ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 24/09/2012 Issue 14606 14606 الأثنين 08 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

 

في يوم الوطن تتجدد ذكرى النعم وخصوصية الاحتفاء في اللفظ والمعنى
الشيخ محمد عبد الكريم العيسى

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحمدُ للهِ وحدَهُ والصلاة والسَّلام على نبيَّنا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد: فإنَّ من أجلَّ الفضائل والخصائص التي منَّ الله بها على بلاد الحرمين الشريفين ـ المملكة العربيَّة السعوديَّة ـ تجدد النِّعَم وتتالي المنن، في طليعة التّسديد والتوفيق الإلهي لبلادٍ اعتزَّت بأسِّ كيانها، ورعت عهدَها الوثيق في أمانة الإسلام والمسلمين.

ولأن كان من الواجب إلا ننسى هذا الفضل الإلهي وأن نستصحبه دومًا فإنَّ التنويه به في يوم الوطن باعث على المزيد من الحفز والاستشعار بالمسؤولية؛ فأمانة الوطن في رقاب الجميع كلّ بحسبه، مدركين أن كافة أيامنا هي ـ بحمد الله ـ أيام وطنٍ مهدي بالهدايَّة الربانيَّة محملاً من المهام والأعباء ما له أهل ـ بعون الله ـ؛ فأمانة المقدسات ورعايَّة قاصديها، خدمةٌ في معقد عزِّ الدَّوْلة وشرفها، وبالمحل الأسمى في أولوياتها. واضطلاعًا بمهام الدَّوْلة الجِّسام نهض خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله- بأعباء كبيرة في بناء الدَّوْلة الحديثة، مدًا لسجلها التاريخي الكبير، لتترجم هذه العزيمة حجم الأفق القيادي في وجدان صادق يعمره الإيمان بربه والإخلاص والصدق مع وطنه وأمته، ولِلنَّاس من شواهد الحال دلائل يسعف بها الظاهر في تراجم الرِّجال، وللأمم من تاريخ حكامها عناوين، ولا تستقر في الذاكرة إلا تلكم الوثائق لتدوَّن في سجَّل التاريخ صفحة مضيئة بسير أعلام الأمة، وهم على هدي الإسلام في التسديد والمقاربة بجد واجتهاد وحرص على مصلحة البلاد والعباد، ولن يدَّعي الكمال صادق فهو لله وحده، ويكفي أن الهويَّة الإسلاميَّة هي مرتكز الدَّوْلة في القول والعمل وأن خطابها في كلِّ مناسبة يعبق بتجليات هذه الهويَّة المباركة. وفي سياق التخصص نحو المسؤوليَّة العدليَّة نشير إلى أن جهاز القضاء حقّق ـ بحمد الله ـ نقلات نوعيَّة أن في الجوانب التنظيميَّة الحديثة، أو مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير المرفق، الذي أسهم في إحداث هذه النقلة، وهيأ ـ بفضل الله ـ المزيد من الأسباب، لقيام المرفق بالمهام والمسؤوليات المناطة به على أكمل وجه. لقد سرَّنا كما سرَّ غيرنا تنويه العديد من المعنيين بالشأن القضائي والحقوقي في الداخل والخارج، بعطاء ومنجز مشروع خادم الحرمين الشريفين -أيَّده الله- لتطوير مرفق القضاء، مثمّنين قفزاته في كافة محاور المشروع، التي سبقت بعض الدول المتقدِّمة، ونحن على يقين بأن ثقة خادم الحرمين الشريفين في مرفق العدالة، ودعمه السخي لهذا المشروع، مع همة رجال المرفق ستزيد ـ إن شاء الله ـ من تميزه وعطائه، وتضيف لتاريخنا العدلي ما له أهل، وبه أحق وأجدر.

لا يخفي على كلٍّ متابع أن نظامنا القضائي الأخير أضفي العديد من التحديثات والضمانات إذ تركز في مجمله، على درجات التقاضي، بإنشاء محاكم الاستئناف، والمحكمة العليا، بعد أن كانت اختصاصات المحكمة العليا موزعة على محكمة التمييز، والهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى (السابق)، لتمثِّل هذه النقلة وحدة موضوعيَّة في إجراءات ودرجات التقاضي، كما تضمنت الآليَّة التنفيذيَّة لنظام القضاء إحداث العديد من الوظائف القضائيَّة والوظائف المساندة، في تأكيدٍ واضحٍ لتفعيل هذه النقلة في سياقٍ جادٍ وحثّيثٍ. ويؤمل ـ بعون الله ـ أن تشهد الساحة القضائيَّة بعد هذا الدعم الكبير المزيد من النقلات، وبخاصة ما يتعلّق بإِنْجاز القضايا، وتوحيد مبادئها، ومواصلة تدريب القضاة، وكتاب العدل، والإداريين في الإسناد القضائي والتوثيقي وإيفادهم للمزيد من التحصيل والتأهيل والتدريب الشرعي والإجرائي، والتفاعل مع الحراك العدلي في الجوانب العلميَّة والتنظيميَّة والإجرائيَّة والتقنيَّة وهو ما عملت وتعمل عليه الوزارة في أداء يزيد باطراد.

وقد سعت الوزارة إلى إيجاد منظومة قضاء إلكتروني متميزة؛ تطبيقًا لمفهوم الحكومة الإلكترونية؛ وفي هذا تَمَّ تنفيذ مشروع متكامل لزيادة سعة البنيَّة التحتيَّة التقنيَّة، لنقل الوزارة إلى تحقيق المزيد من تنفيذ تطلعات المرحلة المقبلة في الإجراءات وهندستها معززة بآخر المعطيات العصريَّة في هذا الشأن المهم.

ويحسن في صلة حديثنا عن التقنيَّة التنويه بالأداء الأمثل للربط الإلكتروني للمرافق العدليَّة، ومن ذلك ربط الجلسات القضائيَّة مع التفتيش القضائي، وإمكانيَّة متابعة القاضي لقضاياه في أي وقت ومن أي مكان، إضافة إلى توفير منظومة واسعة لتسهيل الحصول على الخدمات عن بُعدٍ، هذا فضلاً عن مضاعفة أعداد القضاة، وكتَّاب العدل، وشغل العديد من الوظائف الإسناديَّة، وتدريب آلاف القضاة وكتاب العدل والإداريين ـ بالتكرار ـ في زمن وجيز، وتمكين القيادات العدليَّة تحديدًا من الاطِّلاع على آخر ما توصلت إليه الإجراءات والتقنيات العصريَّة في الشؤون القضائيَّة والتوثيقيَّة والإسناديَّة، مع بناء بوابة إلكترونيَّة سهلت الكثير على طالبي الخدمات العدليَّة، مع إيجاد قاعدة واسعة للمؤشرات الإحصائيَّة والدعم العلمي. وقد حققت وزارة العدل في هذا مكاسب دوليَّة، منها حصولها على المركز الأول عالميًّا في سرعة نقل الملكيَّة العقاريَّة، وإشادة الاتحاد الدولي للمحامين، ونقابة القضاة والمحامين الأمريكيين، وحصول الوزارة على أوسمة وميداليات عالميَّة في هذا الشأن؛ تثمينًا لتحديث الإجراءات العدليَّة واختصارها، وتسهيل الحصول عليها. هذا ومن مهمات أعمال الوزارة في الأيام القادمة ـ إن شاء الله ـ تقليص مواعيد الجلسات لتحقيق مطلب العدالة الناجزة، وسيكون ذلك عن طريق المعاون القضائي، وإيجاد دوائر متخصصة نوعيًا داخل كل محكمة. ونختزل هذا البيان في أن منجزات تطوير مرفق القضاء والتوثيق تترجمها (عملاً) تميز الخدمات الإجرائيَّة والتقنيَّة، وتحكيها (تثمينًا) التقارير المحليَّة والمكاسب الدوليَّة، ونقدر عاليًا تثمين مجلس الوزراء منجزات العدالة في أكثر من جلسة للمجلس الموقر. كما نقدر تثمين عدَّة جهات معنويَّة ـ اعتباريَّة (عامة وخاصة) سبق أن تلقت الوزارة وثائقها التقديريَّة لمسيرة التطوير والتحدِّيث في مرفق العدالة، وبالأخص تقديرهم لتصحيح المفاهيم المغلوطة عن عدالة الشريعة الإسلاميَّة في زياراتنا لعدد من الدول، معتبرين هذا ركنًا أساسًا في مهمات ومسؤوليات المرفق العدلي؛ فالمملكة جزءٌ لا يتجزَّأ من منظومتها الدوليَّة، ولا بد من تعزيز الثِّقة بعدالتها، وتفويت الفرصة على كلِّ متربص ومغرض يريد النيل منها. إن الأسس الراسخة والحكيمة التي تركزت عليها سياسة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في تصريف شؤون الدَّوْلة، قامت على هدي كريم ونج قويم من كتاب الله تعالى وسنَّة نبيِّه المصطفى الأمين صلَّى الله عليه وسلَّم؛ امتدادًا لثابت الدَّوْلة المتين بتحكيم شرع الله القويم في كافة شؤون الدَّوْلة وفي طليعة ذلك القضاء. وهي الأسس التي رسخ مبادئها، وأرسى دعائم تأسيسها مؤسس هذا الكيان العظيم جلالة الملك عبد العزيز -طيَّب الله ثراه- لتأتي هذه الانطلاقة من قواعد ثابتة، تقوم بدورها الرائد في مواصلة تشييد صرحنا الوطني الكبير، الذي تشرف بخدمة الحرمين الشريفين، ورعايَّة قاصديهما، وجعل في طليعة اهتماماته نصرة القضايا العربيَّة والإسلاميَّة العادلة، مستشعرًا أهميَّة دوره في مجتمعه الدولي، في تعاطٍ إيجابيٍّ ومثمرٍ مع كافة المُتغيِّرات التي يشهدها عالم اليوم باستمرار، وما تتطلبه من حسن الاستطلاع، ودقة الرصد، وبعد الرؤيَّة، مع الأخذ بزمام المبادرة. إن النهج السديد الذي التزمته المملكة العربيَّة السعوديَّة بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- ترجم بجلاء المؤهلات القياديّة التي تتمتع بها قيادتنا الحكيمة، وكشف ذلك بوضوح العديد من المنعطفات والتحولات التي تشهدها الساحة الدوليَّة من حين لآخر، ليأتي التَّعامل معها بإدراك ووعي. لقد استشعرت الدَّوْلة أن قافلة العصر سريعة الحراك صعبة المراس، وألا مكان فيها للتباطؤ، والتسويف، وأنصاف الحلول، فكانت بنهجها الموفق في الطليعة بادراك يعاير عن بعد صعوبة كل قادم (نستشرف له أملاً وفألاً حسنًا)، إن لم يتم التَّعامل مع كافة مفرداته وتطلعاته من لحظاته الأولى. لقد استقرأت قيادة المملكة العديد من المفاهيم في خضم تعقيدات العصر، وعرضتها على قيم شريعتنا الغراء، لتتجاوز بهديها القويم المفاهيم الضيقة التي زادتها الغفلة والعنت هوة بعد هوة، لتأتي ـ على إثر رؤيَّة ميمونة ـ ثقافة الحوار بما تترجمه في منطق كل عاقل من نداء الحكمة والرشد، حيث دعوة خادم الحرمين الشريفين للحوار الديني والثقافي والحضاري، لتعكس هذه الخطوة المسددة بعدًا على المستوى الدولي، نوّه به الجميع. لقد أدرك -حفظه الله- أن منطق الحوار هو منطق العقل والعدل، رسخت ذلك إستراتيجيَّة موفقة، ابتدات بدعوته إلى: (المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار) في مكة المكرمة، ثمَّ إلى عالميته في مدريد، حيث نقلت فيه الرسالة التي صدرت عن مؤتمر مكة، ثمَّ دعوته -أيَّده الله- لفعاليات مؤتمر الحوار بين الأديان والتعاون من أجل السَّلامالذي عقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك ليؤسس لعالميته برعايَّة أمميَّة، تلا ذلك إنشاء مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين اتباع الديانات والثقافات، ثمَّ دعوته -حفظه الله- من رحاب البيت العتيق في الليالي الفضيلة من شهر رمضان المبارك خلال مؤتمر قمة التضامن الإسلامي الذي عقد هذا العام في مكة المكرمة إلى تأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلاميَّة. وبعد: فلنا مع نفحات المولى جلّ وعلا على البلاد والعباد موعدٌ يتجدد كل يوم، تسير فيه قافلة الخير، على ما أراد الله لها من الهدى والعون والتسديد، ولو لم يكن في هذه الذكرى وأمثالها إلا استجلاء السجل الوطني، في يوم توجهت إرادة القيادة لأن يكون أكثر مراجعة، ورصدًا وتقييمًا للأعمال والعطاءات، اغتباطًا بتجدد النعمة، وتحدثًا بها، وفرحًا بفضل الله ورحمته، وتحديثًا لذكراها، لتبقى في الوجدان، تعتز بتميز أسلوبها في الاحتفاء (لفظًا ومعنى)، تتحاشى المحاكاة والتبعيَّة، كتميز المحتفي به، في شأن من شؤون دنيانا، يحفه السمت العام وتوازن المنهج، ليكون - بعون الله - عونًا على معادنا، وسبيلاً للتواصي بالحق والصبر، والصلة والوداد، والعمل بعزم الرِّجال، لما فيه خير البلاد والعباد. نعم: في يوم الوطن تتجدد ذكرى النِّعَم على هدي الشريعة السمحة وخصوصيَّة الاحتفاء، والنفس المؤمنة أحوج ما تكون للذكرى، فهـي لـها نافعة ولعملها مــحفزة، وبالله التوفيق والتسديد.

- وزير العدل

 

رجوع

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة