتاب بمثل ما يُعامل “الوطن”، ويُعامل الثقافة معاملته لـ”أمه”.

وللعلم فقط، فإن “الوطن” هو الذي لا يزال العربي، منذ أيام ابن الرومي، تُنازع إليه في الخلد نفسه، و”الأم” هي التي تُعد شعباً طيب الأعراق.

النتيجة التي يحصدها العربي اليوم تفضح استعراضيته الإطنابية التفخيمية للكتاب والثقافة؛ ليظهر كأنه يقول ما لا يعني، أو كأنه ما إن يفتح فاه حتى يترك لمسجل صوتي عتيق، سُجّلَ قبل اكتشاف الكهرباء بقرون، أن.. يتكلم.

على المستوى العملي، نادراً ما يُُقدم العربيُ الكتابَ هدية، مُؤثراً اللعبة للصغار، والزهر أو قالب الحلوى للكبار.

وعندما يتحدث عن عراقته الثقافية الماضية في كل ميادين التقدم والتطور، في القرون الوسطى، وقت كانت أوروبا تعيش في ظلام عقلي ثقافي حقيقي لا مجازي، يُتخم كل ميدان من تلك الميادين العتيقة بالحِكم الشعرية والمواعظ المتبجحة، ويكاد يتهم عباس بن فرناس بأنه أول من وطأ القمر والمريخ أيضاً، حتى دون أن يتأكد، حتى الآن، أن كلامه اليوم لم يعد يعني سوى البلاهة السعيدة بذاتها.

إنه، باختصار، الحنين إلى الماضي، العابق في أنفاس العربي وأوردته الدموية، دون أن يُبادر فوراً - على الأقل - بتقليد اهتمام أجداده الأولين الجدي الحقيقي بالكتاب والثقافة.

ثمة من يقول ويُردد: إن الحنين إلى الماضي يتضخّم عند العربي كضرب من محاولة مجابهته مزيداً من الخيبات والأزمات، التي تحلّ به، دون أن يعي أن مثل هذه الخيبات والأزمات هي إفراز وتفاعل طبيعيان لما يسود حياته من ضحالة ثقافية وفراغ فكري، وانعدام أُفق مستقبلي.

وثمة من يقول أيضاً إن العربي إذا شاهد مسلسلاً تلفزيونياً عن الأندلس يهز نخاعه الشوكي شعور بالحنين إلى الأندلس العربية الإسلامية، فيتخيّل نفسه طارق بن زياد يمخر عباب جبله في طريقه إلى أشبيلية. وإذا سمع فيروز تغني “سنرجع يوماً” يتذكر مفاتيح القدس العتيقة؛ فيروح، بعصبية، يضغط على مفاتيح سيارته، مُحاولاً التأكد من وجودها، ومن أنها لا تزال تعمل.

هذه الرغبة في الحنين إلى الماضي نابعة من يأس حيال الحاضر والمستقبل، بعد إحالة الكتاب إلى التقاعد، وتخزين الثقافة في أقبية الثقافة الشفوية.

تُرى، بعد كم سنة يبدأ “الحنين” إلى صناعة المستقبل في ثقافة العربي وكتابه؟..

Zuhdi.alfateh@gmail.com
 

البلاهة السعيدة بذاتها
زهدي الفاتح

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة