ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 27/09/2012 Issue 14609 14609 الخميس 11 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

خلصنا في المقالات التي نشرناها في صفحات جريدة الجزيرة الغراء إلى أنه لا يتصور انطلاقاً من الرؤى المرجعية الإسلامية أن يتصارع الدين الإسلامي مع الدين النصراني أو الدين المسيحي أو أن تتصارع

الثقافة الإسلامية مع الثقافة الأمريكية أو الفرنسية أو غيرها، بل يمكنها أن تتعايش على أساس التعارف والاعتراف المتبادل بالمصالح المختلفة والاهتمامات المتعددة والانفصال القيمي والمفهومي، وخلصنا أيضا إلى أن الانزلاق الكبير والمتعمد هو تحميل عبء الأوضاع المزرية التي تعرفها مناطق متعددة إلى الخصوصيات الحضارية أو الثقافية أو الخصوصيات الدينية أو على هذه الخصوصيات مجتمعة كما يروج لذلك الساسة الإسرائيليون في تبرير سياساتهم التنكيلية بالشعب الفلسطيني، ويتجاهل السياسيون والاستراتيجيون الغربيون دور السياسات الدولية، في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وما أدت إليه في الكثير من الأحيان من إدماج العالم في حركة واحدة، وما نجم عنها من توزيع غير عادل للموارد المادية والمعنوية معاً.

ولن تخرج هاته المقالة مرة أخرى عن الأهداف التحليلية والتأسيسية للأسرة الإنسانية الواحدة للمقالات السابقة بعد الرسوم الفرنسية المشينة والفيلم الأمريكي المسيء للإسلام وللرسول المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم؛ ومرة أخرى بدأت تظهر يوميا برامج تلفازية وإذاعية وتحاليل صحفية في العالم الغربي لتفسير أبعاد وأهداف ردة الجماهير الإسلامية والتي في نظر العديد من الغربيين أنها تجسد غياب حقوق الإنسان والحريات العامة في الوطن العربي والعالم الإسلامي؛ لا أريد أن أدخل في هاته التفاصيل، ولكن الذي غاظني هو اغتنام بعض المفكرين الغربيين هاته الوقائع لتفسير السياسة الداخلية لإسرائيل تجاه الفلسطينيين والسياسية الخارجية لها؛ بل منهم من يرجع بالذاكرة الى هجوم إسرائيل على غزة (من الفترة 27 دجنبر 2008إلى 18 يناير 2009) لإعطاء شرعية لها، ولما يمكن أن يأتي فيما بعد...

للذكر ألحقت إسرائيل بغزة (من الفترة 27 دجنبر إلى 18 يناير 2009) قتلا جماعياً وخراباً ودماراً حيث تجاوز عدد القتلى 1300 شهيداً فلسطينياً وأكثر من5000 جريح، مستعملة كل أنواع العذاب والتنكيل، مقترفة جرائم الحرب التي يجرمها القانون الدولي؛ والخسائر المباشرة التي عانى منها سكان غزة أثناء وبعد الهجوم ليس إلا جزءا من الحكاية لأن اقتصاد غزة كان قد انهار قبل فترة طويلة بسبب الحصار الشديد الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، حيث أصبحت البنيات التحتية والحياتية صعبة جدا، وجعلت معظم السكان في فقر مدقع وبطالة متفشية؛ فهجوم إسرائيل على غزة كان من بين أهدافه التنكيل بشعب برمته وليس الهدف كما زعم الجانب الإسرائيلي أن تستعيد قوة الردع التي فقدتها أثناء حرب لبنان عام 2006، وأن تقضي على حماس وتمنع إطلاق الصواريخ عليها من غزة وتطلق سراح أسيرها جلعاد شاليط.

وإذا كان هجوم إسرائيل على غزة اعتبر حلقة من حلقات العمليات العسكرية التي تشنها إسرائيل على المنطقة، فإنها تعتبر ذات طبيعة خاصة سواء في أهدافها أو في درجة عدوانيتها ووحشانيتها أو في تفاعلاتها مع المنطقة؛ فمئات الملايين من السكان في أنحاء العالم خرجوا في تلك الفترة للتنديد بجرائم الحرب المقترفة في غزة، وكانت المظاهرات في العالم نفثة مكلوم، وآهة مصدور وأنة مجروح، وكانت الشعارات المرفوعة: وقف الهجوم الإسرائيلي، نهاية الحصار على غزة، وقف التعاون بين إسرائيل والاتحاد الأوربي، إلخ. واستعملت إسرائيل القنابل الفوسفورية بصفة عشوائية وفي مناطق آهلة بالسكان مما تسبب في مقتل وإصابة الكثير من المدنيين وتدمير العديد من المباني من بينها مدارس ومستشفيات ومخازن للمساعدات الإنسانية، فالمشكل كان ولايزال مشكلا سياسيا وليس بمشكل ديني. فالأمر يتعلق باحتلال طال أمده، وبشعب انتهكت حرماته ودنست مقدساته. وإسرائيل منذ نشأتها تظن أن لها الحق في التنكيل بشعب بأكمله، والسطو واستعمار الأراضي العربية، وتعلل هجوميتها بحق الرد على صواريخ حماس والشعب الفلسطيني المثقل بالعذاب الشديد الذي يعاني منه والمضرج بالجراح.

إن المقاومة الفلسطينية هي نتيجة للبغي والظلم والاستعمار الإسرائيلي، ولا أظن أنه بالإمكان القضاء عليها، وإسرائيل وحلفاؤها يجرمون المقاومة لكونها صادرة من مسلمين، وفي الإسلام حسب زعمهم ما يجعل التحاور مستحيلا والعيش السوي مستبعدا، فينتقل الحوار من مسألة استعمارية وسياسية محضة إلى مسألة دينية صرفة؛ فلو تصورنا أن الفلسطينيين لم تسلب أراضيهم ولهم دولة خاصة بهم كباقي الشعوب ويتمتعون بحقوقهم لقلنا إن المشكل ليس بمشكل سياسي.

ولا ننسى هنا أن أمريكا استعملت أكثر من 40 مرة حق النقض الفيتو في مجلس الأمن لوقف كل القرارات المنددة والمنتقدة لإسرائيل، وبالإمكان هنا الاستشهاد بأحد رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية السابقين جيمي كارتر الذي في كتابه الأخير (فلسطين: السلم لا الميز العنصري) يعطي جولة الحق وصولته للفلسطينيين: “هناك عاملان أساسيان ساهما في طول أمد العنف والانتكاسات الإقليمية: موافقة البيت الأبيض هاته السنوات الأخيرة على الأفعال غير القانونية لإسرائيل، مدعمة من طرف الكونكريس الأمريكي، ولامبالاة القادة الدوليين. هناك في إسرائيل حوارات اجتماعية وإعلامية لامتناهية عن السياسة التي يجب اتباعها في الضفة الغربية، ولكن بسبب قوة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية، نادرا ما تنتقد السياسات الإسرائيلية، كما أن الأمريكيين في غالبيتهم يجهلون الأوضاع في المناطق المحتلة. وفي نفس الوقت تبدي الساحة الإعلامية الأوربية انتعاضها لما يحدث في المناطق المحتلة مما يبدي استغراب الرأي العام (وأظنه يقصد به الرأي العام الأمريكي). وفي سنة 2003، استغرب الأمريكيون وغاضهم استطلاع رأي قامت به جريدة محترمة (International Herarld Tribune)، حيث استجوبت ما يزيد عن 7500 مواطن من الدول الأوروبية، واعتبروا أن إسرائيل تشكل بحق تهديدا للسلم والأمن العالميين أكثر من كوريا الشمالية، إيران أو أفغانستان”، ولتحقيق السلم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، دعا الرئيس التاسع والثلاثين للولايات المتحدة الأمريكية في نهاية كتابه إلى احترام الشرعية الدولية وتطبيق قرارات مجلس الأمن، يعني القرار 242 (1967) والقرار 338 (1973)، وبمعنى آخر الرجوع إلى حدود 1967. وبعد دراسته للقضية الفلسطينية في كل الكتاب، ندد الرئيس جيمي كارتر منطق الميز العنصري المطبق الذي يمنع كل تطور اقتصادي للفلسطينيين حيث كدر صفو حياتهم وسلب أرضهم ودمر صروح حضارتهم وتطورهم وعرقل مسيرة تنميتهم.

إن هذا الكلام هو لرئيس أمريكي يعي ما يقول، فشرح الأسباب والمسببات لأزمة واستعمار قيل عنه الكثير، ولم يرده إطلاقا إلى العامل الديني ولا إلى الإسلام ولا إلى المسلمين بل إلى عامل استعماري وإلى حق شعب في تقرير مصيره؛ وأصل جهل الشعب الأمريكي لما يقع في الأراضي المحتلة هو السياسة الدعائية التي يقوم بها الإسرائيليون واللوبي اليهودي المساند لتجريم الفلسطينيين ورد كل الانتكاسات المريرة إليهم، فيصبح بذلك الشعب الفلسطيني هو المتعدي، هو المجرم، وهو الإرهابي الذي يضرب له ألف حسبان؛ كما لعبت الإدارات الأمريكية المتتالية دورا كبيرا في تفاقم الوضع الفلسطيني بالدفاع المستبين عن إسرائيل وحمايتها من القرارات الأممية المنددة، والعلاج يكمن اليوم ليس في تجريم الفلسطينيين ولكن في حل مشكل أجيال عاشت في الهم والغم وفي الكمد والكبد ملأت نفوسهم الأحزان وتوجعت قلوبهم بالآلام وتلاشت أعمالهم في بزوغ فجر عالم الاستقلال، يسوده العدل والأمن والاستقرار.

 

الانزلاق المتعمد في تفسير الأزمات
د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة